فهرست

38

ذكرناها كان أمراً منطقيّاً تفرضه طبيعة العمل التغييري؛ إذ ليس من المعقول أن يرسم الهدف إلّاوفقاً لممكنات عمليّة، ولا إمكان عملي في حالة كالحالة التي واجهها الإسلام إلّاضمن الحدود التي ذكرناها؛ لأنّ الفاصل المعنوي والروحي والفكري والاجتماعي بين الرسالة الجديدة والواقع الفاسد القائم وقتئذٍ كان لا يسمح بالارتفاع بالناس إلى مستوى زعامة هذه الرسالة مباشرة خلال عقد أو عقدين من الزمن، وهذا ما سنشرحه في النقطة التالية، ونبرهن عن طريقه على أنّ استمرار الوصاية على التجربة الانقلابية الجديدة متمثّلة في إمامة أهل البيت وخلافة علي عليه السلام كان أمراً ضرورياً يفرضه منطق العمل التغييري على مسار التاريخ.

سادساً: إنّ جزءاً كبيراً من الامّة التي تركها النبي صلى الله عليه و آله بوفاته كان يمثّل مسلمة الفتح، أي المسلمين الذين دخلوا الإسلام بعد فتح مكّة وبعد أن أصبحت الرسالة الجديدة سيّدة الموقف في الجزيرة العربيّة سياسيّاً وعسكريّاً[1]، وهؤلاء لم يتح للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله أن يتفاعل معهم في الفترة القصيرة التي أعقبت الفتح إلّا بقدر ضئيل، وكان جلّ تفاعله معهم بوصفه حاكماً بحكم المرحلة التي كانت الدولة الإسلامية تمرُّ بها، وفي هذه المرحلة برزت فكرة المؤلّفة قلوبهم، والتي أخذت موضعها في تشريع الزكاة[2] وفي إجراءات اخرى، ولم يكن هذا الجزء من الامّة مفصولًا عن الأجزاء الاخرى بل مندمجاً فيها ومؤثّراً ومتأثّراً في نفس الوقت.

 

[1] انظر سورة النصر وراجع تفسيرها

[2] انظر سورة التوبة: 60