الطلبة اللغة الانكليزيّة وآدابها، ونريد أن نقيّم قدرته التدريسية، فإنّنا لا نكتفي بمجرّد دراسة مدى ما وصل إليه هؤلاء الطلبة من ثقافة واطِّلاع على اللغة الانكليزية وآدابها، وإنّما نربط ذلك بتحديد الزمن الذي مارس فيه المدرّس تدريسه لُاولئك الطلبة، وبتحديد الوضع القَبْلي لهم، ودرجة قربهم أو بعدهم مسبقاً عن أجواء اللغة الانكليزية وآدابها، وحجم الصعاب والعقبات الاستثنائيّة التي واجهت عمليّة التدريس وأعاقت سيره الطبيعي، والهدف الذي كان ذلك المدرّس يتوخّاه من تدريس طلبته آداب تلك اللغة، ونسبة المحصول النهائي لعمليّة التدريس إلى حالات تدريس اخرى مختلفة.
ففي مجال تقييم التربية النبويّة يجب أن نأخذ بعين الاعتبار:
أوّلًا: قصر الفترة الزمنيّة التي مارس النبي صلى الله عليه و آله فيها تربيته؛ لأنّها لا تتجاوز تقريباً عقدين من الزمن بالنسبة إلى أقدم صحبه من القلائل الذين رافقوه في بدايات الطريق، ولا تتجاوز عقداً واحداً من الزمن بالنسبة إلى الكثرة الكاثرة من الأنصار، ولا تتجاوز ثلاث سنوات أو أربع بالنسبة إلى الأعداد الهائلة التي دخلت الإسلام ابتداءاً منذ صلح الحديبية واستمراراً إلى حين فتح مكّة.
ثانياً: الوضع المسبق الذي كان هؤلاء يعيشونه من الناحية الفكريّة والروحيّة والدينيّة والسلوكيّة قبل أن يبدأ النبي بممارسة دوره، وما كانوا عليه من سذاجة وفراغ وعفوية في مختلف مجالات حياتهم، ولا أجدني بحاجة إلى توضيح إضافي لهذه النقطة؛ لأنّها واضحة بذاتها حيث إنّ الإسلام لم يكن عمليّة تغيير في سطح المجتمع، بل هو عمليّة تغيير في الجذور، وبناء انقلابي لُامّة جديدة، وهذا يعني الفاصل المعنوي الهائل بين الوضع المسبق والوضع الجديد الذي بدأ النبي صلى الله عليه و آله تربيته للُامّة في اتّجاهه.