منذ العصر الأوّل، وقد استفاضت رواياتنا عن أئمّة أهل البيت بأنّ عندهم كتاباً ضخماً مدوّناً بإملاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وخطّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيه جميع سنن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله[1].
فهل ترى بربّك أنّ ذلك الاتّجاه الساذج- إن كانت المسألة مسألة سذاجة- الذي ينفر من السؤال عن واقعة قبل حدوثها ويرفض تسجيل سنن النبي صلى الله عليه و آله بعد صدورها كفوءاً لزعامة الرسالة الجديدة وقيادتها في أهمّ وأصعب مراحل مسيرتها الطويلة؟! أو هل ترى بربّك أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله كان يترك سنّته مبعثرة بدون ضبط وتسجيل مع أ نّه يأمر بالتمسّك بها؟![2] أوَلم يكن من الضروري- إذ كان يمهّد لفكرة الشورى حقّاً- أن يحدّد للشورى دستورها ويضبط سنّته لكي تسير الشورى على منهاج ثابت محدّد لا تتلاعب به الأهواء؟!
أوَليس التفسير الوحيد المعقول لهذا الموقف من النبي أ نّه كان قد أعدّ الإمام عليّاً للمرجعيّة وزعامة التجربة بعده وأودعه سنّته كاملة وعلّمه ألف باب من العلم؟![3]
وقد أثبتت الأحداث بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله أنّ جيل المهاجرين والأنصار لم يكن يملك أيّ تعليمات محدّدة عن كثير من المشاكل الكبيرة التي كانت من المفروض أن تواجهها الدعوة بعد النبي صلى الله عليه و آله، حتّى أنّ مساحة هائلة من الأرض
[1] اصول الكافي 1: 241- 242، باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة
[2] راجع كنز العمال 1: 172 وما بعدها، الباب الثاني في الاعتصام بالكتاب والسنّة
[3] كنز العمال 13: 114، الحديث 36372، التفسير الكبير 8: 21 في تفسير قوله:« إنّ اللَّه اصطفى آدم …»