محدود، ولا لعملية تغييرٍ تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك؛ لأنّ رسالته التي ادُّخِر لها من قبل اللَّه سبحانه وتعالى هي تغيير العالم تغييراً شاملًا، وإخراج البشرية كلّ البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرّد وصول الرسالة والقائد الصالح، وإلّا لتمّت شروطها في عصر النبوّة بالذات، وإنّما تتطلّب مُناخاً عالمياً مناسباً، وجوّاً عامّاً مساعداً يحقِّق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.
فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملًا أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبّل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكوّن ويترسّخ من خلال التجارب الحضارية المتنوّعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلًا بسلبيات ما بنى، مُدركاً حاجته إلى العون، مُتلفّتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.
ومن الناحية المادّية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدرَ من شروط الحياة القديمة في عصرٍ كعصر الغيبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعيد العالم كلّه، وذلك بما تحقِّقه من تقريب المسافات، والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزيّ لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.
وأمّا ما اشير إليه في السؤال من تنامي القوى والأداة العسكرية التي يُواجهها القائد في اليوم الموعود كلّما اجِّل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نموّ الشكل المادّي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كلّ تلك القوى والأدوات؟ وكم من مرّةٍ في التأريخ انهار بناءٌ حضاري شامخ بأول لمسةٍ غازية؛ لأنّه كان منهاراً قبل ذلك، وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلى واقعه.