بينما رجع إليه في الجهة السابقة؟ فإنّ حال الماء النجس حال الثوب النجس من حيث طروء المطهّر عليه فإن جرى في الثوب عند غمسه في ماءٍ مشكوك الكرّية استصحاب عدم وقوع المطهّر فلماذا لا يجري عند مزج الماء النجس بماءٍ مشكوك الكرّية استصحاب عدم وقوع المطهّر عليه؟
النقطة الثالثة: أنّ جريان قاعدة الطهارة- بعد افتراض تساقط الاستصحابين في الماء النجس الذي اريد تطهيره- لا يخلو من إشكالٍ تقدّمت[1] الإشارة إليه مراراً، وهو: أنّ موارد الشكّ في بقاء النجاسة خارجة عنإطلاق قاعدة الطهارة في نفسها، بقطع النظر عن جريان استصحاب النجاسة، فلا يمكن في هذه الموارد الرجوع إلى القاعدة لو سقط الاستصحاب بالمعارضة.
والتحقيق: أنّ قاعدة عدم تبعّض الحكم الواحد إذا كانت تقتضي عدم التبعّض في الحكم واقعاً- فحسب- جرى كلا الاستصحابين، بل كان استصحاب النجاسة حاكماً على استصحاب الطهارة؛ لأنّه يوجب لَغويّته. وإذا كانت القاعدة المذكورة تقتضي عدم التبعّض- ولو ظاهراً- تعارض الاستصحابان وتساقطا، وقد مرّ توضيح ذلك في بعض البحوث السابقة.
وبما ذكرناه ظهر الحال فيما إذا كان الماء المشكوك الكرّية قد مرّت عليه حالتان متضادّتان فإنّه لا يجري فيه استصحاب العدم الأزليّ للكرّية؛ للعلم بانتقاضه، ويكون حكمه عندئذٍ حكم ماليس له حالة سابقة على تقدير إنكار إجراء استصحاب عدم الكرّية.
[1] راجع الصفحة 100 و 173 و 285