وأمّا دلالة الآيتين على المطهّرية من الحدث إلى جانب المطهّرية التكوينية فهي محل إشكال؛ لأنّ كلمة «طَهُوراً» في الآية الاولى وكلمة «لِيُطَهِّرَكُمْ» في الآية الثانية إنّما تدلّ على صرف المطهّرية، ولا يمكن إجراء الإطلاق فيهما لإثبات فردين من المطهّر؛ لأنّ الإطلاق إنّما يمكن إجراؤه في جانب موضوع الحكم لإثبات شموله لتمام أفراده، لا في جانب المحمول.
فإذا قلنا: «الماء طهور» أو: «الماء يطهّر» فلا يمكن أن نثبت بإطلاق المحمول كونه واجداً لنحوين من المطهّرية؛ لأنّ مفاد المحمول- بحسب التفاهم العرفيّ دائماً- هو صرف الوجود، فكما أ نّا إذا قلنا: «العلم نافع» لا يمكن أن نثبت بإطلاق كلمة «نافع» ترتّب تمام المنافع على العلم، وإنّما نثبت بإطلاق الموضوع ترتّب صرف المنفعة على تمام أفراد العلم كذلك في المقام.
نعم، لا بأس بدلالة الآية الثانية على المطهّرية من الجنابة، بلحاظ ما علمناه من ورودها بشأن المجاهدين في غزوة بدر، إذ احتلموا فمنَّ اللَّه عليهم بالمطر فاغتسلوا به.
ومن هنا قد يتوهّم دلالة الآية الثانية التزاماً على المطهّرية من الخبث أيضاً؛ لأنّ الجنب لا تنفكّ جنابته في حال الاحتلام عن نجاسةٍ في بدنه أو ثوبه، فتكون الآية دالّةً بالدلالة الالتزامية العرفية على المطهّرية من الخبث أيضاً.
ولكنّ هذا التوهّم لا مجال له بعد فرض عدم إمكان إحراز تشريع نجاسة المنيّ في ذلك الوقت، ومع فرض عدم تشريعها في ذلك الوقت فلا ملازمة عرفاً بين التطهير من حدث الجنابة والتطهير من الخبث.
ومطهّرية الماء من الحدث يمكن استفادتها أيضاً من قوله تعالى: «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ … وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا»[1] فإن
[1] المائدة: 6