فيكون دالًاّ على مطهّرية المادة، ولا يبقى فيه دلالة على أنّ المادة ملاك للاعتصام في نفسه ما لم تضمّ إلى ذلك عناية أنّ الدفع أهون من الرفع، وأنّ المطهّر من النجاسة دافع لها، على ما سوف يأتي في الوجه الرابع إن شاء اللَّه تعالى.
وحيث إنّ الحكم بالمطهّرية أقرب إلى التعليل في سياق الرواية من الحكم بالاعتصام فقد يقال: إنّ رجوع التعليل إلى المطهّرية هو المتيقّن بحسب الظهور العرفي، وأمّا رجوعه إلى الاعتصام: فإن كان بنحوٍ يختصّ به فهو خلاف الظاهر، وإن كان بنحوٍ يشمله مع الحكم بالمطهّرية فهو محتاج إلى القرينة، فلا يكون في الرواية ظهور في رجوع التعليل إلى الحكم بالاعتصام.
وعلى هذا الأساس يتوقّف تصحيح الوجه الثالث على إحدى دعويين:
إمّا دعوى: استظهار رجوع التعليل إلى الحكم بالاعتصام ولو مستقلًا؛ لأنّ صرف التعليل من المتأخّر إلى المتقدّم في السياق وإن كان خلاف الظاهر بطبعه ولكنّ ذلك فيما إذا لم يستظهر كون المتقدّم هو محور الكلام، ومحطّ النظر الرئيسيّ للمتكلّم، وكون ما بعده ملحوظاً في مقام الإفادة بنحو التبعية. وحيث إنّ الكلام في الرواية مسوق بصورةٍ رئيسيةٍ لإفادة الاعتصام فيكون ظاهراً في رجوع التعليل بالمادة إليه.
وإمّا دعوى: أنّ الحكم بالطهارة بعد ارتفاع التغيّر هو عين الحكم بالاعتصام المبيّن أوَّلًا، فهناك حكم واحد بالاعتصام والطهارة قد بيِّن في الرواية ببيانٍ واحدٍ بقوله: «واسع لا ينجّسه شيء»، واستثني من ذلك صور فعلية التغيّر، فلا يوجد بيانان- أحدهما بيان للاعتصام حدوثاً، والآخر بيان لارتفاع النجاسة بقاءً- ليكون التعليل مجملًا لتردّده بينهما.
وكلتا الدعويين بلا موجبٍ ولا قرينة، إذ أنّ قوله: «فينزح حتّى يذهب الريح» ظاهر في كونه بياناً لإفادة المطهّرية على حدّ بيانية الأوامر بالغسل لذلك،