ولكنّ التحقيق: أنّ الإشكال الثابت في المقام أعمق من هذا بحيث يوجب عدم تماميّة الإطلاق ولو كانت كلمة «ماء» في الآية غير مبتلاةٍ بالتنوين، وهو:
أنّ الحكم بالطهورية لم يُسند في الآية الكريمة إلى الماء بنسبةٍ تامّة حتّى يقال بأنّ مقتضى الإطلاق أ نّه حكم على طبيعة الماء بلا قيد، وإنّما اسند إليه بنحو التوصيف والنسبة الناقصة التحصيصيّة، فلا يمكن إثبات عموم الحكم لتمام أفراد الموصوف بالإطلاق.
ففرق كبير بين أن نقول: «الماء طهور»، وبين أن نحكم على الماء الطهور بأ نّه نازل من السماء مثلًا.
ففي الجملة الاولى كانت الطهورية منسوبةً إلى الماء بالنسبة التامة، ويمكن حينئذٍ التمسّك بإطلاق كلمة «الماء» لإثبات طهورية تمام أقسامه.
وأمّا في الجملة الثانية فقد اخذت الطهورية قيداً للماء على نهج النسبة الناقصة، لا حكماً للماء على نهج النسبة التامة، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق لإثبات طهورية تمام أقسام المياه. فالجملة الاولى من قبيل قولنا: «الغيبة محرّمة»، والجملة الثانية من قبيل قولنا: «إنّ اللَّه يعاقب على الغيبة المحرّمة»، فكما أنّ التمسّك بالإطلاق لإثبات حرمة تمام أقسام الغيبة إنّما يصحّ في الجملة الاولى دون الثانية كذلك في المقام، فالإشكال على التمسّك بالإطلاق إذن ليس من ناحية التنكير حتّى يجاب عليه بأنّ التنوين للتمكين، بل من ناحية أنّ الطهورية نسبت إلى الماء بنسبةٍ ناقصةٍ تحصيصيّة، لا بنسبةٍ تامّةٍ حكمية، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق.
هذا هو تمام الكلام في الجهة الاولى، أي في ناحية الموضوع.
وأمّا الكلام في الجهة الثانية- وهي ناحية الحكم- فهناك أربع احتمالاتٍ لكلمة «طهور» في الآية الشريفة: