دليل الاعتصام رأساً، فيتعيّن رفع اليد عن أحد الإطلاقين: إمّا إطلاق المنطوق، وإمّا إطلاق المفهوم. فإذا لم نفرض مرجّحاً لأحد الإطلاقين على الآخر وقع التعارض بين الإطلاقين نفسيهما، وبالتعارض يتساقطان، ومع التساقط لا يبقى ما يعارض إطلاق رواية حريزٍ للماء الكثير، فيثبت انفعال الكثير بالتغيّر.
والتحقيق: أنّ لغة هذا التقريب ليست صحيحةً من الناحية الفنّية؛ لأنّ جعل خبر حريزٍ مسوّغاً لرفع اليد عن أحد الإطلاقين لا يكفي فيه أنّ إعمال الإطلاقين معاً يؤدّي إلى إلغاء خبر حريز، بل لا بدّ أن يكون بدعوى قرينية خبر حريزٍ وأخصّيّته، أو ما هو بحكم الأخصّية، ممّا يوجب صلاحيّته عرفاً للقرينية على تقييد أحد الإطلاقين.
ومن هنا نقول: إنّنا إذا قلنا بانقلاب النسبة وخصّصنا رواية حريزٍ بخصوص الماء الكثير بلحاظ دليل انفعال القليل بالملاقاة فسوف يصبح خبر حريز مقدّماً على إطلاق المنطوق في القضية الشرطية لدليل اعتصام الكرّ بملاك القرينية؛ لأنّه يصبح بعد انقلاب النسبة أخصّ مطلقاً من منطوق القضية الشرطية.
وأمّا إذا لم نقل بانقلاب النسبة وبنينا على أنّ خبر حريزٍ يبقى على نسبة العموم من وجهٍ مع إطلاق دليل الاعتصام- ولو بعد التخصيص- فلا بدّ من الفحص عن أساسٍ آخر لقرينية خبر حريز.
وفي توضيح ذلك يمكن أن يقال: إنّ قوله في خبر حريز: «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضّأ» له ثلاث دلالات.
الاولى: دلالة الجملة الاولى على أنّ مجرّد الملاقاة لا ينجّس الماء، وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين القليل والكثير.
والثانية: دلالة الجملة الثانية على أنّ الملاقاة المغيِّرة تنجّس الماء،