المائع، بل ينفذ هذا الأثر إلى كلّ جزءٍ أبعد بتوسّط الجزء الذي هو أقرب.
ويشهد لذلك: خفّة القذارة في نظر العرف مهما بعد الجزء عن النجاسة، ولهذا لو فرضنا أنّ المائع موضوع في انبوبٍ طويلٍ جدّاً ولاقت القذارة مع الجزء الأوّل منه نجد أنّ استقذار العرف من الجزء الأبعد أخفّ من استقذاره من الجزء الأقرب؛ لأنّ تنجّس الجزء الأبعد، إنّما يكون بالجزء الأقرب، لا بالقذارة العينية مباشرةً.
وأمّا الاعتراض الثاني المتقدم- الذي وجَّهه المحقّق الهمدانيّ وغيره، وركّزوا فيه على أنّ الوجه المذكور للسراية يتوقّف على القول بالجزء الذي لا يتجزّأ، مع أ نّه مستحيل- فيرد عليه: أ نّه لا ربط لمسألة استحالة الجزء الذي لا يتجزّأ فلسفياً بتحليل السراية من وجهة نظر الارتكاز العرفي؛ لأنّ تحليلها من وجهة النظر هذه يستدعي فرض أصغر جزءٍ من المائع بحيث يقبل أن يكون موضوعاً للحكم بالنجاسة في نظر العرف؛ لأنّ قابلية اتّصاف الأجسام بالنجاسة عرفاً تتوقّف على حدٍّ أدنى من الحجم، ولهذا لا يتعقّل العرف اتّصاف البخار بالنجاسة، مع أ نّه جسم بالنظر الدقيق، ولكنّ صِغَر الذرّات البخاريّة يجعلها غيرصالحةٍ عرفاً للحكم عليها بالنجاسة.
فالجزء الأوّل الذي يتنجّس بملاقاة النجس وينجّس بدوره الجزء الثاني هو ذلك المقدار الذي لا يتعقّل العرف اتّصاف ما هو أصغر منه حجماً بالنجاسة، سواء قام برهان فلسفيّ على إمكان تجزءته، أم لا.
فالوجه المذكور في تفسير السراية سليم إذاً عمّا وُجِّه إليه من اعتراضات، غير أ نّه محتاج- على أيّ حالٍ- إلى ضمّ عنايةٍ عرفيةٍ ارتكازية إلى دليل الانفعال بالملاقاة؛ لكي نبرّر على أساسها شمول الانفعال الناشئ من ملاقاة النجس مع جزء المائع لتمام أعماق ذلك الجزء وسطوحه، إذ لو بقينا نحن ودليل الانفعال