الأوّل بتمامه مصداق لعنوان الملاقي، وفرد من موضوع دليل الانفعال، فتثبت النجاسة لتمام سطوحه، وينجس الجزء الثاني بسببه فهو تصوير معقول ثبوتاً، ومحتاج إلى البحث إثباتاً.
ولا يكفي في الإيراد عليه أن يقال ما ورد في الاعتراض الأوّل من أ نّه بعد فرض الاحتياج إلى المؤونة العرفية فلنعمل المؤونة لجعل مجموع المائع مصداقاً لعنوان الملاقي؛ لأنّ البحث ليس في الصور المعقولة ثبوتاً لإعمال المؤونة حتّى يقال: إنّه إذا تعقّلنا إعمالها بالنسبة إلى الجزء الأوّل فمن المعقول إعمالها بالنسبة إلى تمام المائع.
وإنّما البحث في تحليل ما هو الواقع من الارتكازات والمؤونات العرفية، إذ بالإمكان أن يُدَّعى أنّ العرف يساعد على إعمال تلك المؤونة بالنسبة إلى الجزء الأوّل، ويرى بارتكازه أنّ النجاسة تسري إلى الجزء الثاني بتوسّط الجزء الأوّل، ولا يساعد على إعمال تلك المؤونة بالنسبة إلى المائع بتمام أجزائه.
فالبحث إذن من هذه الناحية إثباتيّ لا بدّ فيه من تحليل الارتكاز العرفيّ في باب السراية، الذي لا يبعد أن يكون منعقداً على الوجه المذكور بحيث ينفعل كلّ جزءٍ من المائع بسبب ملاقاته للجزء السابق؛ لأنّ السراية في ما يستقذره العرف ثابتة في أذهانهم العرفية على هذا النحو، فمن الطبيعيّ أن يفهموا من دليل الانفعال بالملاقاة هذا النحو نفسه.
والسرّ في ثبوت السراية في أذهانهم العرفية بذلك النحو: أ نّهم لا يرون تقذّر المائع الملاقي للقذر أمراً تعبّدياً؛ ليمكنهم أن يفترضوا تقذّر المائع بتمامه في عرضٍ واحدٍ بملاقاة جزئه للنجس، وإنّما هو بملاك نفوذ أثر تلك القذارة التكوينيّ في تمام المائع. ومن المعلوم أنّ نفوذ هذا الأثر إنّما هو بتوسّط الجزء الملاقي للقذر، لا أنّ أثر القذارة يطفر بطفرةٍ لا يتعقّلها العرف إلى تمام أجزاء