وإن بني على الاحتمال الثالث أمكن الاستدلال بها في المقام، بدعوى: أنّ الكتابيّ- بناءً على هذا الاحتمال- محكوم عليه شرعاً بأ نّه متنجّس، لا عين النجس، وقد حكم بنجاسة سؤره، والسؤر شامل للمضاف، فهذا يدلّ على أنّ المضاف ينفعل بملاقاة المتنجّس، إذ لولا ذلك لَما حكم بنجاسة سؤره مع عدم كونه نجساً ذاتاً.
وأمّا إذا بني على الاحتمال الوسط- أي الثاني- فالرواية لا تدلّ على نجاسة السؤر ليتمسّك بها في المقام، إلّاأن يقال: إنّ النهي فيها عن سؤر الكتابيّ وإن كان تنزيهياً على هذا الاحتمال، ولكنّ المتفاهم عرفاً أنّ نكتة التنزيه هي احتمال كون الكتابيّ متنجّساً بالنجاسات التي يساورها عادةً، وهذا يعني لزوم الاجتناب عن السؤر لو علم بتنجّس الكتابي.
ولكن يمكن أن يكون التنزّه، بلحاظ مرتبةٍ من الحزازة الذاتية في نفس الكتابي، من دون نظرٍ إلى النجاسة العرضية، فلا تكون أخبار السؤر دالّةً على أنّ المضاف ينفعل بالمتنجّس.
الثاني: التمسّك برواية عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته عن الدَنِ[1] يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ[2] أو زيتون؟ قال: «إذا غسل فلا بأس»[3].
فإنّه سواء قلنا بأنّ مراد السائل بقوله: «الدَنّ يكون فيه الخمر» فعلية وجود
[1] الدَنّ: واحد الدَنَان، وهي الحباب. مجمع البحرين 6: 248،« مادة: دَنَنَ»
[2] الكامَخ- بفتح الميم وربما كسرت- الذي يؤتدم به، معرّب. مجمع البحرين 2: 441« مادة: كمخ»
[3] وسائل الشيعة 3: 494، الباب 51 من أبواب النجاسات، الحديث 1