فهرست

40

الفكريّة والثقافيّة على الرغم من شدّة إخلاصهم وعمق ولائهم؛ لأنّ الإسلام ليس نظرية بشريّة لكي يتحدّد فكريّاً من خلال الممارسة والتطبيق وتتبلور مفاهيمه عبر التجربة المخلصة، وإنّما هو رسالة اللَّه التي حدّدت فيها الأحكام والمفاهيم، وزوّدت ربّانياً بكلّ التشريعات العامّة التي تتطلّبها التجربة، فلابدّ لزعامة هذه التجربة من استيعاب للرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي بكلّ أحكامها ومفاهيمها، وإلّا اضطرّت إلى استلهام مسبقاتها الذهنيّة ومرتكزاتها القَبْلية، وأدّى ذلك إلى نكسة في مسيرة التجربة، وبخاصّة إذا لاحظنا أنّ الإسلام كان هو الرسالة الخاتمة من رسالات السماء التي يجب أن تمتدّ مع الزمن وتتعدّى كلّ الحدود الوقتيّة والإقليميّة والقوميّة، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته- التي تشكّل الأساس لكلّ ذلك الامتداد- تجارب الخطأ والصواب التي تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتّى تشكّل ثغرة تهدّد التجربة بالسقوط والانهيار.
وكلّ ما تقدّم يدلّ على أنّ التوعية التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله على المستوى العام في المهاجرين والأنصار لم تكن بالدرجة التي يتطلّبها إعداد القيادة الواعية الفكريّة والسياسيّة لمستقبل الدعوة وعمليّة التغيير، وإنّما كانت توعية بالدرجة التي تبني القاعدة الشعبية الواعية التي تلتفّ حول قيادة الدعوة في الحاضر والمستقبل.
وأيّ افتراض يتّجه إلى القول بأنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يخطّط لإسناد قيادة التجربة والقيمومة على الدعوة بعده مباشرة إلى جيل المهاجرين والأنصار يحتوي ضمناً اتّهام أذكى‏ وأبصر قائد رسالي في تاريخ العمليّات التغييرية بعدم القدرة على التمييز بين الوعي المطلوب على مستوى القاعدة الشعبية