المكلّف بتطبيق نظام الشورى، مع أنّنا لا نجد في الأحاديث المأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله أيّ صورة تشريعية محدّدة لنظام الشورى.
وأمّا ذهنية الامّة أو ذهنية الجيل الطليعي منها، فلا نجد فيها أيّ ملامح أو انعكاسات محدّدة لتوعية من ذاك القبيل؛ فإنّ هذا الجيل كان يحتوي على اتجاهين:
أحدهما: الاتّجاه الذي يتزعّمه أهل البيت.
والآخر: الاتّجاه الذي تمثّله السقيفة والخلافة التي قامت فعلًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله.
أمّا الاتّجاه الأوّل: فمن الواضح أ نّه كان يؤمن بالوصاية والإمامة، ويؤكّد على القرابة، ولم ينعكس منه الإيمان بفكرة الشورى.
وأمّا الاتّجاه الثاني: فكلّ الأرقام والشواهد في حياته وتطبيقه العملي تدلّ بصورة لا تقبل الشكّ على أ نّه لم يكن يؤمن بالشورى ولم يبن ممارساته الفعلية على أساسها، والشيء نفسه نجده في سائر قطاعات ذلك الجيل الذي عاصر وفاة الرسول الأعظم من المسلمين.
نلاحظ بهذا الصدد للتأكّد من ذلك أنّ أبا بكر حينما اشتدّت به العلّة عهد إلى عمر بن الخطاب، فأمر عثمان أن يكتب عهده، فكتب: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول اللَّه إلى المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، إنّيأحمد إليكم اللَّه. أمّا بعد، فإنّي استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعواوأطيعوا»[1]
ودخل عليه عبد الرحمن بن عوف فقال: كيف أصبحت يا خليفة رسول واللَّه، فقال: أصبحت مولّياً وقد زدتموني على ما بي أن رأيتموني استعملت رجلًا منكم، فكلّكم قد أصبح وارماً أنفُه، وكلّ يطلبها لنفسه[2].
وواضح من هذا الاستخلاف وهذا الاستنكار للمعارضة أن
[1] انظر: تاريخ الطبري 3: 428 و 429، ومختصر تاريخ ابن عساكر 18: 309- 310
[2] تاريخ اليعقوبي 2: 24. وراجع تاريخ الطبري 3: 429