وأمّا البحث في صغرى التسبيب، وأ نّه بماذا يتحقّق؟ فتحديد ذلك يرتبط بالمدرك الذي يستند إليه في حرمة التسبيب؛ لأنّ كلمة «التسبيب» بعنوانها لم ترد في دليلٍ حتّى يقع الكلام في مفادها لغةً أو عرفاً، وإنّما استفدنا الحكم من المدارك المتقدّمة، فلابدّ من ملاحظة مقدار ما يستفاد منها.
فإن كان المدرك هو الخطاب المتوجّه للمسبّب ببيانٍ تقدّم عن السيّد الاستاذ فلابدّ من الاقتصار في الحرمة على موردٍ يسند فيه الفعل إلى المسبّب عرفاً؛ ليكون مشمولًا للخطاب، فمجرّد الترغيب في الحرام لا يكفي للحرمة؛ لعدم كفايته في إسناد الفعل إلى المرغِّب.
نعم، في خصوص باب الظلم يحرم الترغيب فيه؛ لأنّه نحو من الظلم أيضاً.
وإن كان المدرك خطاب المباشر نفسه بالدلالة الالتزامية- كما استقربناه- فيجب الاقتصار على القدر المتيقّن من تلك الدلالة الالتزامية العرفية، وهو ما إذا كان التسبيب بنحو الإجبار العرفيّ أو الإغراء الفعلي.
وأمّا اذا كان المدرك روايات الإعلام الواردة في بيع الدهن المتنجّس فيستفاد منها حرمة مجرّد التسليط على مورد الانتفاع المحرّم تسليطاً يعرض الغير للانتفاع المحرّم به؛ لأنّ البائع لا يصدر منه إلّامجرّد تسليط المشتري على النجس. نعم، لا يكفي في الحرمة مجرّد إعداد الموضوع وتهيئته، كما لو وضع الماء النجس على الرَفِّ- مثلًا- مع علمه بعطش الآخر.
ويتلخّص من مجموع ما ذكرناه: أنّ كبرى حرمة التسبيب تامّة، وأنّ الحرام- بعد ضمّ المدارك بعضها إلى بعضٍ- التسبيب بالجبر العرفيّ، أو التشويق والترغيب، أو التسليط.
وبهذا اتّضح حكم الإعلام، وأ نّه لو لم يوجد شيء من الوجوه الثلاثة في ترك الإعلام فلا يجب، كما لو جاء المباشر بنفسه ليشرب النجس أو يأكله فإنّه لا يجب إعلامه؛ لقصور تمام مدارك حرمة التسبيب عن شموله.