وإن قيل بأنّ الجنابة أمر اعتباريّ عقلائيّ جرى الشارع على طبقه؛ لوضوح أنّ كلمة «جنب» كانت مستعملةً لغويّاً وعربيّاً قبل الشريعة، وأنّ الجنابة المأخوذة في موضوع دليل النجاسة هنا بهذا المعنى العقلائيّ وعلى نحو الموضوعية فلابدّ من ملاحظة الاعتبار العقلائيّ للجنابة، فإن كانت الجنابة قد لوحظت فيه- بحسب المرتكز العقلائيّ- على نحوٍ قابلٍ للتكرّر فالأمر كما تقدم أيضاً، وإلّا تعيَّن التفصيل بين الفرضين، والحكم بالنجاسة فيما إذا كان السبب المحرّم هو السابق خاصّة.
وإن قيل بأنّ الجنابة المأخوذة في موضوع الدليل قد اخذت على وجه الموضوعية بما هي اعتبار شرعيّ مترتّب على أسبابٍ مخصوصةٍ فلابدّ من ملاحظة دليل هذا الاعتبار من ناحية شموله للوجود الثاني للسبب وعدمه، فإن تمّ فيه إطلاق يقتضي تكرّر الجنابة بتكرّر وجود السبب فالحكم هو النجاسة في الفرضين، وإلّا تعيّن التفصيل على ما تقدم.
والظاهر أنّ الجنابة المأخوذة في موضوع النجاسة قد اخذت بما هي حكم شرعيّ وضعيّ لا يقبل التكرار، وأنّ أخذها على نحو الموضوعية، فيتعيّن التفصيل بين الفرضين.
أمّا أ نّها حكم شرعيّ وضعيّ فلما يأتي- إن شاء اللَّه تعالى- في بحث الجنابة، من: أ نّها من الاعتبارات العقلائية التي أمضاها الشارع مع نوعٍ من التصرّف سعةً وضيقاً، وكلّ أمرٍ اعتباريٍّ عقلائيٍّ إذا أمضاه الشارع ثمّ أخذه في موضوع حكمٍ فظاهره النظر إلى إمضائه هو سعةً وضيقاً، لا إلى النظر العقلائيّ.
ومثاله الملكية التي هي عقلائية وأمضاها الشارع بتصرّف، فحين يأخذها موضوعاً لحرمة التصرّف في مال الغير يراد بها ما كان ملكاً للغير شرعاً.
وأمّا عدم قبولها للتكرار فلقصور دليل ترتّب الجنابة على الأسباب