کتابخانه
181

كما أنّ نظرية فرويد جزء من حياته العقلية الشعورية، فإذا صحّ أنّ الشعور تعبير محرّف عن القوى اللّاشعورية ونتيجة محتومة لتحكّم تلك القوى في سيكولوجية الإنسان، فسوف تفقد نظرية فرويد قيمتها؛ لأنّها في هذا الضوء ليست أداة للتعبير عن الحقيقة، وإنّما هي تعبير عن شهواته وغرائزه المخبوءة في اللّاشعور.
وقل الشي‏ء نفسه عن المادّية التأريخية التي تربط الفكر بالوضع الاقتصادي، وبالتالي تجعل من نفسها نتيجة لوضع اقتصادي معيّن عاشه ماركس، وانعكس في ذهنه معبّراً عن متطلّباته في مفاهيم المادّية التأريخية، ويصبح من المحتوم على المادّية التأريخية أن تتغيّر وفقاً لتغيّر الوضع الاقتصادي.

180

كما سنرى.
وسوف لن ندخل في نقاش الآن مع هذه النظريات الثلاث: (السلوكية، واللّاشعورية، والمادّية التأريخية)؛ فإنّنا ناقشنا السلوكية ورصيدها العلمي المزعوم من تجارب (بافلوف) في دراستنا للإدراك- الجزء الخامس من القسم الثاني لهذا الكتاب- واستطعنا أن نبرهن على أنّ السلوكية لا تكفي تفسيراً مقبولًا للفكر، كما تناولنا في كتاب (اقتصادنا) المادّية التأريخية بالدرس والنقد الموسّع بوصفها الأساس العلمي للاقتصاد الماركسي، وانتهينا إلى نتائج تدين المادّية التأريخية في أرصدتها الفلسفية والعلمية، وتبرز ألوان التناقض بينها وبين اتّجاه الحركة التأريخية في واقع الحياة. وأمّا نظرية فرويد في التحليل النفسي، فلها موضعها من البحث في كتاب (مجتمعنا).
فنحن هنا- إذن- لسنا بصدد نقاش تلك النظريات في مجالاتها الخاصّة، وإنّما سوف نقتصر على الحديث عنها بالقدر الذي يتّصل بنظرية المعرفة.
ففي حدود العلاقة بين تلك النظريات ونظرية المعرفة نستطيع القول بأنّ البرهنة ضدّ المعرفة البشرية وقيمتها الموضوعية بنظرية علمية، تنطوي على تناقض وبالتالي على استحالة فاضحة؛ لأنّ النظرية العلمية التي تُقدَّم ضدّ المعرفة البشرية ولإزالة الثقة بها، سوف تَحكم على ذاتها أيضاً، وتنسف أساسها، وتسقط عن الاعتبار؛ لأنّها ليست إلّاإحدى تلك المعارف التي تحاربها وتشكّ أو تنكر قيمتها، ولذلك كان من المستحيل أن تتّخذ النظرية العلمية دليلًا على الشكّ الفلسفي ومبرِّراً لتجريد المعرفة من قيمتها.
فالنظرية السلوكية تصوّر الفكر باعتباره حالة مادّية تحدث في جسم المفكّر بأسباب مادّية كما تحدث حالة ضغط الدم فيه، ولأجل ذلك تنتهي بتجريده من قيمته الموضوعية، غير أنّ هذه النظرية ليست هي من وجهة نظر السلوكية نفسها إلّاحالة خاصّة حدثت في أجسام أصحاب النظرية أنفسهم، ولا تعبِّر عن شي‏ء سوى ذلك.

179

الأوضاع والعلاقات‏[1].

ومن اليسير أن نلاحظ هنا: أنّ القوى الاقتصادية احتلّت في المادّية التأريخية موضع العناصر اللّاشعورية من الغرائز والشهوات في نظرية فرويد، فبينما كان الفكر عند فرويد تعبيراً حتمياً عن متطلّبات الغرائز والشهوات المكتنزة، يصبح في رأي المادّية التأريخية تعبيراً حتمياً عن متطلّبات القوى الاقتصادية والوضع الاقتصادي العامّ. والنتيجة واحدة في الحالين، وهي: انعدام الثقة بالمعرفة وفقدانها لقيمتها؛ لأنّها أداة لتنفيذ متطلّبات قوّة صارمة مسيطرة على التفكير، هي: قوّة اللّاشعور أو قوّة الوضع الاقتصادي، ولا يمكننا أن نعرف ما إذا كان الوضع الاقتصادي يملي في عقولنا الحقيقة أو ضدّها، وحتّى إذا وجدت هذه المعرفة فهي بدورها- أيضاً- تعبير جديد عن متطلّبات الوضع الاقتصادي التي لم نعرف بعد كيف نثق بتطابقها مع الواقع.

وبهذا نعرف أنّ مذهب الماركسية في التأريخ كان يفرض عليها الشكّ، غير أ نّها لم تخنع للشكّ، وأعلنت في فلسفتها عن إيمانها بالمعرفة وقيمتها.

وسوف نعرض فيما بعد لنظرية المعرفة عند الماركسية على الصعيد الفلسفي، وإنّما نريد أن نشير هنا إلى أنّ النتائج المحتومة للمذهب الماركسي في التأريخ- أي المادّية التأريخية- تناقض نظرية الماركسية الفلسفية عن المعرفة؛ لأنّ الربط المحتوم بين الفكر والعامل الاقتصادي في المذهب التأريخي للماركسية يزيل الثقة بكلّ معرفة بشرية، خلافاً لنظرية المعرفة الماركسية التي تؤكّد على هذه الثقة

 

[1] راجع النظريّة مفصّلًا في: حقيقة العقل وحركة التاريخ، فهمي السجيني: 133- 200

178

العقلية اللّاشعورية وبين الحقيقة؛ لأنّ هذا التفكير ذاته ينبثق- أيضاً- عن رغباتنا اللّاشعورية، ويعبّر عنها لا عن الواقع والحقيقة.
ويجي‏ء بعد هذا دور المادّية التأريخية لتنتهي إلى نفس النتيجة التي أسفرت عنها مذاهب السلوكية والتحليل النفسي بالرغم من أنّ أصحابها يرفضون كلّ لون للشكّ، ويؤمنون على الصعيد الفلسفي بقيمة المعرفة وقدرتها على كشف الحقيقة.
والمادّية التأريخية تعبّر عن المفهوم الكامل للماركسية عن التأريخ والمجتمع وقوانين تركّبه وتطوّره، وهي لذلك تعالج الأفكار والمعارف الإنسانية عامّة بوصفها جزءاً من تركيب المجتمع الإنساني، فتعطي رأيها في كيفية نشوء سائر الأوضاع السياسية والاجتماعية.
والفكرة الأساسية في المادّية التأريخية هي: أنّ الوضع الاقتصادي الذي تحدّده وسائل الانتاج هو الأساس الواقعي للمجتمع بكلّ نواحيه، فجميع الظواهر الاجتماعية تنشأ عن الوضع الاقتصادي، وتتطوّر تبعاً لتطوّره. ففي بريطانيا- مثلًا- حينما تحوّل وضعها الاقتصادي من الإقطاع إلى الرأسمالية، وحلّت الطاحونة البخارية محلّ الطاحونة الهوائية، تبدّلت جميع أوضاعها الاجتماعية، وتكيّفت وفقاً للحالة الاقتصادية الجديدة.
ومن الطبيعي للمادّية التأريخية بعد أن آمنت بهذا، أن تربط المعرفة الإنسانية عموماً بالوضع الاقتصادي- أيضاً- بوصفها جزءاً من الكيان الاجتماعي الذي يرتكز كلّه على العامل الاقتصادي، ولذلك نجد أ نّها تؤكّد على أنّ المعرفة الإنسانية ليست وليدة النشاط الوظيفي للدماغ فحسب، وإنّما يكمن سببها الأصيل في الوضع الاقتصادي؛ ففكر الإنسان انعكاس عقلي للأوضاع الاقتصادية وما ينشأ عنها من علاقات، وهو ينمو ويتطوّر طبقاً لتلك‏

177

ولا يمكن لنا السيطرة على نشاطها أو التحكّم في تكوينها وتطوّرها، وكلّ العناصر الشعورية تعتمد على هذه العناصر الخفيّة التي لا نشعر بها، وليست أعمال الشخص الشعورية إلّاانعكاساً محرّفاً لتلك الشهوات والدوافع المختزنة في اللّاشعور، فالشعور- إذن- أتى عن طريق اللّاشعور، حتّى يمكن القول لدى أصحاب التحليل النفسي: بأنّ اللّاشعور هو الذي يحدّد محتويات الشعور، وبالتالي يتحكّم في كلّ أفكار الإنسان وسلوكه. وعلى هذا الأساس تصبح شهواتنا الغريزية هي الأساس الحقيقي لما نعتقد بصحّته، وليست عمليات الاستدلال التي تهدينا إلى النتائج المفروضة علينا سلفاً من قِبل شهواتنا وغرائزنا إلّا إعلاءً لتلك الغرائز وتسامياً بها إلى منطقة الشعور التي تشكّل القسم الأعلى من العقل، بينما تشكّل العناصر اللّاشعورية والغرائز والشهوات المختزنة الطابق الأرضي أو القسم الأسفل الأساسي‏[1].

وبسهولة نستطيع أن ندرك أثر هذا المذهب التحليلي على نظرية المعرفة؛ فإنّ الفكر في ضوئه ليس أداة لتصوير الواقع والحدس بالحقيقة، وإنّما وظيفته التعبير عن متطلّبات اللّاشعور، والانتهاء حتماً إلى النتائج التي تفرضها شهواتنا وغرائزنا المختزنة في أعماقنا، وما دام العقل آلة طيّعة في خدمة غرائزنا والتعبير عنها لا عن الحقيقة والواقع، فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأ نّه يعكس الحقيقة؛ لأنّ من الجائز أن تكون الحقيقة على خلاف رغباتنا اللّاشعورية التي تتحكّم في عقلنا، ومن المستحيل أن نفكّر في تقديم أيّ ضمان للتوافق بين قوانا

 

[1] راجع: الماركسيّة والتحليل النفسي، د. اوسبورن، ترجمة د. سعاد الشرقاوي: 42- 50، والمدخل إلى علم النفس الحديث، ركس نابت ومرجريت نايت، ت. د. عبد علي الجسماني: 349 و 360، ومذاهب علم النفس المعاصر: 222- 249

176

عمليات الهضم عند الباحثين المختلفين وأ يّهما هو الصحيح، فكما لا يصحّ أن نتساءل أ يّهما هو الحقيقة، عمليات الهضم عند أبيقور ونيوتن وماركس، أو عند أرسطو وآينشتين وريكاردو. كذلك لا يصحّ أن نتساءل أيّ مذاهبهم وأفكارهم هو الحقيقة؛ لأنّ أفكار هؤلاء المفكّرين، كعمليات الهضم المختلفة في مِعَدِهم، ليست إلّاوظائف جسمية ونشاطات عضوية، فمتى أمكن لنشاط المعدة في عمليات الهضم أن يكشف لنا عن نوعية الغذاء ويصف لنا طبيعته، يتاح للنشاط العصبي في الدماغ أن يعكس شيئاً من الحقائق الخارجية، وما دام لا يجوز لنا أن نتساءل عن نشاط المعدة أهو صادق أو كاذب، فكذلك بالنسبة إلى النشاط الفكري.
ونجد- أيضاً- بوضوح أنّ الفكرة في رأي المدرسة السلوكية مرتبطة بمنبّهاتها لا بدليلها، وبذلك تفقد الثقة بكلّ معرفة بشرية؛ لأنّ من الجائز أن تتبدّل وتعقبها فكرة مناقضة إذا اختلفت المنبّهات والشروط الخارجية، ويعود من عبث القول مناقشة المفكّر في فكرته وأدلّتها، وإنّما يجب الفحص عن المنبّهات المادّية لتلك الفكرة وإزالتها. فإذا كانت الفكرة قد نشأت- مثلًا- من حرارة الموقد في الغرفة التي يفكّر فيها وعملية الهضم، كان السبيل الوحيد للقضاء على الفكرة تغيير جوّ الغرفة وإيقاف عمليات الهضم مثلًا، وهكذا تصبح المعرفة البشرية خواءً وخلواً من القيمة الموضوعية.
ومذهب التحليل النفسي عند فرويد يسجّل نفس النتائج التي انتهت إليها السلوكية فيما يتّصل بنظرية المعرفة، فهو وإن كان لا ينكر العقل ولكنّه يقسِّمه إلى فئتين: إحداهما العناصر الشعورية، وهي: مجموعة الأفكار والعواطف والرغبات التي نحسّ بها في نفوسنا. والآخر العناصر اللّاشعورية في العقل، أي: شهواتنا وغرائزنا المختزنة وراء شعورنا، وهي قوىً عقلية عميقة الغور في أعماقنا،

175

مجموع المنبّهات (الطبيعية والشرطية) يتكافأ مع مجموع الأفكار في حياة الإنسان‏[1]. وأمّا كيف استفادت السلوكية من تجارب (بافلوف)، وما هي المنبّهات الشرطية التي كشفت عنها هذه التجارب فضاعفت من عدد المنبّهات التي تفسِّر السلوكية في ضوئها أفكار الإنسان، وإلى أيّ مدى‏ يمكن لتجارب (بافلوف) أن تبرهن على وجهة النظر السلوكية، فهذا ما سنجيب عنه في البحث المخصّص للإدراك من بحوث هذا الكتاب، وهو الجزء الخامس من القسم الثاني في هذا الكتاب، وإنّما يهمّنا الآن إبراز وجهة النظر السلوكية التي تُخضِع الحياة الفكرية عند الإنسان للتفسير الميكانيكي، وتفهم الفكر والشعور بوصفه نشاطاً فيزيولوجياً تثيره أسباب مادّية متنوّعة.

ومن الواضح: أنّ أيّ محاولة لوضع نظرية للمعرفة في ضوء السلوكية هذه، يؤدّي حتماً إلى موقف سلبي تجاه قيمة المعرفة وإلى عدم الاعتراف بقيمتها الموضوعية، وبالتالي يصبح كلّ بحث عن صحّة هذه الفكرة العلمية أو هذا المذهب الفلسفي أو ذلك الرأي الاجتماعي عبثاً لا مبرّر له؛ لأنّ كلّ فكرة (مهما كان طابعها أو مجالها العلمي أو الفلسفي أو الاجتماعي) لا تعبّر عن شي‏ء سوى حالات خاصّة تحدث في أجسام أصحاب الفكرة أنفسهم.

فلا نستطيع أن نتساءل على الصعيد الفلسفي أيّ الفلسفتين على صواب:

مادّية أبيقور، أو إلهية أرسطو؟ ولا أن نتساءل على الصعيد العلمي أ يّهما على صواب: نيوتن في فكرته القائلة بتفسير الكون على أساس الجاذبية، أو آينشتين في نسبيّته العامّة؟ ماركس في تفكيره الاقتصادي، أو ريكاردو مثلًا؟ وهكذا في كلّ المجالات؛ لأنّ تساؤلنا هذا يبدو في ضوء السلوكية شبيهاً تماماً بالتساؤل عن‏

 

[1] راجع مذاهب علم النفس المعاصر، علي ي، زيعور: 186- 203

174

3- المادّية التأريخية التي تحدّد آراء الماركسية في علم التأريخ.
أمّا السلوكية فهي إحدى المدارس الشهيرة في علم النفس التي تعبّر عن الاتّجاه المادّي فيه، واطلق عليها اسم السلوكية؛ لأنّها اتّخذت من سلوك الكائن الحيّ وحركاته الجسمية التي يمكن إخضاعها للحسّ العلمي والتجربة موضوعاً لعلم النفس، ورفضت الاعتراف بما وراء ذلك من موضوعات غير تجريبية كالعقل والشعور، وحاولت أن تفسّر سيكولوجية الإنسان وحياته النفسية والشعورية كلّها بدون أن تفترض له عقلًا وما إليه من المعاني الغيبية؛ لأنّ الباحث النفسي لا يجد ولا يحسّ علمياً حين إجراء تجاربه على الآخرين بعقولهم، وإنّما يحسّ بسلوكهم وحركاتهم ونشاطهم الفيزيولوجي، فيجب لكي يكون البحث علمياً أن تُفسَّر كلّ الظواهر السيكولوجية ضمن النطاق المحسوس؛ وذلك بالنظر إلى الإنسان بوصفه آلة يمكن تفسير كلّ ظواهرها وحركاتها على الطريقة الميكانيكية وفي ضوء مبدأ العلّية بالمنبّهات الخارجية التي ترد على الآلة فتؤثّر فيها.
فلا يوجد لدينا- ونحن ندرس الظواهر النفسية من وجهة رأي السلوكية- عقلٌ أو شعورٌ أو إدراك، وإنّما نحن أمام حركات ونشاطات مادّية فيزيولوجية توجد بأسباب مادّية باطنية أو خارجية. فحين نقول- مثلًا-: إنّ استاذ التأريخ يفكّر في إعداد محاضرة عن تأريخ الملكية الفردية عند الرومان، نكون قد عبّرنا في الحقيقة عن نشاطات وحركات مادّية في جهازه العصبي نشأت ميكانيكياً عن أسباب خارجية أو باطنية: كحرارة الموقد الذي جلس أمامه استاذ التأريخ أو عمليات الهضم التي أعقبت تناوله وجبة الغذاء.
وقد وجدت السلوكية في المنبّهات الشرطية القائمة على تجارب (بافلوف) سنداً كبيراً يتيح لها التأكيد على كثرة المنبّهات التي يتلقّاها الإنسان (بسبب نموّها وزيادتها عن طريق الإشراط) حتّى أصبح بالإمكان القول: بأن‏

173

الذاتيين فهي حقيقة نسبية، بمعنى: أ نّها الشي‏ء الذي تقتضيه طبيعة إدراكنا وجهازنا الخاصّ فحسب.
الثانية- أنّ الحقيقة النسبية في رأي النسبيين الذاتيين تختلف في الأفراد، وليس من الضروري أن يشترك جميع الناس في حقائق معيّنة؛ لأنّ لكلّ فرد دوراً ونشاطاً خاصّاً، فلا يمكن الحكم بأنّ ما يدركه فرد هو نفس ما يدركه الفرد الآخر ما دام من الممكن اختلافهما في وسائل الإدراك أو طبيعته. وأمّا (كانت) فالقوالب الصورية عنده قوالب فطرية تشترك فيها العقول البشرية جميعاً، ولهذا كانت الحقائق النسبية مشتركة بين الجميع. وسوف يأتي في مستقبل دراساتنا الحديث عن التفسير المادّي للإدراك الذي ارتكزت عليه النسبية الذاتية وتفنيده.

[7-] الشكّ العلمي:

رأينا قبل ساعة أنّ الشكّ الذي تسرّب إلى صفوف العلماء الطبيعيين حين قاموا بفتوحهم الكبرى في حقل الفيزياء لم يكن شكّاً علمياً ولا مرتكزاً على برهان علمي، وإنّما هو شكّ قائم على خطأ فلسفي أو أزمة نفسية.
ولكنّنا نجد في حقول اخرى نظريات علمية تؤدّي حتماً إلى الشكّ والقول بإنكار قيمة المعرفة البشرية، بالرغم من أنّ بعض أصحابها لم يفكّروا في الوصول إلى هذه النتيجة، بل ظلّوا مؤمنين بقيمة المعرفة وموضوعيّتها، ولأجل ذلك أطلقنا اسم الشكّ العلمي على الشكّ الناتج عن تلك النظريات؛ لأنّها علمية أو ذات مظهر علمي على أقلّ تقدير.
ومن أهمّ تلك النظريات:
1- السلوكية التي تفسِّر علم النفس على أساس علم الفسلجة.
2- مذهب التحليل النفسي عند فرويد.