کتابخانه
163
أ- نسبية (كانت):

يجب أن تعرف قبل كلّ شي‏ء أنّ الحكم العقلي عند (كانت) على قسمين‏[1]:

أحدهما الحكم التحليلي، وهو: الحكم الذي يستعمله العقل لأجل التوضيح فحسب، كما في قولنا: الجسم ممتدّ، والمثلّث ذو أضلاع ثلاثة. فإنّ مردّ الحكم هنا إلى تحليل مفهوم الموضوع (الجسم أو المثلّث)، واستخراج العناصر المتضمّنة فيه- كالامتداد المتضمّن في مفهوم الجسم، والأضلاع الثلاثة المتضمّنة في مفهوم المثلّث- وردّها إلى الموضوع. والأحكام التحليلية لا تتحفنا بمعرفة جديدة للموضوع، ولا تقوم إلّابدور التفسير والتوضيح.

والآخر الحكم التركيبي، وهو: الذي يزيد محموله شيئاً جديداً على الموضوع، كما في قولنا: الجسم ثقيل، والحرارة تمدِّد الفلزات، و 2+ 2/ 4، فإنّ الصفة التي نسبغها على الموضوع في هذه القضايا ليست مستخرجة منه بالتحليل، وإنّما تضاف فتنشأ بسبب ذلك معرفة جديدة لم تكن قبل ذلك.

والأحكام التركيبية: تارة تكون أحكاماً أوّلية، واخرى تكون أحكاماً ثانوية.

فالأحكام الأوّلية هي: الأحكام الثابتة لدى العقل قبل التجربة، كالأحكام الرياضية نظير قولنا: الخطّ المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين. وسوف يأتي ما هو السبب في كونها كذلك. والأحكام التركيبية الثانوية هي: الأحكام الثابتة في العقل بعد التجربة، نظير الحكم بأنّ ضوء الشمس يسخن الحجر وأنّ كلّ جسم له وزن.

وتتلخّص نظرية (كانت) عن المعرفة في تقسيم المعارف أو الأحكام‏

 

[1] راجع: كانت أو الفلسفة النقديّة، د. زكريا إبراهيم: 66- 70. وكَنْط وفلسفته النظريّة، د. محمود زيدان: 61- 62، وموسوعة الفلسفة 2: 273

162

الحسّي والتجريبي في الفكر انساق معه حتّى انطلق به إلى النهاية المحتومة.
ولا نريد أن نناقش (دافيد هيوم) من جديد ما دامت حججه اجتراراً من أدّلة (باركلي) وآرائه، وإنّما نتناول نقطة واحدة، وهي: العادة التي أرجع إليها مبدأ العلّية وكثيراً من العلاقات القائمة بين الأشياء في الفكر، لنتساءل: ما هي العادة؟ فإن كانت عبارة عن ضرورة قائمة بين فكرة العلّة والمعلول، فهي تعبير آخر عن مبدأ العلّية، وإن كانت شيئاً آخر فهي لا تختلف عن العلّية في كونها معنىً غيبياً ليس لدينا إحساس أو انفعال يقابله، فكان يجب عليه رفضه كما رفض جميع الحقائق التي لا يمتدّ إليها الحسّ، وقد سبق في نقد المذهب التجريبي الردّ على هذا التفسير الفاشل للعلّية الذي حاوله (هيوم)، فليلاحظ.

6- النسبيّون:

تعتبر النسبية من المذاهب الفلسفية القائلة بوجود الحقيقة وإمكان المعرفة البشرية، ولكنّ هذه المعرفة أو الحقيقة التي يمكن للفكر الإنساني أن يظفر بها، هي معرفة أو حقيقة نسبية، بمعنى: أ نّها ليست حقيقة خالصة من الشوائب الذاتية ومطلقة، بل هي مزيج من الناحية الموضوعية للشي‏ء، والناحية الذاتية للفكر المدرِك، فلا يمكن أن تفصل الحقيقة الموضوعية في التفكير عن الناحية الذاتية وتبدو عارية عن كلّ إضافة أجنبية.
وفي النسبية اتّجاهان رئيسيان يختلفان في معنى النسبية وحدودها في العلوم البشرية: أحدهما الاتّجاه النسبي في فلسفة (عمانوئيل كانت)، والآخر الاتّجاه النسبي الذاتي لعدّة من الفلاسفة المادّيين المحدثين الذي مهّد للنسبية التطوّرية التي نادت بها المادية الديالكتيكية.

161

أو نكوِّن معنى شي‏ء يختلف عن التصوّرات والانفعالات، فلنوجّه انتباهنا إلى الخارج ما استطعنا ولتثب مخيلتنا إلى السماوات أو إلى أقاصي الكون، فلن نخطو أبداً خطوة إلى ما بعد أنفسنا، ولهذا فلا يمكن أن نجيب على المسألة الأساسية في الفلسفة التي يتصارع عندها المثاليون والواقعيون، فالمثالية تزعم أنّ الواقع قائم في الشعور والإدراك، والواقعية تؤكّد على أ نّه موجود بصورة موضوعية مستقلّة، والشكّية ترفض أن تجيب على المسألة؛ لأنّ الردّ عليها مستحيل، فلترجأ المسألة إلى الأبد.
والواقع: أنّ (دافيد هيوم) لم يزد على حجج (باركلي) شيئاً، وإن زاد عليه في الشكّ والعبث بالحقائق، فلم يقف في شكّيته عند المادّة الخارجية، بل أطاح بالحقيقتين اللتين احتفظ بهما (باركلي) في فلسفته- وهما النفس واللَّه- تمشّياً مع المبدأ الحسّي إلى النهاية، فقد اتّخذ لذلك نفس اسلوب (باركلي) وطريقته، فكما أنّ الجوهر المادّي لم يكن في رأي (باركلي) إلّامجموعة من الظواهر المركّبة تركيباً صناعياً في الذهن، كذلك النفس ما هي إلّاجملة من الظواهر الباطنية وعلاقاتها، ولا يمكن إثبات (الأنا)- النفس- بالشعور؛ لأنّني حين أنفذ إلى صميم ما اسمّيه (أنا) أقع دائماً على ظاهرة جزئية، فلو ذابت الإدراكات جميعاً لم يبقَ شي‏ء أستطيع أن اسمّيه (أنا).
وفكرة (اللَّه) تقوم على مبدأ العلّية، ولكنّ هذا المبدأ لا يمكن التسليم بصحّته بزعم (دافيد)؛ لأنّ الحسّ لا يطلعنا على ضرورة بين الظواهر والحوادث، وإنّما ترجع فكرة العلّية إلى مجرّد عادة، أو إلى لون من ألوان تداعي المعاني.
وهكذا بلغ (دافيد) بالنظرية الحسّية والمذهب التجريبي إلى ذروتهما التي يؤدّيان إليها طبيعياً، وبدلًا من أن يبرهن عن هذا الطريق على رفض المبدأ

160

5- أنصار الشكّ الحديث:

ومردّ هذا الشكّ الحديث في الحقيقة إلى مذهب الشكّ القديم الذي اتّخذته المدرسة الشكّية الإغريقية، وبشّر له (بيرون) زاعماً عجز الإنسان عن إعطاء أيّ حكم على الأشياء. وقد نشأت الشكّية الحديثة في ظروف مشابهة للظروف التي اكتنفت تلك المدرسة القديمة وساعدت على إنشائها، فالشكّية الإغريقية جاءت كحلّ وسط للصراع الذي قام على أشدّه بين السفسطة والفلسفة. فقد كانت السفسطة قد ولدت قبل الشكّية بقرون، وتمرّدت على جميع الحقائق، وأنكرت القضايا العلمية والحسّية كافّة، وقام الفلاسفة في وجهها يظهرون تناقضاتها، ويكشفون عن انهيارها بين يدي النقد حتّى تضاءلت موجة الإنكار، فانبثقت عند ذلك فكرة الشكّ التي أعلنت عن (لاأدريّة) مطلقة، وحاولت تبرير ذلك بإظهار تناقضات الحواسّ وتضارب الأفكار الذي يسلب عنها صفة الوثوق العلمي، فكانت تخفيفاً للسفسطة، وكذلك الأمر في الشكّية الحديثة؛ فإنّ أصحابها حاولوا تقديمها كحلّ للتناقض القائم بين المثالية والواقعية، إن صحّ أن يعتبر الاستسلام إلى الشكّ حلًا لهذا التناقض، وكانت بسبب ذلك صورة مخفّفة عن المثالية.
ولم تعتمد الشكّية الحديثة على إظهار تناقضات الإحساس والإدراك فحسب، بل على تحليل المعرفة الذي يؤدّي إلى الشكّ في زعمها، فقد كان (دافيد هيوم) الذي بشّر بفلسفة الشكّ على أثر فلسفة (باركلي) يرى أنّ التأكّد من القيم الموضوعية للمعرفة البشرية أمر غير ميسور؛ لأنّ أداة المعرفة البشرية هي الذهن أو الفكر، ولا يمكن أن يحضر في الذهن سوى إدراكات، ومن الممتنع أن نتصوّر

159

المثالي من نقطة لا نقاش فيها، وهي: أنّ الشكل الذاتي للإحساس البشري يتوقّف تحديده على تركيب حواسّنا وعلى الجهاز العضوي بصورة عامّة. فليست طبيعة الإحساس الآتي من العالم الخارجي هي التي تحدّد بمفردها شكل الشي‏ء في إحساسنا، بل هو رهين بطبيعة الجهاز العصبي قبل كلّ شي‏ء، وقد زعموا بناءً على ذلك أنّ الحاسّة لا تعطينا أنباء عن العالم الخارجي، وإنّما هي تنبئنا عن جهازنا العضوي الخاصّ، وليس معنى ذلك: أنّ الإحساس لا صلة له بالشي‏ء الخارجي، بل الأشياء الخارجية هي الأسباب الأوّلية لإثارة العمليات الحسّية في أعضائنا، ولكن طبيعة الجهاز الخاصّ هي التي تبلور عملية الإحساس في الكيفية التي يعبّر بها عن نفسه، ولأجل هذا فالإحساس يمكن أن يعتبر بمثابة رمز وليس بمثابة صورة؛ ذلك لأنّ الصورة يتطلّب منها بعض الشبه مع الشي‏ء الذي تمثّله، وأمّا الرمز فلا يلزم أن يكون له أيّ شبه مع الشي‏ء الذي يعنيه.
وهذا الاتّجاه المثالي من المضاعفات اللازمة للمفهوم المادّي للإدراك الذي نرفضه كلّ الرفض، فإنّ الإدراك إذا كان عبارة عن عملية فيزيولوجية خالصة، وتفاعل مادّي خاصّ بين الجهاز العصبي والأشياء الموضوعية في الخارج، فيجب أن تكون كيفية هذا العمل الفيزيولوجي هنا مرتبطة بطبيعة الجهاز العصبي، أو بطبيعة الجهاز وطبيعة الشي‏ء الموضوعي معاً. وهذا، وإن لم يكن مؤدّياً إلى مثالية صريحة ونفي لواقع العالم الموضوعي ما دمنا قد احتفظنا للأشياء الخارجية بصفة السببية لعمليات الجهاز العصبي، إلّاأ نّه قد يسمح بالتشكيك في مدى مطابقة الإحساس للواقع الموضوعي، والريب في أن لا يكون الإدراك مجرّد انفعال خاصّ يدلّ على سببه بصورة رمزية من دون تشابه في الحقيقة والمحتوى‏. وسوف نعود إلى هذا المفهوم المثالي الفيزيولوجي عن قريب.

158

لا يجوز لنا أن نرتاب في كلّ حقيقة مهما بدت لنا واضحة؟ ولماذا نفترض المسألة الأساسية: مسألة وجود الواقع الموضوعي للعالم فوق الريب والشكّ؟!
وهكذا انبثقت النزعة المثالية أو اللّاأدرية لا باعتبار برهنة العلم على صحّتها وصوابها، بل باعتبار تزعزع عقيدة العلماء بالعلم وزوال إيمانهم بمسلّماته القاطعة، ولكنّ هذا العامل لا يعدو أن يكون باعثاً نفسياً أو أزمة نفسية أوحت بالتمايل نحو المثالية، وتزول هذه الأزمة النفسية بأدنى ملاحظة حين تُدرَس المسألة دراسة فلسفية؛ ذلك أنّ الاعتقاد بوجود الواقع الموضوعي للعالم ليس ناشئاً من براهين التجربة والعلم، فقد عرفنا سابقاً أنّ التجارب لا يمكن أن تبعث على هذا الاعتقاد، وتخرج الإنسان من التصوّرية إلى الموضوعية، بل هو اعتقاد فطري ضروري في الطبيعة الإنسانية، ولأجل ذلك فهو عام يشترك فيه الجميع حتّى المثاليون المتمرّدون عليه بلسانهم، فإنّهم- أيضاً- يعتقدون هذا الاعتقاد تماماً كما تدلّ عليه حياتهم العملية. وأمّا المسلّمات التي ظهر خطأها فهي تدور كلّها حول بنية العالم الموضوعي وتحديد واقعه وعناصره الأساسية، ومن الواضح: أنّ مسلّمات كهذه إنّما تثبت بالتجربة العلمية، فانهيارها ووضوح خطأها- بسبب نقصان التجارب التي ارتكزت عليها وعدم دقّتها، أو عدم صحّة الاستنتاج العقلي للنظرية من التجربة- لا يعني بحال من الأحوال: أن يجوز الخطأ على المسلّمات العقلية الضرورية.

ج- المثالية الفيزيولوجية:

وهذا لون آخر من المثالية يبدو عند بعض علماء الفيزيولوجيا، ويعتمد في زعمهم على الحقائق الفيزيولوجية التي يكشفها العلم. وينطلق هذا الاتّجاه‏

157

إلى حدّ يجعله ينطبق على المفهوم المعارض له وينسجم معه لا يعني إلّاتخلّيه عن واقعه الفلسفي الخاصّ، وعجزه عن الردّ على ما يعارضه من مفاهيم.
أضف إلى ذلك أنّ المادّية الجدلية لا تسمح للينين أن يعترف بحقيقة مطلقة؛ لأنّ ذلك يتنافى مع الجدل القائل بتطوّر جميع الحقائق طبقاً للتناقضات المحتواة فيها، فهل الخاصّة الأساسية للمادّة في مفهومها اللينيني الجديد خاصّة مطلقة لا تتطوّر ولا تخضع لقانون الجدل وتناقضاته؟ فإن كانت كذلك فقد وجدت- إذن- الحقيقة المطلقة التي يرفضها الديالكتيك ولا تقرّها اصول الجدل الماركسي. وإن كانت هذه الخاصّة خاصّة جدلية ومحتوية على التناقضات الدافعة لها إلى التطوّر والتغيّر كسائر حقائق العالم، فمعنى ذلك: أنّ المادّية تشكو هي- أيضاً- من التناقض، وتضطرّ لأجل ذلك إلى التغيّر والتبدّل ونزع الصفة الأساسية للمادّة عنها.
والنتيجة التي نخرج بها هي: أنّ النزعة المثالية عند الفيزيائيين نشأت عن عدم التمييز بين المسألتين الفلسفيتين اللتين شرحناهما، وليست وليدة الأدلّة العلمية بصورة مباشرة.
ومع هذا فيجب أن نشير إلى عامل آخر لعب دوراً مهمّاً في زعزعة يقين العلماء بالواقع الموضوعي، وهو: انهيار المسلّمات العلمية في الميدان العلمي الحديث، فبينما كانت تعتبر تلك المسلّمات حقائق قاطعة لا تقبل الشكّ، استطاع العلم أن يزيّفها ويبرهن على خطأها فذابت في لحظة ذرّات (جون دالتون) وتزعزع قانون عدم فناء المادّة، ودلّلت التجارب على أنّ المادّة وَهم عاش فيه البشر آلاف السنين، فكان ردّ الفعل لذلك أن ثار الشكّ من جديد وطغى على أفكار عدّة من العلماء، فإذا كانت مسلّمات العلم بالأمس أخطاء اليوم فلماذا

156

يزعزعها أيّ تغيّر في المفهوم العلمي لخصائص المادّة، وليس ذلك لأنّ المدرك الفلسفي عن المادّة يكون دون علاقة بمدرك علمي مزعوم، وإنّما لأنّ المادّة لا يمكن أن تفقد هذه الخاصّة الأساسية من خصائصها، وهي: كونها- أي المادّة- حقيقة واقعية موضوعية» «1».
بهذا أراد لينين أن يزيّف المثالية الفيزيائية، ويدعم مفهومه المادّي.
ويبدو واضحاً من كلامه تجاهله لكلّ فلسفة واقعية عدا الواقعية القائمة على أساس مادّي، ولأجل أن يحلّ التناقض بين المفهوم المادّي وحقائق العلم والفيزياء شرح مفهوم المادّة شرحاً غريباً، وأعطاه من السعة والشمول ما جعله يعبّر عن الواقع الموضوعي المستقلّ بالمادّة، محاولًا بذلك أن يقدّم المادّية كحلّ فلسفي وحيد لمسألة وجود العالم في مقابل المثالية. ومن الواضح: أنّ المادّة إذا كانت تعبيراً مساوياً للواقع الموضوعي المستقلّ، وكانت خصيصتها الوحيدة اللازمة لها هي موضوعيّتها ووجودها بصور مستقلّة عن وعينا، فالفلسفة الميتافيزيقية الإلهية تكون فلسفة مادّية تماماً باعتبار هذا المفهوم الجديد للمادّة، ويرتفع التعارض نهائياً بين الفلسفة الميتافيزيقية والفلسفة المادّية ومفهومها عن العالم.
فالفيلسوف الإلهي الذي يؤمن بما وراء الطبيعة يقول نفس الكلمة تماماً عن العالم. فالعالم عنده واقع موضوعي مستقلّ عن وعينا، وليس المبدأ الإلهي الذي تعتقد به الفلسفة الميتافيزيقية إلّاواقعاً موضوعياً مستقلًا عن وعينا.
والحقيقة: أنّ التلاعب بالألفاظ لا يجدي شيئاً، فتوسعة المفهوم المادّي‏

155

خالية من المادّة، إذا صحّ ذلك كلّه فلن يغيّر ذلك من موقفنا تجاه السؤال الأوّل شيئاً؛ لأنّنا نؤمن على كلّ تقدير بأنّ الحقيقة ليست نتائج الشعور فحسب، بل هي وليدة الواقع المستقلّ.

وإنّما يكون لهذه النظريات العلمية تأثير إذا فرغنا عن الإجابة على السؤال الأوّل، وتناولنا السؤال الثاني لنعرف كيف هو العالم.

وبهذا نعرف أنّ كشوف العلم الحديث لا تردّ على الواقعية بشي‏ء، وإنّما تردّ على المادّية التي تزعم أنّ المادّية هي الوصف اللازم لذلك الواقع بصورة عامّة.

ومن الغريب محاولة بعض المادّيين الاحتفاظ للمادّية بمقامها، والردّ على البراهين العلمية والتجريبية بأ نّها لا تبرهن على سلب الصفة المادّية عن العالم، وإنّما تكون سبباً في تعمّق فهمنا للمادّة وخصائصها.

قال لينين:

«إنّ تلاشي المادّة يعني أنّ الحدّ الذي وصلت إليه معرفتنا بالمادّة يتلاشى‏، وإنّ وعينا يتعمّق، فثمّة خصائص للمادّة- كعدم قابليتها للاختراق وعدم الحركة والكتلة- كانت تبدو لنا من قبل مطلقة ثابتة أوّلية وهي تتلاشى‏ الآن، وقد عرفت بأ نّها نسبية ملازمة فقط لبعض حالات المادّة؛ ذلك أنّ الخاصّة الوحيدة للمادّة التي يحدّد التسليم بها المادّية الفلسفية إنّما هي: كونها- أي المادّة- حقيقة موضوعية، وأ نّها موجودة خارج وعينا»[1].

«إنّ دعائم المفهوم المادّي عن العالم لا يمكن أن‏

 

[1] ما هي المادّية؟: 20- 21