کتابخانه
645

المتحقّقة من الغاصب وإن حرم استعماله للآلة … نعم عليه- أي على الصائد- اجرة مثلها للمالك كباقي الأعيان المغصوبة بل لو لم يصد بها كان عليه الأجر لفوات المنفعة تحت يده»[1].

وجاء نظير ذلك في المبسوط للفقيه الحنفي السَرَخسي إذ كتب يقول: وإذا دفع إلى رجل شبكة ليصيد بها السمك على أنّ ما صاد بها من شي‏ء فهو بينهما، فصاد بها سمكاً كثيراً فجميع ذلك للذي صاد … لأنّ الآخذ هو المكتسب دون الآلة، فيكون الكسب له، وقد استعمل فيه آلة الغير بشرط العوض لصاحب الآلة وهو مجهول فيكون له أجر مثله على الصيّاد[2].

وهذا يعني أنّ الآلة ليس لها حصّة في السلعة المنتجة.

11- وللشيخ الطوسي في الشركة من كتاب المبسوط هذا النصّ الآتي:

«إذا أذن رجلٌ لرجل أن يصطاد له صيداً فاصطاد الصيد بنيّة أن يكون للآمر دونه فلمن يكون هذا الصيد؟ قيل فيه: إنّ ذلك بمنزلة الماء المباح إذا استقاه السقّاء بنيّة أن يكون بينهم، وإنّ الثمن يكون له- أي للسقّاء- دون شريكه، فها هنا يكون الصيد للصيّاد دون الآمر؛ لأنّه انفرد بالحيازة. وقيل: إنّه يكون للآمر؛ لأنّه اصطاده بنيّته فاعتبرت النيّة، والأوّل أصحّ»[3].

12- ذكر المحقّق الحلّي في الشرائع: أنّ إنساناً «لو دفع دابّةً مثلًا وآخر راوية إلى سقّاء على الاشتراك في الحاصل لم تنعقد الشركة، فكان ما يحصل حينئذٍ للسقّاء، وعليه مثل اجرة الدابّة والراوية»[4].

 

[1] جواهر الكلام 36: 65، 66

[2] المبسوط 22: 34

[3] المبسوط 2: 346

[4] شرائع الإسلام 2: 132- 133 مع اختلاف يسير

644

في المسألة بحث آخر، وهو: أ نّه على القول بصحّة الإجارة على أحد القولين (أي الإجارة للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد) إنّما يقع الملك للمستأجر مع نيّة الأجير الملك له … وأمّا مع نيّة الملك لنفسه فيجب أن يقع له؛ لحصول الشرط على جميع الأقوال، واستحقاق المستأجر منافعه تلك المدّة لا ينافي ذلك»[1].

7- ذكر العلّامة الحلّي في القواعد أنّ الإنسان: «لو صاد أو احتطب أو احتشّ أو حاز بنيّة أ نّه له ولغيره لم تؤثّر تلك النيّة وكان بأجمعه له»[2].

8- وفي مفتاح الكرامة: أنّ الشيخ الطوسي والمحقّق والعلّامة حكموا جميعاً بأنّ الشخص إذا حاز ثروة طبيعيّة بنيّة أ نّه له ولغيره كانت كلّها له‏[3].

9- وجاء في قواعد العلّامة أنّ الشخص: «لو دفع شبكة للصائد بحصّة فالصيد للصائد وعليه اجرة الشبكة»[4]. وأكّدت ذلك عدّة مصادر فقهيّة اخرى كالمبسوط والمهذّب والجامع والشرائع‏[5].

10- وقال المحقّق الحلّي في الشرائع: «الاصطياد بالآلة المغصوبة حرام، ولا يحرم الصيد، ويملكه الصائد دون صاحب الآلة، وعليه اجرة مثلها»[6].

وقد علّق المحقّق النجفي في الجواهر على الحكم المذكور بتملّك الصائد للصيد دون صاحب الآلة قائلًا: «لأنّ الصيد من المباحات التي تملك بالمباشرة

 

[1] مسالك الأفهام 4: 339

[2] قواعد الأحكام 2: 330

[3] مفتاح الكرامة 7: 420

[4] قواعد الأحكام 2: 333

[5] المبسوط 3: 168، والمهذّب 1: 461، والجامع للشرائع: 317، وشرائع الإسلام 2: 139

[6] شرائع الإسلام 3: 203

643

المبسوط- في بعض نسخه- المنع عن التوكيل في الإحياء[1]. ونقل عنه أيضاً المنع من التوكيل في الاحتطاب والاحتشاش‏[2].

وقال أبو حنيفة- بصدد الاستدلال على أنّ الشركة لا تصحّ في اكتساب المباح كالاحتشاش-: لأنّ الشركة مقتضاها الوكالة، ولا تصحّ الوكالة في هذه الأشياء؛ لأنّ من أخذها ملكها[3].

6- وربط العلّامة الحلّي بين الوكالة والإجارة فذكر: أنّ الوكالة في تلك الأعمال إذا كانت غير منتجة فالإجارة مثلها أيضاً، فكما لا يملك الموكّل ما يحصل عليه الوكيل في الاحتطاب والاصطياد وإحياء الموات كذلك لا يملك المستأجر مكاسب عمل الأجير في الطبيعة[4]. والنصّ في كتاب التذكرة، إذ كتب يقول: «إن جوّزنا التوكيل فيه جوّزنا الإجارة عليه، فإذا استأجر ليحتطب أو يستقي الماء أو يحيي الأرض جاز، وكان ذلك للمستأجر. وإن قلنا بالمنع هناك منعناه هنا، فيقع الفعل للأجير»[5].

وقد أ كّد المحقّق الإصفهاني في كتاب الإجارة أنّ الإجارة لا أثر لها في تملّك المستأجر- أي باذل الاجرة- لما يحوزه الأجير ويحصل عليه بعمله في الطبيعة، فإذا حاز الأجير لنفسه ملك المال المحاز ولم يكن للمستأجر شي‏ء[6].

والشي‏ء نفسه ذهب إليه الشهيد الثاني في مسالكه؛ إذ كتب يقول: «وبقي‏

 

[1] نقله عنه في مفتاح الكرامة 7: 560. وراجع المبسوط 2: 363

[2] نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة 6: 20

[3] لاحظ المغني 5: 111

[4] راجع الملحق رقم 14

[5] تذكرة الفقهاء( ط. الحجريّة) 2: 118

[6] كتاب الإجارة( للشيخ محمّد حسين الإصفهاني): 120- 122

642

وإليكم نصّ كلامه: «وأمّا ما لا تدخل النيابة فيه فضابطه ما تعلّق قصد الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة كالطهارة … والصلاة الواجبة ما دام حيّاً، والصوم والاعتكاف، والحجّ الواجب مع القدرة، والأيمان والنذر والغصب، والقسم بين الزوجات؛ لأنّه يتضمّن استمتاعاً، والظهار واللعان، وقضاء العدّة، والجناية والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش»[1].

2- وجاء في الوكالة من كتاب التذكرة للعلّامة الحلّي: أنّ في صحّة التوكيل في المباحات كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش وإحياء الموات وحيازة الماء وشبهه إشكالًا. ونسب القول بعدم صحّة ذلك إلى بعض فقهاء الشافعيّة[2].

3- وفي كتاب القواعد: وفي التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالالتقاط والاصطياد والاحتشاش والاحتطاب نظر[3].

4- وقد شاركت في هذا النظر عدّة مصادر فقهيّة اخرى كالتحرير والإرشاد والإيضاح‏[4] وغيرها.

5- ولم تكتفِ عدّة مصادر فقهيّة اخرى بالنظر والإشكال، بل أعلنت بصراحة عن عدم جواز الوكالة وفاقاً للشرائع، كالجامع‏[5] في الفقه، وكذلك السرائر[6] أيضاً بالنسبة إلى الاصطياد، كما نقل عن الشيخ الطوسي في كتاب‏

 

[1] شرائع الإسلام 2: 195

[2] تذكرة الفقهاء( ط. الحجريّة) 2: 118

[3] قواعد الأحكام 2: 355

[4] لاحظ: تحريرم الأحكام الشرعيّة 3: 27، وإرشاد الأذهان 1: 416، وإيضاح الفوائد 2: 339، ومفتاح الكرامة 7: 559

[5] راجع الجامع للشرائع: 319

[6] السرائر 2: 85

641

1- الأساس النظري للتوزيع على عناصر الإنتاج‏[1]

البناء العلْوي:

1- ذكر المحقّق الحلّي في كتاب الوكالة من الشرائع: أنّ الاحتطاب وما إليه من ألوان العمل في الطبيعة لا تصحّ فيه الوكالة، فلو وكّل فرد شخصاً آخر في الاحتطاب له من أخشاب الغابة مثلًا، كانت الوكالة باطلة، فلا يملك الموكّل الخشب الذي احتطبه العامل؛ لأنّ الاحتطاب وغيره من ألوان العمل في الطبيعة لا ينتج أثراً أو حقّاً خاصّاً لشخص ما لم يمارس العمل بنفسه وينفق جهداً مباشراً في عمليّات الاحتطاب والاحتشاش ونحوهما، فقد تعلّق غرض الشارع- على حدّ تعبير المحقّق- بإيقاع هذه الأعمال من المكلّف مباشرة.

 

[1] كنّا في نظريّة توزيع ما قبل الإنتاج نحاول أن نحدّد الحقوق التي يكسبها الأفراد في الثروات الطبيعيّة الخام بوصفها مظهراً من مظاهر توزيعها. ولمّا كانت هذه الحقوق نتيجة للعمل اتّجه البحث إلى تحديد دور العمل في تلك الثروات الطبيعيّة. والثروة الطبيعيّة التي يطوّرها العمل هي بهذا الاعتبار تندرج في ثروة ما بعد الإنتاج، ولأجل هذا تداخل البحثان- بحث توزيع ما قبل الإنتاج وبحث توزيع ما بعد الإنتاج- بصورة جزئيّة، وكان لا بدّ من هذا التداخل حفاظاً على الوضوح في إعطاء الأفكار عن كلٍّ من حقلي التوزيع.( المؤلّف قدس سره)

640

639

الكتاب الثاني‏
3

نظريّة توزيع ما بعد الإنتاج‏

1- الأساس النظري للتوزيع على عناصر الإنتاج.
2- أوجه الفرق بين النظريّة الإسلاميّة والماركسيّة.
3- القانون العامّ لمكافأة المصادر المادّيّة للإنتاج.
4- الملاحظات.

638

طبيعيّاً لحقوقه التي كسبها حال الحياة، فكلّ ذلك يشير إلى أنّ السماح بالثُلث للميّت حكم استثنائي، وفي هذا اعتراف ضمني بالحقيقة التي قدّمناها عن التحديد الزمني وارتباطه بالنظريّة العامّة.

وقد استهدفت الشريعة من تشريع هذا الحكم الاستثنائي الحصول على مكاسب جديدة للعدالة الاجتماعيّة؛ لأنّه يتيح للفرد وهو يودّع دنياه كلّها ويستقبل عالماً جديداً أن يستفيد من ثروته لعالمه الجديد، والغالب في لحظات الانتقال الحاسمة من حياة الفرد المسلم أن تنطفئ فيها شعلة الدوافع المادّية والشهوات الموقوتة، الأمر الذي يساعد الإنسان على التفكير في ألوان جديدة من الإنفاق تتّصل بمستقبله وحياته المنتظرة التي يتأهّب للانتقال إليها. وهذه الألوان الجديدة هي التي اطلق عليها في الحديث السابق اسم الخير، وعوتب الفرد الذي لم يستفد من حقّه في الوصيّة على عدم تحقيقه للغرض الذي من أجله منح ذلك الحقّ.

وقد حثّ الإسلام في نفس الوقت الذي سمح فيه بالثلث على استغلال الفرد لفرصته الأخيرة هذه في سبيل حماية مستقبله وآخرته بتخصيص الثلث لمختلف سبل الخير، والمصالح العامّة التي تساهم في تدعيم العدالة الاجتماعيّة[1].

فالتحديد الزمني للملكيّة هو القاعدة إذن، والسماح بالثلث استثناء فرضته أغراض ترتبط بجوانب اخرى من الاقتصاد الإسلامي.

 

[1] وسائل الشيعة 10: 271، الباب 10 من كتاب الوصايا

637

الميراث الذي يحدّد المالكين الجدد وينظّم طريقة توزيع الثروة عليهم فهو ليس نتيجة للنظريّة العامّة في توزيع ما قبل الإنتاج، وإنّما يرتبط بنظريّات اخرى من الاقتصاد الإسلامي كما سنرى في بحوث مقبلة.

والإسلام حين حدّد الملكيّة الخاصّة تحديداً زمنيّاً بحياة المالك ومَنَعه من الوصيّة بماله والتحكّم بمصير ثروته بعد وفاته استثنى من ذلك ثُلث التركة، فسمح للمالك بأن يقرّر بنفسه مصير ثُلث ماله‏[1]، وهذا لا يتعارض مع الحقيقة التي عرفناها عن التحديد الزمني وارتباطه بالنظريّة العامّة؛ لأنّ النصوص التشريعيّة التي دلّت على السماح للمالك بالثُلث من التركة تشير بوضوح إلى أنّ هذا السماح ذو صفة استثنائيّة يقوم على أساس مصالح معيّنة، فقد جاء في الحديث عن عليّ بن يقطين أ نّه سأل الإمام موسى عليه السلام: ما للرجل من ماله عند موته؟ فأجابه:

الثُلث، والثُلث كثير[2]. وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام: أنّ الوصيّة بالربع والخمس أفضل من الوصيّة بالثلث‏[3]. وورد في الحديث أيضاً: أنّ اللَّه تعالى يقول لابن آدم: قد تطوّلت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيراً، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثُلثك فلم تقدّم خيراً[4].

فالثُلث في ضوء هذه الأحاديث حقّ يرجّح للمالك عدم استخدامه، ويستكثر عليه، ويعتبر منحةً قد تفضّل بها اللَّه على عبده عند موته وليس امتدادا

 

[1] راجع جواهر الكلام 26: 59

[2] وسائل الشيعة 19: 274، الباب 10 من كتاب الوصايا، الحديث 8

[3] المصدر السابق: 269، الباب 9 من كتاب الوصايا، الحديث 2

[4] المصدر السابق: 263، الباب 4 من كتاب الوصايا، الحديث 4