کتابخانه
232

بهذا المقدار.
وهكذايكون للتعليل دلالتان:
إحداهما: الدلالة على دخل العلّة وجوداً في شخص الحكم المعلّل.
والاخرى: الدلالة على دخل العلّة عدماً في سنخ الحكم المعلّل، بمعنى أنّ بعض صور انتفاء العلّة على الأقلّ لا يكون سنخ الحكم المعلّل ثابتاً فيها.
وعلى هذا الضوء يكون تعليل الحكم بالطهارة بالحالة السابقة في مثل رواية عبد اللَّه بن سنان دالًاّ على دخلها في شخص الحكم المجعول في تلك الروايات، وبذلك يثبت أنّ الحكم المجعول فيها هو الاستصحاب، وعلى أنّ سنخ ذلك الحكم غير ثابتٍ في جميع الموارد التي لا تكون الطهارة فيها حالةً سابقةً بنحو سلب العموم، لا عموم السلب. ومن الواضح أ نّه في مقابل فرض الطهارة حالة سابقة فرضان: أحدهما: فرض النجاسة حالةً سابقة. والآخر: فرض عدم الحالة السابقة رأساً.
ويكفي لإعطاء التعليل حقّه من المفهوم بنحوٍ يصدق سلب العموم أن لا يكون الحكم بالطهارة ثابتاً في الفرض الأوّل من هذين الفرضين، فهو نظير ماإذا قيل: «أكرم زيداً لأنّه عالم» وفرضنا قيام دليلٍ على أ نّه يجب إكرامه إذا كان عادلًا أيضاً، فإنّه يكفي لإعطاء التعليل حقّه من المفهوم أن يكون وجوب الإكرام منفيّاً ولو في بعض حالات عدم العلم، وهي حالة عدم العلم مع الفسق، فكذلك في المقام.
فإن قيل: فرق بين محلّ الكلام والمثال، وهو: أنّ فرض علّةٍ اخرى‏ لسنخ الحكم المعلّل لا ينافي التعليل إذا كانت في عرض العلّة المذكورة في دليل الحكم المعلّل، كالعدالة مع العلم.
وأمّا إذا كانت العلّة الاخرى المفروضة جامعاً أوسع من العلّة المذكورة في‏

231

المحرز الناظر إلى إثبات الواقع دون قاعدة الطهارة.
ويرد عليه- مضافاً إلى الإشكال في فرض ذاك محرزاً دون هذه، على مايأتي إن شاء اللَّه تعالى-: أنّ المعلّل في لسان الدليل إنّما هو جواز الصلاة في الثوب، وهو أعمّ من الإثبات التعبّدي للواقع والوظيفة العملية، فلابدّ من تصوير دخل لحاظ الحالة السابقة في الجامع، وهذا لا يكون مع شمول القاعدة لموارد انتفاء الحالة السابقة.
الرابع: يتوقّف على توضيح مقدّمة، وهي: أنّ مفهوم التعليل يختلف عن مفهوم الشرط وإن كان ثابتاً في الجملة.
وبيان ذلك: أنّ مفهوم الشرط يقتضي الانتفاء المطلق للجزاء في جميع حالات فقدان الشرط؛ لأنّ المعلّق على الشرط في الشرطيّة سنخ الحكم، لا شخصه، ومقتضى التعليق انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط، وهو خلف ثبوت أيّ فردٍ من طبيعيّ حكم الجزاء في بعض حالات فقدان الشرط. وأمّا التعليل فهو وإن كان له مفهوم في الجملة غير أ نّه لا يقتضي بمفهومه انتفاء الحكم المعلّل في سائر موارد فقدان العلّة، كما كان التعليق في الشرطية يقتضي ذلك؛ لأنّ الانتفاء بهذا النحو من شؤون العلّية الانحصارية، والانحصارية لا تستفاد من مجرّد التعليل، بخلاف التعليق على الشرط فإنّه يستفاد منه الانحصار، فلا يكون تعليل حكمٍ بعلّةٍ نافياً لوجود علّةٍ اخرى.
نعم، يدلّ التعليل على عدم ثبوت الحكم المعلّل في جميع موارد فقدان العلّة، أي على نفي الموجبة الكلّيّة للحكم المعلّل. فقولنا: «أكرم زيداً لأنّه عالم» يلائم مع وجوب الإكرام في بعض حالات عدم العلم أيضاً، ولكنّه يدلّ على أنّ وجوب الإكرام ليس ثابتاً في جميع حالات عدم العلم، وإلّا لكان التعليل بالعلم لغواً عرفاً، فالصيانة العرفية للتعليل عن اللغوية بنفسها تكون دليلًا على المفهوم‏

230

الطهارة.
ويرد عليه: أنّ المعلّل في لسان الدليل هو أصل جواز الصلاة، أو عدم وجوب الإعادة، لا فرد خاصّ من أفراد الحكم بالجواز أو الحكم بالعدم، واستصحابية الحكم المعلّل إنّما فهمت بلحاظ نفس التعليل.
الثاني: أن الاستصحاب في مورد جريانه حاكم على قاعدة الطهارة، ففي مورد جريان الاستصحاب وتمامية أركانه يكون الحكم منحصراً بالحكم الاستصحابيّ، والحالة السابقة دخيلة فيه.
ويرد عليه مع قطع النظر عمّا يأتي- إن شاء اللَّه تعالى- من منع حكومة استصحاب الطهارة على قاعدتها: أنّ ظاهر الدليل كون المعلّل طبيعيّ الحكم، لا فرداً منه، فلابدّ أن يكون لطبيعيّ الحكم توقّف على كلا جزءي العلّة ولو في الجملة.
وإن شئت قلت: إنّ التعليل وإن لم يدلّ على المفهوم على حدّ دلالة أداة الشرط- بحيث يقتضي الانتفاء المطلق عند انتفاء العلّة؛ لعدم دلالته على انحصارية العلّة- ولكنّه يدلّ على المفهوم في الجملة، بمعنى انتفاء الحكم عند انتفاء العلّة ولو في الجملة وفي بعض الفروض، فإذا قيل: «أكرم زيداً لأنّه عالم» دلّ على أ نّه ليس ممَّن يجب إكرامه على كلّ حال، وإن كان قد يجب إكرامه على تقدير العدالة أيضاً.
وعليه يدلّ التعليل بالحالة السابقة والشكّ الفعليّ معاً على أنّ الشكّ الفعليّ لا يكفي وحده للجواز على كلّ حال، وإلّا كان ضمّ الجزء الآخر إليه لغواً.
الثالث: أنّ المعلّل هو التعبّد بالواقع، أي جواز الصلاة الواقعيّ في الثوب تعبّداً، أو عدم وجوب الإعادة الواقعيّ تعبّداً. ومن المعلوم أنّ الإثبات التعبّدي للواقع يتوقّف على لحاظ الحالة السابقة؛ لأنّ الاستصحاب وحده هو الأصل‏

229

ابن‏سنان في مدخليّة الحالة السابقة في الحكم بالطهارة لاحقاً، وعدم كفاية مجرّد الشكّ، وهذا الظهور يعارض إطلاق القاعدة أو يقيّدها.

وقد يجاب: بأ نّه لا معارضة بين الدليلين، فإنّ مفاد دليل الاستصحاب دخل لحاظ الحالة السابقة في الحكم الاستصحابي، ولا ينافي ذلك عدم دخله في قاعدةٍ اخرى غير الاستصحاب كقاعدة الطهارة.

وفيه: أنّ لحاظ الحالة السابقة اخذ في رواية عبد اللَّه بن سنان- الدالّة على استصحاب الطهارة- جزء العلّة لجواز الصلاة في الثوب الذي استعاره الذمّي، حيث علّل الجواز بمجموع أمرين، وهما: أنّ الثوب كان طاهراً حين الإعارة، ولا يقين بتنجيس الذمّيّ له، وظاهر التعليل بذلك دخل مجموع جزءَي العلّة في الحكم بجواز الصلاة، مع أ نّه لو جرت قاعدة الطهارة بمجرّد الشكّ لم يكن للجزء الأوّل من العلّة دخل في الحكم بجواز الصلاة.

وكذلك الحال في صحيحة زرارة الواردة في الشكّ في طهارة الثوب، حيث يقول: «لا تعيد الصلاة؛ لأنّك كنت على يقينٍ فشككت»[1]، فلو كانت أصالة الطهارة تجري بدون لحاظ الحالة السابقة لمَا كان لأخذ اليقين السابق أيّ دخلٍ في عدم الإعادة، مع أنّ ظاهر تعليل حكم بعلّةٍ مركّبةٍ من جزءين دخل كلٍّ منهما ضمناً فيه.

وقد يدفع هذا الاعتراض بوجوه:

الأوّل: أنّ الحكم المعلّل بالعلّة المركّبة هو الحكم الاستصحابيّ بجواز الصلاة، أو الحكم الاستصحابيّ بعدم وجوب الإعادة، وهو لا ينافي عدم دخل جزء هذه العلّة المركّبة في حكمٍ آخر مماثلٍ وهو الحكم المتحصّل من قاعدة

 

[1] وسائل الشيعة 3: 466، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 1

228

الأوّلَين تشمل الرواية بإطلاقها صورة الشكّ في النجاسة من أوّل الأمر، وعلى الأخير لا تشمل ذلك؛ لأنّ الفعل ظاهر في الحدوث. وبما أنّ كلّ هذه الامور محتمل تصبح الرواية ممّا يحتمل فيها قرينية المتّصل فتكون مجملة.
نعم، لو ادّعي ارتكازية عدم الفرق بين الشكّ في طروّ النجاسة والشكّ في النجاسة من أوّل الأمر ثبت الحكم مطلقاً، ولكنّ احتمال الفرق وكون طهارة الشي‏ء حدوثاً نكتةً دخيلةً في ملاك جعل قاعدة الطهارة ليس على خلاف الارتكاز.
وأمّا إذا كان مدرك القاعدة هو الوجه الثاني- أي الروايات المتفرّقة- فقد يقال: إنّ الحال حينئذٍ أسوأ؛ لعدم وجود العموم أو الإطلاق فيها؛ لورودها جميعاً في موارد الشكّ في حدوث النجاسة، ولا يمكن التعدّي من ذلك إلى مورد الشكّ في النجاسة من أوّل الأمر إلّامع قيام الارتكاز على عدم الفرق، ولا ارتكاز كذلك، فلا بدّ من التفصيل.
وغاية ما يمكن أن يُقَرَّب به إطلاق القاعدة على هذا الوجه التمسّك بمثل قوله: «إذا لم أعلم» في قوله: «ما ابالي أبَوْل أصابني أو ماء إذا لم أعلم». وهذا التمسّك يتوقّف على دعوى: أنّ متعلّق العلم المنفيّ في قوله: إذا لم أكن أعلم لمالم يذكر صريحاً، ولم يُعيّن أ نّه أصل النجاسة والإصابة أو حدوثها، فلا بدّ من تعيينه بالاستظهار، فيستظهر أنّ المتعلّق هو أصل النجاسة، لا حدوثها بعنوانه، فيتحصّل من ذلك: أنّ مناط الحكم هو عدم العلم بالنجاسة، لا عدم العلم بحدوثها، فيشمل موارد الشكّ في النجاسة من أوّل الأمر، وعهدة هذا الاستظهار على مدَّعيه.
ثمّ إنّه بناءً على شمول القاعدة لموارد الشكّ في النجاسة من أوّل الأمر قدتوقع المعارضة بينها وبين ظهور دليل استصحاب الطهارة في رواية عبد اللَّه‏

227

وقد يكون الشكّ في النجاسة العَرَضية وتكون النجاسة المشكوكة طارئة، سواء كانت الشبهة حكميةً- كما إذا شكّ في الانفعال بملاقاة المتنجّس- أو موضوعيةً، كما إذا شكّ في ملاقاة الشي‏ء لعين النجس.
وقد يكون الشكّ في النجاسة العَرَضية وتكون النجاسة المشكوكة من أوّل الأمر، سواء كانت الشبهة حكميةً- كما إذا استحال الخمر إلى مائعٍ آخر مباينٍ للخمر في الصورة النوعية العرفية وشكّ في انفعاله بملاقاة ظرف الخمر- أو موضوعية، كما إذا علم في الفرض المذكور بأنّ ملاقاة الظرف توجب الانفعال، وفرضنا أنّ الخمر قد استحال إلى شي‏ءٍ نراه الآن جامداً وشككنا في أ نّه هل استحال رأساً إلى شي‏ءٍ جامدٍ، أو استحال إلى شي‏ءٍ ما ئعٍ فتنجّس كلّه بالملاقاة ثمّ أصبح جامداً؟
وينبغي أن يعلم: أنّ دعوى عدم شمول قاعدة الطهارة لموارد الشكّ في النجاسة من أوّل الأمر واختصاصها بموارد الشكّ في حدوثها لا يعني اعتبار الحالة السابقة المساوق لإرجاع مفاد الروايات إلى الاستصحاب؛ لأنّ الشكّ في الحدوث قد يكون محفوظاً مع عدم تعيّن الحالة السابقة وعدم جريان الاستصحاب، كما هي الحالة في موارد توارد الحالتين، فالمغايرة بين مفاد الروايات والاستصحاب محفوظ في هذه الجهة على كلّ حال.
وتحقيق الحال في هذه الجهة: أنّ مدرك القاعدة إن كان هو العموم في رواية عمّار فقد يتوهّم شمول العموم فيها لموارد الشكّ في النجاسة من أوّل الأمر؛ لأنّ موضوع العامّ فيها عدم العلم بالقذارة وهو محفوظ على كلّ حال.
ولكنّ التحقيق: أنّ الحكم بالنظافة في العامّ مغيّىً بقوله: «حتّى تعلم أ نّه قذر»، وكلمة «قذر» قد تكون بكسر الذال فتكون بمعنى الوصف، أو بضمِّه.
وعلى الثاني يجوز أن يكون وصفاً، ويجوز أن يكون فعلًا، بمعنى تقذّره، فعلى‏

226

الشبهة الموضوعية، كما إذا شكّ في كون حيوانٍ جلّالًا مع معلومية نجاسة الجلّال مثلًا. وأمّا مع انحصار المدرك في الوجه الثاني فيشكل إجراء القاعدة في موارد الشكّ في النجاسة الذاتية؛ لأنّ مورد الروايات المتفرّقة هو الشكّ في النجاسة العَرَضية، ولا يساعد الارتكاز على إلغاء الفرق بين النجاستين؛ لأنّ أشدِّيّة النجاسة الذاتية توجب احتمال الفرق في المقام.
ودعوى: أنّ مثل قوله: لا ابالي أبَوْلٌ أصابني أم ماء إذا كنت لا أعلم يدلّ على أنّ مناط عدم المبالاة هو عدم العلم بالنجاسة، وهذا المناط محفوظ في مورد الشكّ في النجاسة الذاتية أيضاً مدّفوعة: بأنّ متعلّق «لا أعلم» هو ما فرض عدم المبالاة به قبل ذلك، وهو: أ نّه أصابه البول أو الماء، فكأ نّه يقول: «أنا طاهر مادمت لا أعلم أنّ ما لاقاني بول أو ماء» فعدم العلم ببولية المائع جعل مناطاً لطهارة بدن الإنسان الذي أصابه ذلك المائع، ولا يمكن أن يستفاد من ذلك أنّ عدم العلم ببولية المائع يكون مناطاً للحكم بطهارة نفس ذلك المائع أيضاً.

الجهة الرابعة:

في تقسيمٍ ثالث، وهو: أنّ الشكّ تارةً يكون شكّاً في النجاسة من أول الأمر، واخرى يكون شكّاً في طروّ النجاسة، فيقع الكلام في أنّ القاعدة هل تشمل كلا القسمين، أو تختصّ بموارد الشكّ في طروّ النجاسة؟ وهذا التقسيم في عرض التقسيمين السابقين.
فقد يكون الشكّ في النجاسة الذاتية وتكون النجاسة المشكوكة طارئة، سواء كانت الشبهة حكميةً- كما إذا شكّ في نجاسة بدن الجلّال- أو موضوعيةً، كما إذا شكّ في كونه جلّالًا بعد فرض نجاسة الجلّال.
وقد يكون الشكّ في النجاسة الذاتية وتكون النجاسة المشكوكة من أوّل الأمر، سواء كانت الشبهة حكميةً- كما إذا شكّ في نجاسة عرق الإبل الجلّالة- أو موضوعيةً، كما إذا شكّ في كون هذا العرق منها.

225

تلك‏الروايات.

وأمّا إذا تمّ المدرك الأوّل للقاعدة- وهو العموم في رواية عمّار- فلا بأس بشمول قوله: «كلّ شي‏ءٍ نظيف» لموارد الشبهة الحكمية والموضوعية.

ودعوى: أنّ العموم إمّا أن يكون بلحاظ الأنواع كعرق الإبل الجلّالة والمسكر ونحو ذلك، أو بلحاظ الأفراد كهذا الفرد من العرق أو هذا الفرد من الشراب، ولا يصحّ أن يكون بلحاظ الأنواع والأفراد معاً؛ لعدم التقابل بينها، مع ظهور العموم في تقابل مفردات العامّ، فإن كان بلحاظ الأنواع اختصّ بالشبهة الحكمية، وإن كان بلحاظ الأفراد اختصّ بالشبهة الموضوعية مدفوعة: بإمكان اختيار كون العموم بلحاظ الأفراد، كما هو الطبع الأوّليّ للعمومات، ما لم تقم قرينة على لحاظ الأنواع، فكلّ فردٍ لا يعلم بقذارته نظيف. ومن المعلوم أنّ الفرد قد لا يكون معلوم القذارة؛ للشكّ في انطباق الموضوع عليه، وقد لا يكون معلوم القذارة؛ للشكّ في جعل الكبرى، وهذا يعني جريان القاعدة في موارد الشبهة الحكمية والموضوعية معاً.

الجهة الثالثة:

أنّ القاعدة هل تشمل موارد الشكّ في النجاسة الذاتية، أو تختصّ بموارد النجاسة العَرَضية؟ وهذا تفصيل في عرض التفصيل السابق؛ لأنّ كلّاً من النجاسة الذاتية والعَرَضية يتصوّر فيها الشبهة الحكمية تارةً، والشبهة الموضوعية اخرى.

والصحيح: أ نّه إذا تمّ المدرك الأوّل للقاعدة- وهو العموم في رواية عمّار[1]– صحّ التمسّك به لإجراء القاعدة في موارد الشكّ في النجاسة الذاتية أيضاً، سواء كان الشكّ بنحو الشبهة الحكمية، كما إذا شكّ في نجاسة الحيوان الجلّال، أو بنحو

 

[1] وسائل الشيعة 3: 467، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4

224

أمّا الرواية الاولى فلأ نّه لم يذكر فيها كون الشكّ نكتةً للحكم، وإنّما حكم الإمام عليه السلام بجواز الصلاة في تلك الثياب، وهذا الحكم مجمل قابل للانطباق على نكتة الاستصحاب، كمايكون قابلًا للانطباق على نكتة قاعدة الطهارة؛ لأنّ المورد واجد لكلتا النكتتين.

وأمّا الرواية الثانية فلأ نّه قد يُدَّعى ظهورها في الاستصحاب باعتبار أخذ الحالة السابقة في موضوع الحكم.

ومثلها أيضاً مرسلة محمد بن إسماعيل: «في طين المطر أنهّ لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّامٍ إلّاأن يعلم أ نّه قد نجّسه شي‏ء بعد المطر»[1]. فإنّ لحاظ الحالة السابقة موجود في هذه الرواية، ولا يعلم أنّ الحكم بالطهارة لذلك، أو بقطع النظر عن الحالة السابقة. والمقصود في المقام من قاعدة الطهارة: إثبات كون الشكّ في نفسه ملاكاً للتأمين من ناحية النجاسة شرعاً، بدون احتياجٍ إلى ملاحظة الحالة السابقة.

الجهة الثانية:

في أنّ قاعدة الطهارة هل تختصّ بما إذا كان الشكّ في النجاسة بنحو الشبهة الموضوعية، أو تشمل موارد الشبهة الحكمية؟

وتحقيق ذلك: أنّ مدرك القاعدة إذا كان منحصراً بالوجه الثاني فلا بدّ من‏الالتزام باختصاصها في موارد الشبهة الموضوعية؛ لأنّ الروايات المتفرّقة جميعاً إنّما وردت في الشبهات الموضوعية، وإلغاء الخصوصية لا يقتضي التعدّي إلى الشبهة الحكمية؛ لعدم وجود ارتكازٍ يقضي بعدم الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية. فغاية ما يتحصّل من تلك الروايات: أنّ الشكّ في الموضوع كافٍ‏للتأمين، وأمّا الشكّ في الحكم الكلّيّ فلا دليل على مؤمِّنيّته من ناحية

 

[1] وسائل الشيعة 1: 147، الباب 6 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6