کتابخانه
349

وأشكاله- التي كشفت عنها التجربة- لا يتجرّد عن سببه ولا يستغني عن العلّة.

فالعلّية ناموس عام للوجود، بحكم التجارب العلمية. وافتراض وجود ليس له علّة، مناقض لهذا الناموس، ولأجل ذلك كان ضرباً من الاعتقاد بالصدفة التي لا متّسع لها في نظام الكون العام‏[1].

وقد حاولوا عن هذا الطريق أن يتّهموا الفلسفة الإلهية بأ نّها تؤمن بالصدفة؛ نظراً إلى اعتقادها بوجود مبدأ أوّل لم ينشأ من سبب ولم تتقدّمه علّة. فهذا الوجود المزعوم للإلهية، لمّا كان شاذّ اًعن مبدأ العلّية، فهو صدفة، وقد أثبت العلم أن لا صدفة في الوجود، فلا يمكن التسليم بوجود المبدأ الإلهي الذي تزعمه الفلسفة الميتافيزيقية.

وهكذا أخطأ هؤلاء مرّة اخرى حين أرادوا استكشاف سرّ الحاجة إلى العلّة، ومعرفة حدود العلّية، ومدى اتّساعها عن طريق التجارب العلمية، كما أخطأوا سابقاً في محاولة استنباط مبدأ العلّية بالذات وبصورة رئيسية من التجربة والاستقراء العلمي للكون؛ فإنّ التجارب العلمية لا تعمل إلّافي حقلها الخاصّ، وهو نطاق مادّي محدود، وقصارى ما تكشف عنه هو خضوع الأشياء في ذلك النطاق لمبدأ العلّية، فالانفجار، أو الغليان، أو الاحتراق، أو الحرارة، أو الحركة، وما إلى ذلك من ظواهرالطبيعة، لا توجد دون أسباب، وليس في الإمكانات العلمية للتجربة، التدليل على أنّ سرّ الحاجة إلى العلّة كامن في الوجود بصورة عامّة، فمن الجائز أن يكون السرّ ثابتاً في ألوان خاصّة من الوجود، وأن تكون الأشياء التي ظهرت في المجال التجريبي، من تلك الألوان الخاصّة.

فاعتبار التجربة دليلًا على أنّ الوجود بصورة عامة خاضع للعلل‏

 

[1] جبر واختيار، تقي آراني: 5

348

لماذا تحتاج الأشياء إلى علّة؟

نتناول الآن ناحية جديدة من مبدأ العلّية، وهي الإجابة عن السؤال التالي:
لماذا تحتاج الأشياء إلى أسباب وعلل، فلا توجد بدونها؟ وما هو السبب الحقيقي الذي يجعلها متوقّفة على تلك الأسباب والعلل؟ وهذا سؤال نواجهه بطبيعة الحال بعد أن آمنّا بمبدأ العلّية؛ فإنّ الأشياء التي نعاصرها في هذا الكون ما دامت خاضعة بصورة عامة لمبدأ العلّية، وموجودة طبقاً لقوانينها، فيجب أن نتساءل عن سرّ خضوعها لهذا المبدأ، فهل مردّ هذا الخضوع إلى ناحية ذاتية في تلك الأشياء، لا يمكنها أن تتحرّر عنها مطلقاً؟ أو إلى سبب خارجي جعلها بحاجة إلى علل وأسباب؟ وسواءٌ أصحّ هذا أم ذاك، فما هي حدود هذا السرّ الذي يرتكز عليه مبدأ العلّية؟ وهل يعمّ ألوان الوجود جميعاً أو لا؟
وقد حصلت هذه الأسئلة على أربع نظريات لمحاولة الإجابة عنها:

أ- نظرية الوجود:

وهي النظرية القائلة: إنّ الموجود يحتاج إلى علّة؛ لأجل وجوده. وهذه الحاجة ذاتية للوجود، فلا يمكن أن نتصوّر وجوداً متحرّراً من هذه الحاجة؛ لأنّ سبب الافتقار إلى العلّة سرّ كامن في صميمه. ويترتّب على ذلك: أنّ كلّ وجود معلول.
وقد أخذ بهذه النظرية بعض فلاسفة الماركسية، مستندين في تبريرها علمياً إلى التجارب التي دلّت- في مختلف ميادين الكون- على أنّ الوجود بشتّى ألوانه‏

347

لأ نّه يجد نفسه إزاء وقائع فيزيائية لا يستطيع قياسها بدون أن يدخل فيها اضطراباً غير قابل للقياس. وبذلك يختلف موقفه تجاه هذه الوقائع عن موقفه في تجارب فيزياء العين المجرّدة؛ لأنّه في تلك التجارب يستطيع أن يقوم بقياساته دون إجراء أيّ تعديل في الشي‏ء المقاس، وحتّى حينما يعدل فيه يكون هذا التعديل نفسه قابلًا للقياس. وأمّا في الميكروفيزياء، فقد تكون دقّة الأداة وقوّتها بنفسها سبباً في فشلها؛ إذ تُحدِث تغييراً في الموضوع الملاحظ، فلا يمكن أن يُدرَس بصورة موضوعية مستقلّة. ولذلك يقول (جان لويس ديتوش)- فيما يتعلّق بجُسيم من الجُسيمات-: فبدلًا أن تكون شدّة النور هي ذات الأهمية؛ إذ يصبح طول الموجة هو المهمّ. فكلّما أضأنا الجُسيم بموجة قصيرة- أي: بموجة ذات تواتر كبير- أصبحت حركته عرضة للاضطراب.
ومردّ السببين معاً إلى قصور وسائل التجربة والمشاهدة العلميّتين: إمّا عن ضبط الموضوع الملاحظ بجميع شروطه وظروفه المادّية، وإمّا عن قياس التأثير الذي توجده التجربة نفسها فيه قياساً دقيقاً. وكلّ هذا إنّما يقرّر عدم إمكان الاطّلاع على النظام الحتمي الذي يتحكّم في الجُسيمات وحركاتها مثلًا، وعدم إمكان التنبّؤ بمسلك هذه الجُسيمات تنبّؤاً مضبوطاً. ولا يبرهن ذلك على حرّيتها، ولا يبرّر إدخال اللاحتمية إلى مجال المادّة، وإسقاط قوانين العلّية من حساب الكون.

346

بالعلّية كنظام عام للكون فيها، لم يكن بدليل تجريبي بحت، وأنّ مبدأ العلّية مبدأ ضروري فوق التجربة، وإلّا لم يستقم علم طبيعي على الإطلاق. وإذا تبيّنا هذا، ووضعنا مبدأ العلّية في موضعه الطبيعي من تسلسل الفكر الإنساني، فسوف لا يزعزع به عدم تمكّننا من تطبيقه تجريبياً في بعض ميادين الطبيعة، والعجز عن استكشاف النظام الحتمي الكامل فيها بالأساليب العلمية؛ فإنّ كلّ ما جمعه العلماء من ملاحظات على ضوء تجاربهم الميكرو فيزيائية، لا يعني أنّ الدليل العلمي قد برهن على خطأ مبدأ العلّية وقوانينها في هذا المجال الدقيق من مجالات الطبيعة المتنوّعة.
ومن الواضح: أنّ عدم توفّر الإمكانيات العلمية والتجريبية لا يمسّ مبدأ العلّية في كثير أو قليل ما دام مبدأً ضرورياً فوق التجربة. ويوجد- عندئذٍ- لفشل التجارب العلمية في محاولة الظفر بأسرار النظام الحتمي للذرّة تفسيران:
الأوّل- نقصان الوسائل العلمية، وعدم توفّر الأدوات التجريبية التي تتيح للعالم الاطّلاع على جميع الشروط والظروف المادّية. فقد يعمل العالم بأداة واحدة على موضوع واحد عدّة مرّات، فيصل إلى نتائج مختلفة، لا لأنّ الموضوع الذي عمل عليه متحرّر من كلّ نظام حتمي، بل لأنّ الوسائل التجريبية الميسورة لم تكن كاملة إلى حدّ تكشف له عن الشروط المادّية الدقيقة التي اختلفت النتائج بسبب اختلافها. ومن الطبيعي: أن تكون وسائل التجربة في المجالات الذرّية ووقائعها، أبعد عن الكمال من الوسائل التجريبية التي تتّخذ في مجالات فيزيائية اخرى أقلّ خفاء وأكثر وضوحاً.
الثاني- تأثّر الموضوع- نظراً إلى دقّته وضآلته- بالمقاييس والأدوات العلمية تأثّراً دقيقاً لا يقبل القياس والدرس العلمي. فقد تبلغ الوسائل العلمية الذروة في الدقّة والكمال والعمق، ولكن العالم- مع ذلك- يواجه المشكلة نفسها؛

345

ومعنى ذلك: أ نّه لا يمكن فصل الشي‏ء الملاحظ في الميكروفيزياء عن الأداة العلمية التي يستعملها العالم لدرسه، كما لا يمكن فصله عن الملاحظ نفسه؛ إذ أنّ ملاحظين مختلفين يعملون بأداة واحدة على موضع واحد، سوف يصلون إلى مقاييس مختلفة. ومن هنا نشأت فكرة اللاحتمية التي تناقض بصفة مطلقة مبدأ العلّية، والقواعد الأساسية التي سارت عليها الفيزياء قبل ذلك. وجرت محاولات لاستبدال العلّية الحتمية بما يُسمّى (علاقات الارتياب)، أو (قوانين الاحتمال) التي نادى بها (هايزنبرغ)، مصرّاً على أنّ العلوم الطبيعية- كالعلوم الإنسانية- لا تستطيع أن تتنبّأ تنبّؤاً يقييناً حينما تنظر إلى العنصر البسيط، بل أنّ كلّ ما تستطيعه هو أن تصوغ احتمالًا من الاحتمالات.
والواقع: أنّ جميع هذه الشكوك والارتيابات العلمية التي أثارها العلماء في الميكروفيزياء، ترتكز على فهم خاصّ لمبدأ العلّية وقوانينها، لا يتّفق مع فهمنا وتحليلنا الفلسفي له. فنحن لا نريد أن نناقش هؤلاء العلماء في تجاربهم، أو ندعوهم إلى التغاضي عن مستكشفاتها والتخلّي عنها، ولا نرمي إلى التقليل من شأنها وخطرها، وإنّما نختلف عنهم في مفهومنا العام عن مبدأ العلّية، وعلى أساس هذا الاختلاف، تصبح كلّ المحاولات السابقة لدحض مبدأ العلّية وقوانينها، غير ذات معنى.
ومفصّل الحديث حول ذلك: أنّ (مبدأ العلّية) لو كان مبدأً علمياً قائماً على أساس التجارب والمشاهدات في حقل الفيزياء الاعتيادية، لكان رهن التجربة في ثبوته وعمومه، فإذا لم نظفر له بتطبيقات واضحة في ميادين الفيزياء الذرّية، ولم نستطع أن نستكشف لها نظاماً حتمياً قائماً على مبدأ العلّية وقوانينها، كان من حقّنا أن نشكّ في قيمة المبدأ بالذات، ومدى صحّته أو عمومه. غير أ نّا أوضحنا فيما سبق: أنّ تطبيق مبدأ العلّية على المجالات الاعتيادية للفيزياء، والاعتقاد

344
مبدأ العلّية و الميكرو فيزياء:

نستطيع على ضوء النتائج التي انتهينا إليها في مبدأ العلّية، أن ندحض تلك الحملات الشديدة التي شُنّت في الميكروفيزياء ضدّ قانون الحتمية، وبالتالي ضدّ مبدأ العلّية بالذات. فقد وجد في الفيزياء الذرّية الاتّجاه القائل: إنّ الضبط الحتمي الذي تؤكّد عليه العلّية وقوانينها، لا يصحّ في مستوى الميكروفيزياء. فقد يكون من الصحيح أنّ الأسباب ذاتها تولّد النتائج نفسها في مستوى الفيزياء المدرسية، أو فيزياء العين المجرّدة، وأنّ تأثير الأسباب الفاعلة في ظروف شخصية واحدة، لا بدّ له من أن ينتهي إلى محصّلة واحدة حتماً، بحيث نستطيع أن نتأكّد من طبيعة النتائج وحتميّتها بسبب دراسة الأسباب والشرائط الطبيعية … ولكن كلّ شي‏ء يبدو على غير هذا اللون إذا حاولنا أن نطبّق مبادئ العلّية على العالم الذرّي.

ولذلك أعلن (هايزنبرغ) العالم الفيزيائي أنّ من المستحيل علينا أن نقيس بصورة دقيقة كمّية الحركة التي يقوم بها جُسيم بسيط، وأن نحدّد- في الوقت عينه- موضعه في الموجة المرتبطة به، بحسب الميكانيكا الموجبة التي نادى بها (لويس دوبروغي). فكلّما كان مقياس موضعه دقيقاً، كان هذا المقياس عاملًا في تعديل كمّية الحركة، ومن ثمّة في تعديل سرعة الجُسيم بصورة لا يمكن التنبّؤ بها.

وكلّما كان مقياس كمّية الحركة دقيقاً، أصبح موضع الجُسيم غير محدّد[1]. فالوقائع الفيزيائية في المجال الذرّي، لا يستطاع قياسها بدون أن يدخل فيها اضطراباً غير قابل للقياس. ومهما تعمّقنا في تدقيق المقاييس العلمية، ابتعدنا أكثر عن الواقع الموضوعي لتلك الوقائع.

 

[1] هذه هي الديالكتيكية: 132

343

الميكانيكية إذا عجزت التجربة في بعض المجالات العلمية عن الكشف عمّا وراء الظاهرة من علل وأسباب؛ لأنّها لم تتمّ إلّاعلى أساس تجريبي، فإذا خانتها التجربة، ولم يبرهن عليها التطبيق العملي سقطت عن درجة الوثوق العلمي والاعتبار.
وأمّا على رأينا في العلّية القائل: إنّها مبدأ عقلي فوق التجربة، فالموقف يختلف كلّ الاختلاف من جوانب عديدة:
أوّلًا- أنّ العلّية لا تقتصر على الظواهر الطبيعية التي تبدو في التجربة، بل هي قانون عام للوجود في مجاله الأوسع الذي يضمّ الظواهر الطبيعية ونفس المادّة وما وراء المادّة من ألوان الوجود.
ثانياً- أنّ السبب الذي يحكم بوجوده مبدأ العلّية، ليس من الضروري أن يخضع للتجربة، أو أن يكون شيئاً مادّياً.
ثالثاً- أنّ عدم كشف التجربة عن وجود سبب معيّن لصيرورة ما أو لظاهرة ما، لا يعني فشل مبدأ العلّية؛ إذ أنّ هذا المبدأ لم يرتكز على التجربة ليتزعزع بسبب عدم توفّرها. فبالرغم من عجز التجربة عن استكشاف السبب، يبقى الوثوق الفلسفي بوجوده- طبقاً لمبدأ العلّية- قوياً، ويرجع فشل التجربة في الكشف عن السبب إلى أمرين: إمّا قصورها وعدم إحاطتها بالواقع المادّي، والملابسات الخاصّة للحادثة، وإمّا أنّ السبب المجهول خارج عن الحقل التجريبي، وموجود فوق عالم الطبيعة والمادّة.
وبما سبق يمكننا أن نميّز الفوارق الأساسية بين فكرتنا عن مبدأ العلّية، والفكرة الميكانيكية عنه. ونتبيّن أنّ الشكّ الذي اثير حول مبدأ العلّية، لم يكن إلّا نتيجة لتفسيره على أساس المفهوم الميكانيكي الناقص.

342

المشكلة، إنّما هو: مبدأ العلّية[1]، باعتباره دليلًا على تعميم الاستنتاج وشموله. فلو افترضنا أنّ مبدأ العلّية نفسه مرتكز على التجربة، فمن الضروري أن نواجه مشكلة العموم والشمول مرّة اخرى؛ نظراً إلى أنّ التجربة ليست مستوعِبة للكون، فكيف تعتبر دليلًا على نظرية عامّة؟! وقد كنّا نحلّ هذه المشكلة- حين نواجهها في مختلف النظريات العلمية- بالاستناد إلى مبدأ العلّية، بصفته الدليل الكافي على عموم النتيجة وشمولها. وأمّا إذا اعتبر نفس هذا المبدأ تجريبياً، وواجهنا المسألة فيه، فسوف نعجز نهائياً عن الجواب عليه. فلا بدّ- إذن- أن يكون مبدأ العلّية فوق التجربة، وقاعدة أساسية للاستنتاجات التجريبية عامّة.

ج- أنّ مبدأ العلّية لا يمكن الاستدلال على ردّه بأيّ لون من ألوان الاستدلال؛ لأنّ كلّ محاولة من هذا القبيل تنطوي ضمناً على الاعتراف به، فهو- إذن- ثابت بصورة متقدّمة على جميع الاستدلالات التي يقوم بها الإنسان.

وخلاصة هذه النتائج: أنّ مبدأ العلّية ليس مبدأً تجريبياً، وإنّما هو مبدأ عقلي ضروري.

وعلى هذا الضوء يمكننا أن نضع الحدّ الفاصل بين الميكانيكية والديناميكية، وبين مبدأ العلّية ومبدأ الحرّية؛ فإنّ التفسير الميكانيكي للعلّية كان يقوم على أساس اعتبارها مبدأً تجريبياً، فهي ليست في رأي الميكانيكية المادّية إلّارابطة مادّية، تقوم بين ظواهر مادّية في الحقل التجريبي، وتستكشف بالوسائل العلمية. ولأجل ذلك كان من الطبيعي أن تنهار العلّية

 

[1] بل الحلّ الوحيد لها- حسب ما انتهى إليه السيّد المؤلّف رحمه الله في كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء»- هو الإيمان بطريقة التوالد الذاتي للمعرفة، كما أشرنا إليه سابقاً.( لجنة التحقيق)

341

بعض الفلاسفة أو العلماء، يرتكز على مبدأ العلّية أيضاً؛ لأنّ هؤلاء الذين يحاولون إنكار هذا المبدأ، والاستناد في ذلك إلى دليل، لم يكونوا يقومون بهذه المحاولة لو لم يؤمنوا بأنّ الدليل الذي يستندون إليه، سبب كافٍ للعلم ببطلان مبدأ العلّية. وهذا بنفسه تطبيق حرفي لهذا المبدأ.

الميكانيكية والديناميكية:

يترتّب على ما سبق النتائج التالية:
أ- أنّ مبدأ العلّية لا يمكن إثباته والتدليل عليه بالحسّ؛ لأنّ الحسّ لا يكتسب صفة موضوعية إلّاعلى ضوء هذا المبدأ. فنحن نثبت الواقع الموضوعي لأحاسيسنا استناداً إلى مبدأ العلّية، فليس من المعقول أن يكون هذا المبدأ مديناً للحسّ في ثبوته، ومرتكزاً عليه، بل هو مبدأ عقلي يصدّق به الإنسان، بصورة مستغنية عن الحسّ الخارجي.
ب- أنّ مبدأ العلّية ليس نظرية علمية تجريبية، وإنّما هو: قانون فلسفي عقلي فوق التجربة؛ لأنّ جميع النظريات العلمية تتوقّف عليه. ويبدو هذا واضحاً كلّ الوضوح بعد أن عرفنا أنّ كلّ استنتاج علمي قائم على التجربة يواجه مشكلة العموم والشمول، وهي: أنّ التجربة التي يرتكز عليها الاستنتاج محدودة، فكيف تكون بمجرّدها دليلًا على نظرية عامّة؟! وعرفنا- أيضاً- أنّ الحلّ الوحيد لهذه‏