کتابخانه
568

أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلما عرفت من اختصاص الفقّاع بالمغليّ بنفسه، المساوق للإسكار.

ثمّ لو قيل بأنّ الفقّاع يشمل حقيقةً غير المسكر أيضاً فقد يتوهّم حينئذٍ إمكان إثبات نجاسته بالروايات المتقدّمة، التي تطبّق عنوان الخمر على الفقّاع، بدعوى التمسّك بإطلاقها للفقّاع غير المسكر أيضاً.

ولكن يندفع ذلك: بأنّ الخمر المطبّق في تلك الروايات على الفقّاع: إن كان بالمعنى الأعمّ- وهو طبيعيّ المسكر- فيلزم من شمول الفقّاع المطبّق عليه للمسكر وغيره الجمع بين التطبيق الحقيقيّ والتنزيل العنائيّ في حملٍ واحد؛ لأنّ حمل العنوان على المسكر من الفقّاع حقيقي، وعلى غيره عنائي، وهذا الجمع حتّى لو كان معقولًا لا يمكن إثباته بالإطلاق؛ لما فيه من العناية.

وإن كان الخمر المطبّق في تلك الروايات على الفقّاع بالمعنى الأخصّ- وهو المسكر العنبيّ- فالحمل عنائيّ على كلّ حال، حتّى بالنسبة إلى المسكر من الفقّاع، فلا يلزم من إطلاق الفقّاع للمسكر وغيره الجمع بين الحقيقة والعناية في حملٍ واحد.

غير أنّ العناية المقدّمة لحمل الخمر على المسكر من الفقّاع عناية عرفية، وهي مشابهة للخمر في أظهر الخصائص، وأمّا عناية حمل الخمر على غير المسكر فهي غير عرفية، وترجع إلى مجرّد الادّعاء والتنزيل التعبّدي، وحينئذٍ تكون عرفية العناية الاولى بنفسها مانعةً عن انعقاد الإطلاق بنحوٍ يشمل الفقّاع غير المسكر أيضاً.

وفي بعض الروايات‏[1] ما يدلّ على الحلّية والطهارة في فقّاعٍ غير مسكر.

 

[1] وسائل الشيعة 25: 381، الباب 39 من أبواب الأشربة المحرّمة

567

مسألة (4): ماء الشعير الذي يستعمله الأطبّاء في معالجاتهم ليس من الفقّاع (1)، فهو طاهر حلال.
————–
أنّ مفهومه يشمل المراتب الضعيفة من التأثير الموجودة في الفقّاع، أو علاج الشبهة الموضوعية بالكشف عن وجود الإسكار، ولا تستفاد منه نجاسة الفقّاع عندئذٍ؛ لأنّ النجاسة على هذا المبنى‏ ليست من أحكام طبيعيّ المسكر، ولا معيِّن للاحتمال الأوّل في مقابل الثاني، بل هناك ما يشهد للثاني ويعزّزه، فإنّ التعبير بأ نّه خمر مجهول يناسب التطبيق الحقيقي، لا العنائيّ الإنشائي. وكذلك التصغير في قوله: «خميرة» فإنّه لا يناسب التطبيق الإنشائي، ويناسب التطبيق الحقيقي.
وممّا يشهد أيضاً للتطبيق الحقيقي: التأكيد في مثل قوله: «هي الخمر بعينها» فإنّه يناسب القضية التي لها صدق وكذب، وكذلك التعبير باستصغار الناس لخمريّة الفقّاع، فإنّ التطبيق لو كان إنشائياً لا يعبّر عن شي‏ءٍ خارج نطاق الإنشاء، فما معنى فرض استصغار الناس له؟
وقد تلخصّ ممّا تقدّم: أنّ الفقّاع مسكر، ونجاسته تتوقّف على إثبات نجاسة كلّ مسكر.

[حكم ماء الشعير:]

(1) لأنّ الفقّاع ما اتّخذ من الشعير على وجهٍ مخصوص، كما عبّر الماتن في المسألة السابقة، فليس كلّ ماء شعيرٍ فقّاعاً. والظاهر أنّ ما يميّز الفقّاع عن ماء الشعير الطبّي: هو الغليان بنفسه المساوق لصيرورته مسكراً، وهذا هو الضابط، فإذا لم يكن ماء الشعير مسكراً فلا موجب للحكم بنجاسته، لا بلحاظ أدلّة نجاسة طبيعيّ المسكر، ولا بلحاظ الروايات الخاصّة المتقدّمة في الفقّاع.

566

ثوبك فاغسله»[1].

والرواية تامّة دلالةً بلحاظ الأمر بالغسل، إلّاأ نّها ساقطة سنداً بالإرسال.

الثالث: دليل الحكومة، وهو ما دلّ من الروايات على تطبيق عنوان الخمر على الفقّاع، فيستفاد منه إجراء تمام الأحكام بما فيها النجاسة، تمسّكاً بإطلاق التنزيل، فلاحظ روايات الوشّاء، وابن فضّال، وعمّار، ومحمّد بن سنان، والحسن بن الجهم، وزاذان‏[2].

وقد ورد في بعضها: «هي الخمر بعينها»، وفي بعضها: التعبير ب «الخميرة»، وفي بعضها: «هو خمر مجهول»، أو «خمرة استصغرها الناس»[3].

والتحقيق: أ نّا إذا بنينا على نجاسة كلّ مسكرٍ تعيّن القول بنجاسة الفقّاع باعتباره مسكراً، بلا حاجةٍ إلى التمسّك بإطلاق التنزيل في هذه الروايات؛ لأنّ الفقّاع مختصّ لغةً بالمغليّ بنفسه، وإنّما سمّي فقّاعاً لما يظهر عليه من الزبد والتفقّع، وهذا مسكر، فيكون نجساً بناءً على ذلك.

وإذا بنينا بلحاظ سائر الأدلّة على اختصاص النجاسة بالخمر بالمعنى الأخصّ فلا يمكن أن نثبت بهذه الروايات نجاسة الفقّاع؛ لأنّه بُني على أن يراد بالخمر فيها: الخمر بالمعنى الأخصّ، ويكون التطبيق على الفقّاع عنائياً من باب التنزيل، مع أ نّه يمكن أن يراد بالخمر: المعنى‏ الأعمّ وهو المسكر، ويكون التطبيق حقيقياً، والعناية في الكلمة لا في التطبيق.

والمقصود من الروايات عندئذٍ علاج الشبهة المفهومية للإسكار، بتوضيح:

 

[1] وسائل الشيعة 25: 361، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 8

[2] المصدر السابق: 360 و 361 و 362، الحديث 1 و 2 و 4 و 7 و 11 و 9

[3] راجع وسائل الشيعة 25: 365، الباب 28 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 1

565

العاشر: الفقّاع (1)، وهو شراب متّخذ من الشعير على وجهٍ مخصوص. ويقال: إنّ فيه سكراً خفيّاً.

وإذا كان متّخذاً من غير الشعير فلا حرمة ولا نجاسة إلّاإذا كان مسكراً.

————–

[الدليل على نجاسة الفقّاع:]

(1) المعروف بين فقهائنا: نجاسة الفقّاع، بل جعله نجساً بعنوانه في مقابل المسكر. وما يمكن أن يستدلّ به على ذلك أحد وجوه:

الأوّل: دعوى الإجماع، غير أ نّه تقدّم‏[1] أنّ هذه الدعوى لم تكن كافيةً لإثبات النجاسة في الخمر، فكيف بالفقّاع؟!

الثاني: ما دلّ على نجاسة الفقّاع بعنوانه، وهو رواية هشام بن الحكم: أ نّه سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الفقّاع؟ فقال: «لا تشربه فإنّه خمر مجهول، وإذا أصاب‏

 

[1] راجع الصفحة 405 وما بعدها

564

563

النجاسات 10

(العاشر) الفقّاع‏

الدليل على نجاسة الفقّاع.
حكم ماء الشعير.

562

والمرق مجموعه لا يصدق عليه العصير، وإنّما يصدق هذا العنوان- لو سلّم- على القطرات التي امتصّها الزبيب من المرق، وهي مستهلكة في مجموعه.
وإن كان موضوع الحرمة من قبيل ما ورد في بعض الروايات من عنوان ماءٍ وضع فيه الزبيب فطبخ فهو يصدق على المرق ويكون حراماً. وأمّا بناءً على النجاسة فيحرم مجموع المرق وينجس، ولا ينافي ذلك الاستهلاك المشار إليه؛ لأ نّه من استهلاك النجس بعد الملاقاة.

561

وأمّا التمر والزبيب وعصيرهما فالأقوى عدم حرمتهما أيضاً بالغليان، وإن كان الأحوط الاجتناب عنهما أكلًا (1)، بل من حيث النجاسة أيضاً.

مسألة (2): إذا صار العصير دبساً بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته (2) وإن كان لحلّيته وجه. وعلى هذا فإذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه فالأولى أن يصبّ عليه مقدار من الماء، فإذا ذهب ثلثاه حلّ بلا إشكال.

مسألة (3): يجوز أكل الزبيب والكشمش والتمر في الأمراق والطبيخ وإن غلت (3)، فيجوز أكلها بأيِّ كيفيةٍ كانت على الأقوى.

————–

(1) تقدّم تفصيل الكلام في ذلك في الجهتين الثانية والثالثة من المقام الأوّل‏[1] كما تقدّم‏[2] الكلام عن النجاسة في المقام الثاني، وقد اتّضح: أنّ ما في المتن من عدم الحرمة وعدم النجاسة هو الصحيح.

(2) وإن كان الظاهر عدم الحرمة، وقد مرّ تحقيق الكلام في ذلك في المسألة الخامسة من مسائل الجهة الاولى‏[3]، فلاحظ.

(3) أمّا بناءً على عدم حرمة العصير الزبيبيّ والتمريّ فواضح، وأمّا بناءً على الحرمة مع عدم الالتزام بالنجاسة: فإن كان موضوع الحرمة هو العصير الزبيبيّ فمن الواضح جواز الاستعمال في المقام؛ لأنّ نفس الزبيب ليس عصيراً،

 

[1] راجع الصفحة 519 و 551 وما بعدها

[2] راجع الصفحة 554

[3] راجع الصفحة 511

560

سواء غلى بالنار أو بنفسه (1)، وإذا ذهب ثلثاه صار حلالًا (2)، سواء كان بالنار، أو بالشمس، أو بالهواء (3)، بل الأقوى حرمته بمجرّد النَشيش وإن لم يصل إلى حدّ الغليان (4).

ولا فرق بين العصير ونفس العنب، فإذا غلى‏ نفس العنب من غير أن يُعصر كان حراماً (5).

————–

(1) تقدم‏[1] في الجهة الاولى من المقام الأوّل في التعليقة السابقة: أنّ المغليّ بنفسه- بقطع النظر عن الروايات الخاصة- حرام؛ لإسكاره.

وأمّا المغليّ بالنار فيتوقّف إثبات الحرمة له على تمامية دلالة الروايات الخاصّة، وقد فصّلنا الكلام في ذلك.

(2) تقدّم‏[2] الكلام عن ذلك في المسألة الاولى من مسائل الجهة الاولى في المقام الأوّل، واتّضح: أنّ المغليّ بالنار لا خلاف في أ نّه يحلّ بذهاب الثلثين، وأمّا المغليّ بغير النار ففي حلّيته بذلك خلاف، وقد مرّ بحث ذلك مفصّلًا هناك.

(3) هذه هي المسألة الثانية من مسائل الجهة الاولى المتقدّمة[3].

(4) تقدّم تحقيق ذلك في المسألة الثالثة من مسائل الجهة الاولى‏[4].

(5) هذه هي المسألة الرابعة من مسائل الجهة الاولى‏[5].

 

[1] راجع الصفحة 464

[2] راجع الصفحة 481

[3] راجع الصفحة 499

[4] راجع الصفحة 503

[5] راجع الصفحة 510