کتابخانه
550

ورواية أيّوب بن راشد.

الدليل الرابع: رواية أبي بصير، قال: «كان أبو عبد اللَّه عليه السلام تعجبه الزبيبة»[1]، فقد استدلّ الشهيد الثاني بها، وكذلك المقدّس الأردبيليّ على ما في الحدائق‏[2].

وتقريب الاستدلال: أنّ الزبيبة طعام يطبخ ويجعل فيه الزبيب، والغالب في مثل ذلك عدم ذهاب الثلثين.

ويرد عليه ما أفاده في الحدائق (3)، من: أ نّنا لا نعرف الزبيبة، فلعلّها ما يعمل بتلك الطريقة المبيّنة في موثّقة عمّار المتقدّمة، أو نحو ذلك. وأمّا انتزاع شهادةٍ من استدلال الشهيد والمقدّس بالرواية على نوع الزبيبة فهو في غير محلّه؛ لأنّ الاستدلال قد يكون مبنيّاً على تشخيصٍ اجتهاديٍّ لمعنى الزبيبة، فلا يكون من باب الشهادة.

الدليل الخامس: رواية إسحاق بن عمّار، قال: شكوت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام بعض الوجع، وقلت له: إنّ الطبيب وصف لي شراباً، آخذ الزبيب وأصبّ عليه الماء للواحد اثنين، ثمّ أصبّ عليه العسل، ثمّ أطبخه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث، قال: «أليس حلواً؟!» قلت: بلى، قال: «اشربه»، ولم اخبره كم العسل‏[3].

وقوله: «أليس حلواً؟!» كناية عن عدم التغيّر المؤدّي إلى الإسكار، فإن‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 62، الباب 27 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 1

[2] و( 3) الحدائق الناضرة 5: 155، وراجع مسالك الأفهام 12: 76، ومجمع الفائدة والبرهان 11: 205

[3] وسائل الشيعة 25: 291، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5

549

كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقال له الرجل: هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شي‏ءٍ هو؟ فقال: «أمّا أبي فكان يأمر الخادم فيجي‏ء بقدحٍ فيجعل فيه زبيباً … إلى آخره»[1].

فهذه الرواية- كما ترى- تؤيّد إطلاق كلمة «النبيذ» على الزبيبي، فإنّ فيها الحكم بحلّية النبيذ، وإنّ أبا مريم سأله عن النبيذ فأخبره أ نّه حلال، ولم ينصب- في حدود ما جاء في هذا الحديث- قرينةً على أنّ المقصود هو الزبيبي، أو ما يشمل الزبيبي، ومع ذلك تراه في آخر الحديث حينما يريد أن يصف النبيذ يصف المتّخذ من الزبيب. ومثلهما رواية صفوان الجمال المتقدّمة فلاحظ.

والذي يطالع مجموع الروايات يشرف على القطع ببطلان دعوى اختصاصٍ من هذا القبيل.

وثانيهما: أن يقال: إنّ دوران النزاع الفقهيّ والدينيّ الواسع النطاق في أوساط العامّة حول حرمة القليل من النبيذ المسكر يوجب انصراف الأسئلة الموجّهة إلى الأئمّة من الرواة عن النبيذ إلى الاستفهام عن هذه النقطة، فيكون السؤال عن النبيذ المسكر، ويكون الجواب تأكيداً على حرمة كلّ مسكر، ولا يكون للسائل نظر إلى النبيذ غير المسكر الذي لم يكن موضعاً للخلاف بين المخالفين.

ولكن يظهر بملاحظة الروايات بطلان دعوى الانصراف المذكور، ولهذا كان الإمام عليه السلام يجيب حينما يُسأل عن النبيذ بالحلّية، فلو كان السؤال ظاهراً في استعلام حال النبيذ المسكر لمَا أجاب عليه الإمام عليه السلام بذلك، فلاحظ رواية عبد الرحمان بن الحجّاج، ورواية حنان بن سدير، ورواية الكلبّي النسّابة،

 

[1] وسائل الشيعة 25: 352، الباب 22 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5

548

فالعصير الزبيبيّ سمّاه باسم النقيع، وإنّما أطلق النبيذ على العصير التمري.

وفيه: أنّ هذا لا يدلّ على أنّ كلمة «النبيذ» مخصوصة بالتمر، وإنّما هذا مجرّد اتّخاذ تعبيرٍ لكلّ قسم. نعم، لعلّه يدلّ على الأنسبية أو أكثرية الشيوع، وهذا لا يوجب الاختصاص.

وأمّا دعوى الحقيقة الشرعية أو المتشرّعية بنحوٍ تختصّ كلمة «النبيذ» حين تطلق في الروايات بالتمريّ ففيها: أ نّه يبعد هذا الاستقرار في بناء الشرع والمتشرّعة ما ورد في الروايات العديدة من إطلاق الكلمة فيها على الزبيبي، بل في أكثرها- كلمة «أكثرها» تكون لإخراج الرواية الاولى، فإنّها داخلة في ما قبل «بل» دون ما بعد «بل»- استعملت الكلمة في الزبيبيّ بلا قرينة، ثم يعلم صدفةً من ذيل الحديث أ نّه اريد به الزبيبيّ.

ففي رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: شكوت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام قراقر تصيبني في معدتي، وقلّة استمرائي الطعام، فقال لي: «لم لا تتّخذ نبيذاً نشربه نحن وهو يمرئ الطعام ويذهب بالقراقر والرياح من البطن؟»، قال: فقلت له: صفه لي جعلت فداك، قال: «تأخذ صاعاً من زبيبٍ فتنقيه من حبّه وما فيه …

إلى آخر الحديث»[1].

فقد اطلق في هذه الرواية «النبيذ» على المتّخذ من الزبيب.

وفي رواية حنان بن سدير، قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللَّه عليه السلام:

ما تقول في النبيذ، فإنّ أبا مريم يشربه ويزعم أنّك أمرته بشربه؟ فقال: «صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ فأخبرته أ نّه حلال، ولم يسألني عن المسكر»، ثمّ قال: «إنّ المسكر ما اتّقيت فيه أحداً سلطاناً ولا غيره، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

 

[1] وسائل الشيعة 25: 290، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 4

547

حيث الطبخ وعدمه، وهي: أنّ صفواناً لو كان يقول: ما تقول في النبيذ؟ فكان الإمام عليه السلام يقول: «كل مسكر حرام» لورد عليه ما مضى، من: أنّ النظر إلى النبيذ لا إلى الطبخ، لكنّه لم يقل هكذا، وإنّما أصبح بصدد ذكر الخصوصيّات في نبيذٍ خاصٍّ، فالإمام عليه السلام قال: لا داعي إلى ذلك.

والضابط العامّ هو الإسكار وعدمه، فالرواية واضحة في جعل مناط الحرمة الإسكار في طبيعيّ النبيذ، والرواية تامّة سنداً أيضاً. وأمّا موضوعها فالنبيذ مطلق يشمل الزبيبي، بل ذيل الرواية قرينة على تيقّن الزبيبي.

ومنها: رواية معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ رجلًا من بني عمّي- وهو من صلحاء مواليك- يأمرني أن أسألك عن النبيذ وأصفه لك، فقال: «أنا أصفه لك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: كل مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقلت: فقليل الحرام يحلّه كثير من الماء؟ فردّ بكفّه مرّتين: لا، لا[1].

وتقريب الاستدلال بها كالرواية السابقة، وسندها تامّ أيضاً، إلّاأنّ النبيذ في هذه الرواية يشمل الزبيبيّ بالإطلاق، لا بالصراحة، كالرواية السابقة.

بقي هنا إشكالان عامّان قد يوردان على كثيرٍ من الروايات:

أحدهما: أن يقال: إنّ الروايات التي موضوعها عنوان النبيذ بإطلاقه لا تشمل الزبيبي، بدعوى: أنّ النبيذ مخصوص بالتمري، مستشهداً لذلك بروايةٍ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: الخمر من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبِتْع من العسل، والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر»[2].

 

[1] المصدر السابق: الحديث 1

[2] وسائل الشيعة 25: 279، الباب 1 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 1

546

وليس في هذا الحديث نقطة ضعفٍ سنداً إلّامن حيث يزيد بن خليفة، الذي نصحِّحه برواية صفوان عنه.

والإنصاف: أ نّه لا بأس بدعوى أنّ هذه الرواية تجعل الضابط للحرمة هو الإسكار في طبيعيّ النبيذ، إذ الراوي لم يكن في مقام السؤال عن حكم النبيذ حتّى يقال: إنّه ظاهر في النظر إلى جانب النبيذ فقط، وإنّما كان في مقام نقل القصّة، ولم يبيِّن أ نّه كان مطبوخاً أو لا، فيتمّ الإطلاق بملاك ترك الاستفصال، والإمام عليه السلام صار في مقام الشفقة على الغلام وتنبيهه على الحرام الموجود في النبيذ، ولم يذكر إلّا المسكر، ولو كان المطبوخ أيضاً حراماً لنبّه عليه، والنبيذ- على ما سوف يأتي إن شاء اللَّه- يشمل التمريّ والزبيبي، فلا بأس بهذه الرواية سنداً ودلالةً.

ومنها: رواية صفوان الجمّال، قال: كنت مبتلىً بالنبيذ معجباً به، فقلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أصف لك النبيذ؟ فقال: «بل أنا أصفه لك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة، فقال: «ليس هكذا كانت السقاية، إنّما السقاية زمزم، أفتدري أوّل من غيّرها؟» قلت: لا، قال: «العباس بن عبدالمطلّب، كانت له حبلة، أفتدري ما الحبلة؟» قلت: لا، قال: «الكرم، فكان ينقع الزبيب غدوةً ويشربونه بالعشي، وينقعه بالعشيّ ويشربونه غدوة، يريد به أن يكسر غلظ الماء على الناس، وإنّ هؤلاء قد تعدّوا، فلا تقربه ولا تشربه»[1].

فقوله: «أنا أصفه لك … إلى آخره» معناه: أ نّه لا داعي إلى أن تصف لي النبيذ، وإنّما اعطيك القاعدة العامّة، وهي: إن كان كثيره مسكراً حرم كثيره وقليله، وإلّا فلا، وهذه الرواية فيها خصوصية تدعونا إلى القول بإطلاقها من‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 337، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 3

545

عليها، فاستأذنت على أبي عبد اللَّه عليه السلام، فدخلت عليه وسلّمت عليه، وتمكّنت من مجلسي، قال: فقلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّي رجل من بني الحارث بن كعب، وقد هداني اللَّه عزّوجلّ إلى محبّتكم ومودّتكم أهل البيت، قال: فقال لي: «وكيف اهتديت إلى مودّتنا أهل البيت؟ فواللَّه إنّ محبّتنا في بني الحارث بن كعب لقليل!».

قال: فقلت له: جعلت فداك، إنّ لي غلاماً خراسانياً وهو يعمل القصارة، وله (همشهريجون) أربعة، وهم يتداعون كلّ جمعةٍ لتقع الدعوة على رجلٍ منهم فيصيب غلامي كلّ خمسٍ جمعة، فيجعل لهم النبيذ واللحم، قال: ثم إذا فرغوا من الطعام واللحم جاء بإجانةٍ فملأها نبيذاً، ثمّ جاء بمطهّرةٍ فإذا ناول إنساناً منهم قال: لا تشرب حتّى تصليّ على محمدٍ وآل محمد، فاهتديت إلى مودّتكم بهذا الغلام، قال: فقال لي: «استوصِ به خيراً، واقرأه منّي السلام، وقل له: يقول لك جعفر بن محمد: انظر شرابك هذا الذي تشربه، فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام».

قال: فجئت إلى الكوفة، وأقرأت الغلام السلام من جعفر بن محمد عليه السلام، قال: فبكى، ثمّ قال لي: اهتمّ بي جعفر بن محمد عليه السلام حتّى يقرئني السلام؟ قال:

قلت: نعم، وقد قال لي: قل له انظر شرابك هذا الذي تشربه فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام، وقد أوصاني بك، فاذهب فأنت حرّ لوجه اللَّه تعالى، قال: فقال الغلام:

واللَّه إنّه لشراب ما يدخل جوفي ما بقيت في الدنيا[1].

 

[1] الكافي 6: 411، الحديث 16، وفيه: كلّ خمس جمع جمعة. ووسائل الشيعة 25: 340، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 9

544

إرادة خصوص غير المطبوخ، وأنّ النظر إلى مسألة طول الزمان، لا الطبخ.

ومنها: رواية عبد الرحمان بن الحجّاج، قال: استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبد اللَّه عليه السلام، فسأله عن النبيذ، فقال: «حلال»، فقال: أصلحك اللَّه، إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتّى يسكر، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام:

«قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: كلّ ما أسكر حرام … إلى آخر الحديث»[1].

وهذه الرواية أحسن من سوابقها، باعتبار أ نّه كان فيها قرينة على أنّ النظر منصبّ على غير المطبوخ، وأمّا في هذه الرواية فلا قرينة على ذلك، فيمكن دعوى الإطلاق.

إلّاأ نّه يمكن أن يقال في مناقشة الإطلاق: أ نّه عندنا عمليتان: النبيذ، الطبخ، وكلّ منهما يحتمل كونه منشأً للحرمة. وحينما يسأل عن النبيذ فالسؤال مرجعه إلى السؤال عن النبيذ بما هو نبيذ، أي: عن أنّ النبيذ هل يوجب الحرمة، أو لا؟ ولا ينظر إلى السؤال عن العملية الثانية، ولا أقلّ من إجمال العبارة.

ومنها: رواية كليب الأسدي، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن النبيذ، فقال:

«إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خطب الناس فقال: «أيّها الناس، ألا إنّ كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»[2]. وهذه الرواية كسابقتها.

وهناك قسم ثالث من الروايات، وهي مايكون فيها إطلاق من حيث الطبخ وعدمه، فتدلّ على أنّ مناط الحرمة هو الإسكار مطلقاً.

فمنها: رواية حنان بن سدير، عن يزيد بن خليفة- وهو رجل من بني الحارث بن كعب- قال: سمعته يقول: أتيت المدينة وزياد بن عبيداللَّه الحارثي‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 339، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 7

[2] المصدر السابق: 337، الحديث 2

543

ومنها: رواية الكلبيّ النسّابة، أ نّه سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن النبيذ، فقال:

«حلال». فقال: إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك، فقال: «شه شه تلك الخمرة المنتنة!» قلت: جعلت فداك، فأيّ نبيذٍ تعني؟ فقال: «إنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تغيّر الماء وفساد طبائعهم، فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كفٍّ من تمرٍ فيقذف (فيلقيه- خ ل) به في الشنّ، فمنه شربه ومنه طهوره»، فقلت: وكم كان عدد التمر الذي في الكفّ؟ قال:

«ما حمل الكفّ»، فقلت: واحدة أو اثنتين؟ فقال: «ربّما كانت واحدة، وربّما كانت اثنتين»، فقلت: وكم كان يسع الشنّ ماءً؟ فقال: «ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك»، فقلت: بأي الأرطال؟ فقال: «أرطال مكيال العراق»[1].

فالإمام عليه السلام يحكم أوّلًا بحلّية النبيذ، ثمّ يقول: إنّنا نضع فيه الخميرة، فيحكم بالحرمة لأنّه مسكر، فيستفاد أنّ المناط هو الإسكار، بناءً على أنّ النبيذ يشمل الزبيبي، لكن بقرينة ذيل الحديث يعرف أنّ النظر إلى غير المطبوخ.

ومنها: رواية أيّوب بن راشد، قال: سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن النبيذ، فقال: «لا بأس به»، فقال: إنّه يصنع (يوضع) فيه العكر، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «بئس الشراب، ولكن انتبذه غدوةً واشربه بالعشي»، فقلت:

هذا يفسد بطوننا، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحلّ لك»[2].

فهذه الرواية أيضاً بقرينة قوله: «أنبذه غدوةً واشربه في العشي» ظاهر في‏

 

[1] وسائل الشيعة 1: 203، الباب 2 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2

[2] وسائل الشيعة 25: 275، الباب 30 من أبواب الأشربة المباحة، الحديث 1

542

بأصرح بيانٍ أ نّه مطبوخ، ومع هذا يسأل النبيّ صلى الله عليه و آله هل يسكر أو لا؟ فهي كالصريح في حلّية المطبوخ غير المسكر، إلّاأ نّها في خصوص التمر في المقام. ثمّ إنّها ضعيفة سنداً بإبراهيم بن إسحاق.

وهناك روايات اخرى لا تختصّ بالمطبوخ، بل ليس لها إطلاق يستفاد منه شمول المطبوخ، فلا تفيد في مقام المعارضة مع موثّقة عمّار.

فمنها: رواية حنان بن سدير، قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللَّه عليه السلام ماتقول في النبيذ، فإنّ أبا مريم يشربه ويزعم أنّك أمرته بشربه؟ فقال: «صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ فأخبرته أ نّه حلال، ولم يسألني عن المسكر»، ثمّ قال: «إنّ المسكر ما اتّقيت فيه أحداً سلطاناً ولا غيره، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: كلّ مسكرٍ حرام، وماأسكر كثيره فقليله حرام». فقال له الرجل: هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شي‏ءٍ هو؟

فقال: «أمّا أبي فكان يأمر الخادم فيجي‏ء بقدحٍ فيجعل فيه زبيباً، ويغسله غسلًا نقيّاً ويجعله في إناء، ثم يصبّ عليه ثلاثة مثله أو أربعةً ماءً، ثمّ يجعله بالليل ويشربه بالنهار، ويجعله بالغداة ويشربه بالعشيّ، وكان يأمر الخادم بغسل الإناء في كلّ ثلاثة أيّامٍ لئلّا يغتلم، فإن كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ»[1].

فبقرينة ذيل الحديث المفسّر لما أراد من النبيذ نعرف أنّ النظر إلى النبيذ غير المطبوخ، فمناط الحرمة هو الإسكار في النبيذ غير المطبوخ، فلا تدلّ على المقصود من أنّ المناط في حرمة المطبوخ هو الإسكار، وإن كان صاحب الحدائق قدس سره ساق جميع الروايات مساقاً واحداً وجعلها دالّةً على المقصود من دون أن يشقق.

 

[1] وسائل الشيعة 25: 352، الباب 22 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5