کتابخانه
541

قبل أن تصير مسكراً»[1].

وكلمة «الصنع» وإن لم يكن معناها الطبخ لكنّ من أظهر أفرادها أو المتيقّن منها- مثلًا- الطبخ، ففي كلّ زمانٍ يوجد من يكون صانعاً للأشربة، وهو طبعاً يطبخ في أكثر الأحيان، وهذا الشخص منهم، فالرواية تقول: إنّ المطبوخ حلال ما لم يسكر. نعم، هي مطلقة من حيث الزبيبية، إلّاأنّ الرواية ساقطة سنداً بمولى جرير (حر- خ ل)؛ لأنّه مهمل في كتب الرجال ولم يثبت توثيقه.

الرواية الثالثة: ما عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن محمد بن جعفر، عن أبيه في حديث: أنّ وفد اليمن بعثوا وفداً لهم يسألون عن النبيذ، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

وما النبيذ صفوه لي؟ قال: يؤخذ التمر فينبذ في إناء، ثمّ يصبّ عليه الماء حتى يمتلئ، ثمّ يوقد تحته حتّى ينطبخ، فإذا انطبخ أخرجوه فألقوه في إناءٍ آخر، ثمّ صبّوا عليه ماءً، ثمّ مُرِس، ثمّ صَفّوه بثوب، ثمّ القي في إناء، ثم صُبّ عليه من عكر ما كان قبله، ثمّ هدر وغلى، ثم سكن على عكره.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «يا هذا، قد أكثرت عليَّ أفيسكر؟ قال: نعم، فقال:

«كلّ مسكرٍ حرام». فرجع القوم فقالوا: يارسول اللَّه، إنّ أرضنا أرض دوية، ونحن قوم نعمل الزرع ولا نقوى على ذلك العمل إلّابالنبيذ، فقال: «صفوه لي»، فوصفوه كما وصفه أصحابهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «فيُسكر؟»، قالوا: نعم، قال:

«كلّ مسكرٍ حرام، وحقّ على اللَّه أن يسقي كلّ شارب مسكرٍ من طينة خبال، أتدرون ما طينة خبال؟» قالوا: لا، قال: «صديد أهل النار»[2].

وهذه أحسن الروايات من حيث وضوحها في المطبوخ، فالسائل يبيّن‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 381، الباب 38 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 3

[2] وسائل الشيعة 25: 355، الباب 24 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 6

540

والمسؤول مضمر، لكنّه الإمام عليه السلام بقرينةٍ عامّةٍ ذكرناها في موارد منها في الاصول في بحث الاستصحاب‏[1].

فيقال: إنّ قوله: «كلّ مسكرٍ حرام» يكون بصدد إعطاء الضابط، فيكون له ظهور في الحصر، وهو بالطبخ ينضج ويكون متهيّئاً للسكر، فذكر الإمام عليه السلام أوّلًا النهي، ثمّ أعطى الضابط وهو السكر، فقبل السكر ليس حراماً.

وأمّا سند الرواية ففيه عثمان بن عيسى، وفي وثاقته كلام، إلّاأنّ المختار اعتباره.

والوجه في اختصاص هذه الرواية بما بعد الطبخ: هو قوله في السؤال:

«يطبخان للنبيذ»، وهي- على تقدير تمامية دلالتها- تكون صريحةً في النبيذ الزبيبي.

إلّاأنّ هذه النسخة بهذا الشكل الذي ذكرناه جاءت في الحدائق‏[2]، ولا أدري هل كلّ نسخ الحدائق هكذا، أو لا؟ إلّاأ نّه في الوسائل لا توجد جملة «يطبخان للنبيذ»، وإنّما يوجد بدلًا عنها: «يخلطان للنبيذ»، وقد وردت نواهي عديدة عن النبيذ المخلوط، والنبيذ المخلوط على ما ذكره بعض علماء السنّة يكون أكثر سكراً، وهذه النواهي تكفي لاسترعاء الانتباه إلى المخلوط بالخصوص والسؤال عنه.

الرواية الثانية: رواية يونس بن عبد الرحمان، عن مولى جرير بن يزيد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام، فقلت له: إنّي أصنع الأشربة من العسل وغيره، فإنّهم يكلّفوني صنعتها، فأصنعها لهم؟ فقال: «اصنعها وادفعها إليهم، وهي حلال من‏

 

[1] بحوث في علم الاصول 6: 68

[2] الحدائق الناضرة 5: 134

539

المطبوخ غير المسكر، سواء كان زبيبياً أو تمرياً، فأيضاً نسبتها إلى موثّقة عمّار عموم من وجه، فمادّة الاجتماع هي النبيذ الزبيبيّ المطبوخ غير المسكر، ومادّة الافتراق لدليل الحلّية هي النبيذ التمريّ المطبوخ بلا إسكار، ولدليل الحرمة هي الزبيبيّ المطبوخ المسكر.

لكن إذا ضممنا إلى موثّقة عمّار روايةً اخرى دلالتها كالموثّقة- إلّاأنها في التمر- تبيّن الفرق بين هذا التقدير والتقدير الأوّل؛ لأنّ رواية الحلّ حينئذٍ تصبح أخصّ من مجموع روايتي الحرمة، فلا يمكن تقديم مجموعهما عليها، وإلّا كان معناه إلغاء عنوان الإسكار الذي جعل في رواية الحلّ هو المناط للحرمة، فتتقدّم رواية الحلّ على مجموعهما، ويقع التعارض بينهما على ما هي القاعدة العامّة في أخصّية دليلٍ من مجموع دليلين.

وأمّا على التقدير الثالث فالمفروض أنّ الرواية تدلّ على حلّية النبيذ الزبيبيّ غير المسكر، سواء كان مطبوخاً أو لا، والنسبة بينها وبين موثّقة عمّار عموم من وجه، فمادّة الاجتماع هي الزبيبيّ المطبوخ غير المسكر، ومادّتا الافتراق هما الزبيبيّ غير المسكر قبل الطبخ، والزبيبيّ المطبوخ المسكر.

والآن بعد ما عرفنا صناعة المطلب نشرع في ذكر الروايات، ونبدأ بالقسم الذي يمكن دعوى أنّ الملحوظ فيه خصوص المطبوخ.

فنقول: إنّ هنا ثلاث رواياتٍ يمكن أن يتوهّم دخولها في هذا العنوان:

الرواية الاولى: رواية سماعة، قال: سألته عن التمر والزبيب يطبخان للنبيذ؟ فقال: «لا»، وقال: «كلّ مسكرٍ حرام»، وقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «كلّ ما أسكر كثيره فقليله حرام»، وقال: «لا يصلح في النبيذ الخميرة (وهي العكرة)»[1].

 

[1] وسائل الشيعة 25: 338، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 5

538

الرابع: أن تكون واردةً في خصوص الزبيب، وفي ما بعد الطبخ.
وهذه الروايات على أيّ تقديرٍ من هذه التقادير الأربعة تنفع في المقام مقابل موثّقة عمّار، لكنّه على اختلاف الدرجات، فأحسن هذه التقادير الرابع، فإنّ الرواية تصبح أخصّ مطلقاً من موثقّة عمّار، وتقيّدها بصورة الإسكار، فإنّ موثّقة عمّار تدلّ على حرمة العصير الزبيبيّ المطبوخ مطلقاً، وهذه الرواية المعارضة تدلّ- حسب الفرض- على حلّية العصير الزبيبيّ المطبوخ إذا لم يكن مسكراً.
وأمّا على التقادير الثلاثة الاخرى فتعارض الرواية مع موثّقة عمّار بالعموم من وجه:
أمّا التقدير الأوّل فالمفروض أنّ هذه الرواية تدلّ على حلّية النبيذ غير المسكر، سواء كان زبيبياً أو تمرياً، وسواء كان مطبوخاً أو غير مطبوخ، وموثّقة عمّار تدلّ على حرمة النبيذ الزبيبيّ المطبوخ، سواء كان مسكراً أو لا، فمادّة الاجتماع هي النبيذ الزبيبيّ المطبوخ غير المسكر، ومادّة الافتراق التي يشملها دليل الحلّية هو النبيذ غير المسكر الذي يكون تمرياً، أو يكون غير مطبوخ، ومادة الافتراق التي يشملها دليل الحرمة هو النبيذ الزبيبيّ المطبوخ المسكر.
وإذا ضممنا إلى موثّقة عمّار روايةً اخرى يفرض دلالتها على الحرمة- كموثّقة عمّار، إلّاأ نّها في التمر لا في الزبيب- كانت نسبة رواية الحِلّ إلى مجموع روايتي التحريم العموم من وجهٍ أيضاً، إلّاأن مادّة الاجتماع حينئذٍ عنوان النبيذ المطبوخ غير المسكر، زبيباً كان أو تمراً، ومادة الافتراق التي يشملها دليل الحلّية هي النبيذ قبل الطبخ غير المسكر، ومادة الافتراق التي يشملها دليل الحرمة هي النبيذ المطبوخ المسكر.
وأمّا على التقدير الثاني فالمفروض أنّ الرواية تدلّ على حلّية النبيذ

537

والرجوع إلى ما اشير إليه في الدليل الأوّل من عمومات الحلّ.
الدليل الثالث: ما دلّ من الروايات على أنّ مناط التحريم في النبيذ هو الإسكار، وهذا يدلّ بظهوره على أ نّه بلا إسكارٍ لا يوجد تحريم، فيقع طرفاً للمعارضة مع موثّقة عمّار التي دلّت- حسب الفرض- على حرمة العصير الزبيبيّ المطبوخ، سواء أسكر أو لا، وهذه الروايات بعضها ورد في العصير التمري، وهذا لا ينفعنا، إذ كلامنا في العصير الزبيبي، وبعضها ورد في العصير الزبيبيّ، أو مطلق يشمل الزبيبيّ والتمريّ معاً.
كما أنّ الذي ينفعنا في المقام لإيقاع المعارضة بينه وبين موثّقة عمّار إنّما هو ما ورد في العصير المطبوخ، أو على الأقلّ يشمل بإطلاقه المطبوخ. وأمّا ما يختصّ بما قبل الطبخ فليس له أيّ تعارضٍ مع موثّقة عمّار.
وقبل الشروع في ذكر هذه الروايات نذكر صناعة المطلب على التقادير المتصوّرة في الروايات، ثمّ نشرع في التكلّم في كلّ واحدةٍ من تلك الروايات؛ لنرى أ نّها داخلة في أيّ تقديرٍ من تلك التقادير، وهي تقادير ستّة: اثنان منها لا يفيدانا في مقام إيقاع المعارضة بينها وبين موثّقة عمّار، وهما- كما ظهر ممّا قلناه- عبارة عن تقدير كون الرواية مخصوصةً بالعصير التمري، وتقدير كونها مخصوصةً بما قبل الطبخ. وأربعة منها تفيدنا:
التقدير الأوّل: أن تكون الرواية الدالّة على أنّ المناط في التحريم هو الإسكار مطلقةً من حيث كون النبيذ زبيبياً أو تمريّاً، ومن حيث ما قبل الطبخ وما بعد الطبخ.
الثاني: أن تكون مطلقةً من حيث الزبيبية والتمرية، ومختصّةً بما بعد الطبخ.
الثالث: أن تكون بعكس الثاني، أي: مطلقةً من حيث الطبخ وعدمه، ومختصّة بالزبيب.

536

عنه … الحديث»[1]، بناءً على أن يكون هذا في مقام البيان من هذه الناحية، فيدلّ على حلّية ما عدا ذلك.

الثاني: ما دلّ على حصر الحرام من الشراب بالمسكر، من قبيل رواية تحف العقول التي جاء فيها: «وما يجوز من الأشربة من جميع صنوفها فما لم يغيّر العقل كثيره فلا بأس بشربه»[2].

وهناك روايات بمضمون: «حرَّم اللَّه الخمر بعينها، وحرّم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الأشربة كلّ مسكر»، من قبيل رواية الفضيل‏[3]، وسبق‏[4] الكلام في أ نّه هل يستفاد منها الحصر، أوْ لا؟

الثالث: ما دلّ على تحليل الطيّبات، وهو الآية الشريفة[5]، إذ الطيّبات لا تشمل المسكر بحسب الارتكاز المتشرّعي.

فهذه الأدلّة تعارض بالعموم من وجهٍ مع ما دلّ على حرمة العصير الزبيبي، إذا كان قابلًا للتقييد بغير المسكر، من قبيل موثّقة عمّار، فإنّ هذه الأدلّة تدلّ على حلّية ما عدا المسكر، سواء كان‏عصيراً زبيبياً أو لم يكن، وذاك يدلّ على حرمةالعصير الزبيبي، سواء كان مسكراً أو لا، وبعد التعارض يبنى على الحلّية:

إمّا لترجيح جانب أدلّة الحلّ؛ لأنّ بعضها من الكتاب الكريم، وإمّا للتساقط

 

[1] وسائل الشيعة 25: 9، الباب 1 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 1

[2] تحف العقول: 252. وسائل الشيعة 25: 85، الباب 42 من أبواب الأطعمة المباحة، ذيل الحديث 1

[3] وسائل الشيعة 25: 326، الباب 15 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 6

[4] سبق في الصفحة 472 و 473

[5] الأعراف: 157

535

وأمّا ما يكون بلسان أنّ العصير الزبيبيّ إذا غلى‏ يحرم من قبيل رواية زيد النرسي، فلا يمكن عرفاً تقييده بخصوص حالة الإسكار؛ لأنّ المستفاد من كون الحرمة لعنوان العصير الزبيبيّ المغليّ وتقييده بالإسكار يرجع إلى إلغاء هذا العنوان، والرجوع إلى عنوانٍ آخر، وهو المسكر الذي هو حرام، سواء كان زبيباً مغليّاً، أو لا. إذا عرفت ذلك فلنشرع في أدلّة حلّية العصير الزبيبي، وهي ستة:

الدليل الأوّل: عمومات الحلّ من قبيل آية: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً»[1]، فإنّها تدلّ على حلّية كلّ شي‏ءٍ للإنسان إلّاما خرج بالدليل.

وهذا الدليل وإن كان تامّاً في نفسه لكنّه لا يقاوم شيئاً من أدلّة الحرمة لو تمّت، عدا الاستصحاب فيقدّم عليه، بناءً على ما هو الصحيح من تقدّم العامّ عند دوران الأمر بين عموم العامّ واستصحاب حكم المخصّص، وأمّا الأدلّة الاخرى فتقدّم عليه لو تمّت؛ لكونها أخصّ منه.

الدليل الثاني: الأدلّة الاجتهادية للحلّ التي موضوعها غير المسكر، وهذا هو فرقه عن الأوّل، إذ الأوّل يشمل المسكر، وأنواعه ثلاثة:

الأوّل: ما دلّ كتاباً وسنّةً على حصر الحرام من الطعام بالميتة والدم والخمر والمسكر ونحو ذلك، من قبيل رواية محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: لمَ حرّم اللَّه الخمر والميتة ولحم الخنزير والدم؟

فقال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده، وأحلّ لهم ما وراء ذلك من رغبةٍ في ما أحلّ لهم، ولا زهد في ما حرّمه عليهم، ولكنّه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم، وما يصلحهم، فأحلَّه لهم وأباحه لهم، وعلم ما يضرّهم فنهاهم‏

 

[1] البقرة: 29

534

قويّ ذكره عدّة من الفقهاء[1]، وهو: أ نّه يشترط في الاستصحاب وحدة الموضوع، تنجيزياً كان أو تعليقياً، والموضوع هنا ليس واحداً، لا بدعوى أنّ الزبيب والعنب اثنان عرفاً، وأ نّه كصيرورة الكلب مِلحاً، فإنّه بالإمكان أن يقال:

إنّ صيرورة العنب زبيباً إنّما هو عبارة عن جفافه، وجفاف الشي‏ء المرطوب لا يوجب عرفاً صيرورته موضوعاً جديداً مغايراً للأول، بل بلحاظ أنّ العصير في القضية المتيقّنة اريد به الماء الأصليّ للعنب، وفي القضية المشكوكة اريد به ماءٌ خارجي ممزوج معه، فقد تعدّد الموضوع، فلا يجري الاستصحاب.

هذا تمام الكلام في أدلّة حرمة العصير الزبيبيّ إذا غلى‏ ولم يكن مسكراً، وقد اتّضح عدم تمامية شي‏ءٍ منها.

وهناك أدلّة على عدم حرمة العصير الزبيبيّ في مقابل أدلّة الحرمة، ننظر فيها لكي نرى هل يتمّ شي‏ء منها أو لا؟ وتظهر فائدتها على تقدير البناء على تمامية بعض الأدلّة السابقة على الحرمة، فيعارض بما دلّ على الحلّية، فقد يتوصّل إلى تقييد دليل الحرمة بصورة الإسكار مثلًا.

وقبل الخوض في أدلّة عدم الحرمة نذكر نكتة، وهي: أنّ ما يعقل من أدلّة الحرمة تقييده بصورة الإسكار بمقتضى أدلّة الحلّية إنّما هو ما يكون من قبيل رواية عمّار الساباطي: سُئِل عن الزبيب كيف يحلّ طبخه حتّى يشرب حلالًا …

إلى آخره‏[2]. وقد جاء في الجواب قيد ذهاب الثلثين، بناءً على استفادة الحصر من ذلك، فتدلّ بمفهوم الحصر على الحرمة قبل ذهاب الثلثين، وهذا مطلق يشمل فرض الإسكار وعدمه، فيمكن تقييده بفرض الإسكار.

 

[1] راجع فرائد الاصول 3: 223، وفوائد الاصول 4: 458، ومصباح الاصول 3: 137

[2] وسائل الشيعة 25: 290، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 3

533

لا الحرمة بالغليان ولو لم يسكر.

وأمّا الجواب: فإن كان الإمام عليه السلام في مقام حصر الطريقة المحلّلة دلّ على أنّ المحلّل منحصر في إذهاب الثلثين، ولا يكفي التعجيل بالشرب قبل أن يتخمّر، ولكن لم يثبت كونه عليه السلام بصدد الحصر، فلعلّه بصدد بيان مصداقٍ حلالٍ لا محذور فيه، ولو كان بصدد الحصر للزم انتفاء الحلّ بانتفاء أيّ قيدٍ من هذه القيود الكثيرة المذكورة في الكلام، في حين أ نّه ليس كذلك حتماً.

الوجه السادس: التمسّك بإطلاق الشراب في بعض الروايات، من قبيل رواية عمّار في حديث: أ نّه سُئِل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: «إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً (مأموناً) فلا بأس بأن يشرب»[1].

وهذا من أسخف الاستدلالات، وهو أسخف من الاستدلال بإطلاق العصير، فإنّه يرد عليه كلّ ما ورد هناك، مضافاً إلى أ نّه ليس بصدد بيان حرمة الشراب، وإنّما هو- بعد الفراغ عن حرمة الشراب- بصدد بيان الوظيفة الظاهرية عند الشكّ في ذهاب الثلثين من ذلك الشراب المحرّم في نفسه.

الوجه السابع: هو التمسّك بالاستصحاب التعليقي، بأن يقال: إنّ هذا حيثما كان عنباً كان عصيره يحرم بالغليان فكذلك الآن.

والبحث عن كبرى الاستصحاب التعليقيّ في محلّه في الاصول‏[2]، وبيّنّا هناك جريانه في أمثال هذه الموارد على تفصيلٍ لا يسعه المقام هنا.

والحاصل: أنّ الكبرى عندنا تامّة، وإنّما الكلام في الصغرى، فهنا إشكال‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 294، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 6

[2] بحوث في علم الاصول 6: 293- 294