کتابخانه
147

الماء للشي‏ء المشهود بنجاسته سابقاً، فإنّ أركان الاستصحاب في عدم الإصابة ثابتة وجداناً، والحكم بالنجاسة فعلًا مترتّب شرعاً على موضوعٍ مركّبٍ من جزءين: أحدهما حدوث الملاقاة للنجس، والآخر عدم طروّ المطهّر، والأوّل يثبت بالبيّنة، والثاني بالاستصحاب.

وثانياً: بالتمسّك باستصحاب النجاسة الظاهرية المجعولة على طبق البيّنة، بناءً على أنّ مفاد دليل الحجّية جعل الحكم المماثل، فإنّ هذه النجاسة الظاهرية معلومة الحدوث وجداناً، وليست مقطوعة الارتفاع؛ لأنّ الحكم الظاهريّ يجعل بمقدارٍ مطابقٍ مع مقدار الحكم الواقعيّ المؤدّى‏ والمحكيّ بالأمارة، والبيّنة في المقام تحكي عن حدوث نجاسةٍ مستمرّةٍ إلى حين طروّ المطهّر، فالمجعول على طبقها نجاسة ظاهرية كذلك، فاذا شكّ في طروّ المطهّر فقد شكّ في بقاء تلك النجاسة المجعولة على طبق البيّنة، فيجري استصحابها.

وثالثاً: بإنكار موضوعية اليقين بالحدوث للاستصحاب، واستظهار كفاية نفس الحدوث في جريانه، على ما يظهر من التعليل في معتبرة عبد اللَّه بن سنان‏[1]. وتفصيل ذلك موكول إلى بحث الاستصحاب.

وأمّا الصورة الثالثة[2] فينبغي أن يفصّل فيها بين أن يكون الاختلاف في الزمان ناشئاً من تعدّد الواقعة المشهود بها، أو من الاختلاف في استذكار زمانها مع الاتّفاق على واقعةٍ واحدة.

ففي الحالة الاولى لا تثبت البيّنة على ما تقدّم، وفي الحالة الثانية تثبت بالبيّنة الواقعة الحسّية المدّعاة لكلا الشاهدين؛ لأنّ التعارض إنّما هو في استذكار

 

[1] وسائل الشيعة 3: 521، الباب 74 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

[2] وهي صورة شهادة أحد الشاهدين بالنجاسة فعلًا، والآخر بالنجاسة سابقاً.

146

مسألة (8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‏ء فعلًا والآخر بنجاسته سابقاً مع الجهل بحاله فعلًا فالظاهر وجوب الاجتناب، وكذا إذا شهدا معاً بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب (1).

————-

(1) وتوضيح الحال في ذلك بناءً على اختصاص الحجّية بالبينة: أنّ الشاهدين: تارةً يشهدان بالنجاسة في الزمان الفعلي، واخرى بالنجاسة في وقتٍ معيّنٍ سابق، وثالثةً يشهد أحدهما بالنجاسة فعلًا والآخر بالنجاسة سابقاً.

ولا إشكال في الصورة الاولى. وأمّا الصورة الثانية فلا إشكال في ثبوت النجاسة السابقة بالبينة، وحينئذٍ: فإن كان عدم طروّ المطهّر معلوماً ثبتت النجاسة الفعلية بها؛ لكونه مدلولًا التزاماً. وإن كان مشكوكاً جرى الاستصحاب.

وقد يستشكل بأنّ النجاسة الواقعية غير متيقّنة الحدوث لتستصحب، والنجاسة الظاهرية المجعولة بلسان الأمر بتصديق البيّنة غير محتملة البقاء؛ لعدم نظر البيّنة إلى نفي المطهّر.

ويجاب من قبل مدرسة المحقّق النائيني قدس سره‏[1] عادةً: بأنّ الأمارة تقوم مقام العلم بالحدوث، فيجري استصحاب النجاسة الواقعية بهذا اللحاظ، حيث إنّ المجعول في دليل حجّية الأمارة الطريقية والكاشفية.

والتحقيق: أنّ دفع الاستشكال المذكور لا يتوقّف على الالتزام بهذا المبنى‏، بل يمكن دفعه بقطع النظر عن المبنى‏ المذكور من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي؛ وذلك:

أوّلًا: بالتمسّك بالاستصحاب الموضوعي، وهو استصحاب عدم إصابة

 

[1] فوائد الاصول 3: 108 و 123.

145

على واقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ بأن ادّعيا معاً أ نّهما أبصرا قطرة دمٍ واحدةٍ بعينها، غير أنّ أحدهما يخبر بأ نّها وقعت في المعيّن، والآخر لم يستطع أن يميّز موضع وقوعها من الإناءين فالظاهر حجّية هذه البيّنة في إثبات تلك الواقعة الحسّية، وبهذا يثبت لدينا وقوع قطرة دمٍ في أحد الإناءين، ولا يثبت وقوعها في المعيّن خاصّة؛ لعدم قيام البيّنة على ذلك، بناءً على اختصاص الحجّية بالبيّنة كما هو مفروض المسألة، فيجب الاجتناب عن كلا الإناءين.
ودعوى: أنّ النجاسة بمقدار الجامع مدلول تحليليّ لا استقلاليّ للشاهد بالتفصيل، فلا تثبت بشهادته مدفوعة: بأنّ الميزان في الاستقلالية والتحليلية ليس هو عالم التعبير واللفظ، بل عالم الشهادة والإحساس، فاذا فرضنا الاستقلالية بلحاظ عالم الشهود كفى ذلك وإن كان لفظ الشاهد دالّاً عليه بالتضمّن والتحليل، والمفروض في المقام أنّ الشاهد بالتفصيل يعبّر بشهادته عن واقعتين حسّيتين اتجاه القطرة نحو الإناءين، ووقوعها في هذا المعيّن، وأنّ الآخر يشهد بإحداهما دون الاخرى، فيثبت ما اتّفقا عليه من واقعة.
وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك بأن كانت الواقعة مختلفةً، أو احتمل اختلافها فلا يجب الاجتناب عن شي‏ءٍ منهما، ولا تجري مع احتمال الاختلاف أصالة وحدة الواقعة؛ لأنّ المتيقّن من موردها ما إذا احرز كون المحلّ واحداً، ولم يكن في نفس كلام الشاهدين ما يوجب احتمال التعدّد.
هذا كلّه بناءً على انحصار الحجّية بالبينة. وأمّا لو قيل بحجّية خبر الواحد أيضاً فلا إشكال في ثبوت نجاسة المعيّن لشهادة أحدهما بذلك تعييناً، وأمّا الآخر فلا يجب الاجتناب عنه، إلّاإذا شكّلت الشهادة الإجمالية الاخرى علماً إجمالياً تعبّدياً غير منحلٍّ حكماً بلحاظ تلك الشهادة التفصيلية وفق قواعد الانحلال في باب العلم الإجمالي.

144

وأمّا لو شهد أحدهما بالإجمال والآخر بالتعيين، كما إذا قال أحدهما: «أحد هذين نجس» وقال الآخر: «هذا معيّناً نجس» ففي المسألة وجوه: وجوب الاجتناب عنهما، ووجوبه عن المعيَّن فقط، وعدم الوجوب أصلًا (1).

————-

(1) أمّا وجوب الاجتناب عن المعيَّن فقط فبدعوى: أنّ المعيَّن قامت البيّنة على وجوب الاجتناب عنه، فإنّ أحد الشاهدين شهد بنجاسته، والآخر شهد بنجاسة أحدهما، وهذا يستتبع وجوب الاجتناب عنهما معاً، فوجوب الاجتناب عن المعيَّن متّفق عليه بين الشاهدين، بخلاف الآخر.

ويرد عليه: أنّ وجوب الاجتناب الواقعيّ عن المعيَّن لا تستدعيه شهادة الشاهد بالإجمال أصلًا، ووجوب الاجتناب العقليّ بملاك المنجّزية عنه فرع تمامية البيّنة وقيامها على الوجوب الواقعي، فلا يمكن أن يكون مدلولًا لها ومحكيّاً بها.

وأمّا وجوب الاجتناب عنهما معاً فلأنّ الجامع مشهود به لأحدهما استقلالًا، وللآخر ضمناً، فتثبت النجاسة بمقدار الجامع، فيجب الاجتناب عن كلا الطرفين بمقتضى قوانين العلم الإجمالي.

وقد اعترض عليه السيّد الاستاذ[1]– دام ظلّه-: بأنّ الشاهد بالتفصيل شهادته على الجامع ضمنية تحليلية، وهي لا تكون معتبرةً بعد سقوط اعتبارها في المدلول المطابقي، ومنه يتّضح وجه القول بعدم وجوب الاجتناب عنهما معاً.

غير أنّ الصحيح هو التفصيل في المقام؛ ذلك لأنّ الشاهدين: إن كانا متّفقين‏

 

[1] التنقيح 2: 186- 187.

143

وإن اعتبرت وحدةالواقعة الحسّية وبني على أصالة وحدة الواقعة في موارد احتمال الاختلاف فقد يقال بأنّ المتيقّن من هذا الأصل غير ما يحتمل فيه تغاير المحلّ رأساً، أو ما يكون احتمال التعدّد فيه ناشئاً من خصوصيّات كلام الشاهدين.
ثم إنّه متى ما قيل بتحقّق البيّنة القائمة على نجاسة العنوان الإجمالي وحجّيتها كانت منجّزةً لاحتمال النجاسة في الطرفين بقوانين العلم الإجمالي، إذ لا فرق في التنجيز بين العلم الإجماليّ الوجداني، والحجّة الإجمالية.
ولكن قد يقال في مثل المقام بأنّ هذه الأمارة القائمة على النجاسة بمقدار الجامع لا يمكن أن تكون حاكمةً على أصل الطهارة في كلٍّ من الطرفين بعنوانه، إذ أ نّها إنّما تكون علماً بالتعبّد بمقدار موردها، وهو الجامع، فكلّ من الطرفين بخصوصه ليس معلوم النجاسة ولو تعبّداً، فيكون مشمولًا لدليل قاعدة الطهارة، وبهذا تحصل المعارضة بين إطلاق دليل قاعدة الطهارة للطرفين معاً، وإطلاق دليل الحجّية للبيّنة القائمة على العنوان الإجمالي.
ولا يتوهّم أنّ حال الطرفين في المقام حال طرفي العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالنجاسة؛ وذلك لأنّ الاصول المؤمِّنة لا يمكنها أن تعارض مع قانون تنجيز العلم الإجماليّ الوجداني؛ لكونه عقلياً، ولا أن تزيل نفس العلم الوجداني؛ لكونه تكوينياً، وهذا بخلافه في المقام فإنّ حجّية البيّنة بنفسها حكم شرعيّ ظاهريّ كقاعدة الطهارة، وبعد فرض عدم حكومة أحد دليلهما على الآخر يتعارضان.
وهذه الشبهة إنّما ترد لو قيل بأنّ مدرك تقديم دليل حجّية البيّنة أو الخبر على دليل القاعدة هو الحكومة فقط، وأمّا لو قيل بالأخصّية عرفاً فمن الواضح أنّ إطلاق الأخصّ مقدَّم على إطلاق الأعمِّ دائماً.

142

مسألة (7): الشهادة بالإجمال كافية أيضاً، كما إذا قالا: «أحد هذين نجس» فيجب الاجتناب عنهما (1).
————-
فعلى الأوّل يكون المعارض للمدلول المطابقيّ معارضاً للمدلول الالتزاميّ لا محالة.
وعلى الثاني يكون المجموع من نفي الأوّل للدم ونفي الثاني للبول معارضاً للمدلول الالتزامي؛ لأنّ الجامع إنّما يوجد بسبب أحد هذين الأمرين، فحجّية كلٍّ من الخبرين في مدلوله الالتزاميّ يقابلها حجّية مجموع الخبرين في إثبات مجموع النفيين، وإذ لا مرجّح تسقط جميع تلك الدلالات عن الحجّية.
فالصحيح في المقام: أن يفصّل- نظير ما سبق- فيقال: إن كان إدراك ما يستتبع الأثر الشرعيّ ويستلزمه عين الإدراك الذي وقع موقع التكذيب من قبل الشاهد الآخر فيسقط عن الحجّية، وإن كانا إدراكين على نحوٍ لو تخلّفا معاً عن الواقع لكانا خطأين أو كذبين، لا خطأً واحداً أو كذباً واحداً، فلا مانع من شمول دليل الحجّية للخبر بلحاظ الإدراك الأوّل وإثبات صحّته، سواء كان المدرك بهذا الإدراك بنفسه موضوعاً للحكم الشرعي، أومستلزماً له بوجهٍ من الوجوه.
***
(1) وهذا فيما إذا احرز أ نّهما معاً يشيران بهذا العنوان الإجماليّ إلى واقعٍ واحدٍ لا إشكال فيه؛ لشمول دليل حجّية البيّنة حينئذ. وأمّا إذا لم يحرز ذلك بأن احتمل تعدّد الإناء المشار إليه بالعنوان الإجمالي لكلٍّ منهما: فإن اكتفي في صدق البيّنة بوحدة العنوان المشهود به في مقام أداء الشهادة فلا يضرّ الاحتمال المذكور في الحجّية؛ لوجود الوحدة المذكورة.

141

دم أحمر، والآخر يقول: إنّها دم أسود، فيقال بالحجّية في الثاني دون الأوّل.
فإنّ مجرّد كون الخصوصيّة المختلف فيها غير دخيلةٍ في موضوع الحكم الشرعيّ لا يكفي في حجّية البيّنة إذا كان إدراكها الحسّيّ بنفس إدراك ما هو موضوع الحكم الشرعي، بحيث تكون التخطئة في إدراك الخصوصية، مساويةً للتخطئة في إدراك موضوع الحكم، إذ في هذه الحالة ينفي كلّ من الشاهدين إدراك الآخر لموضوع الحكم، وإن كان لا ينفي موضوع الحكم نفسه.
وبذلك تكون طريقية كلٍّ من الشهادتين مبتلاةً بالمزاحم، ولا يكون ضمّ إحداهما إلى الاخرى موجباً لتقوّي الطريقية، ومثل ذلك لا يشمله إطلاق دليل حجّية البيّنة، كما عرفت سابقاً.
هذا كلّه بناءً على انحصار الحجّية بالبيّنة.
وأمّا المقام الثاني- وهو الكلام على تقدير القول بحجّية خبر الواحد الثقة- فلا إشكال في الحجّية مع فرض عدم التعارض.
وأمّا مع فرض التعارض فقد يقال بأنّ المسألة مبنية على مسألة تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجّية، فإن قلنا بالتبعية لم يثبت شي‏ء في المقام، وإلّا كانت كلّ من الشهادتين حجّةً في إثبات المدلول الالتزامي، فاذا قال أحدهما: إنّ البول لاقى‏ هذا الماء لا الدم، وقال الآخر عكس ذلك ثبتت النجاسة باعتبارها مدلولًا التزامياً لخبر الثقة.
ولكنّ الصحيح: عدم إمكان إثبات المدلول الالتزاميّ في المقام، حتّى بناءً على القول بعدم التبعية.
وتوضيحه: أنّ المدلول الالتزاميّ للشاهد بملاقاة البول- مثلًا- إمّا أن يكون هو الحصّة الخاصّة من النجاسة الناشئة من البول، كما يدّعي القائل بالتبعية.
وإمّا أن يكون هو جامع النجاسة.

140

ثمّ إنّ هذا التعارض الذي فرضناه في هذه الجهة حتّى الآن قصدنا به التعارض على نحوٍ تكون الواقعة الخارجية متعدّدة، ويثبت كلّ من الشاهدين واقعةً وينفي الواقعة الاخرى.

وأمّا إذا كانت الواقعة المشهودة للشاهدين واحدة، وقد تعارضا فيها بأن ادّعيا معاً أنّهما رأيا قطرة دمٍ تقع في الإناء، غير أنّ أحدهما قال بأ نّها جاءت من هذه الجهة، والآخر قال بأ نّها جاءت من تلك الجهة، أو ادّعيا معاً أنّ شيئاً وقع في الماء، غير أنّ أحدهما قال: إنّه دم، والآخر قال: إنّه قطعة ميتة فتحقيق الكلام في ذلك: أنّ المقدار الذي اتّفق عليه كلا الشاهدين: تارةً يفرض أ نّه قابل للإدراك الحسّيّ بشكلٍ منفصلٍ مستقلٍّ عن إدراك الخصوصيّات المختلف فيها، كما في المثال الأوّل. واخرى يفرض أ نّه غير قابلٍ لذلك، كما في المثال الثاني.

ففي الفرض الأوّل يلتزم بحجّية البيّنة، ولا يضرّ وقوع التعارض؛ لأنّ إدراك الواقعة الحسّية المتّفق عليها لا تكاذب فيه، وإنّما التكاذب في الإحساس الزائد.

وفي الفرض الثاني يلتزم بعدم الحجّية، إذ لا يوجد إدراك حسّيّ متّفق عليه، والجامع بين البول والميتة ليس إدراكه واقعةً حسّيةً مستقلّة، بل هو: إمّا في ضمن إدراك البول، أو في ضمن إدراك الميتة، وكلّ منهما مورد للتخطئة بين الشاهدين.

وبذلك يتّضح أنّ الميزان في الحجّية وجود واقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ متّفقٍ عليها بين الشاهدين، لا كون الاختلاف في خصوصيّةٍ غير دخيلةٍ في موضوع الحكم، كما مرّ نقله عن السيّد الاستاذ- دام ظلّه- في النقطة الثالثة[1]، ففصَّل بين أن يقول أحدهما: إنّها قطرة بول، والآخر يقول: إنّها قطرة دم، وبين أن يقول أحدهما: إنّها

 

[1] تقدّم في الصفحة 127.

139

خبر الثقة على وزان أدلّة الشرطية.
ومن الواضح أنّ أدلة الشرطية لا تشمل إلّاما يشمله دليل المشروط؛ لأنّها ناظرة إليه ومحدّدة لموضوعه، فلو قيل مثلًا: «لا صلاة إلّابطهورٍ» لا يراد بذلك تأسيس صلاةٍ جديدةٍ تصحّ مع الطهارة وبدون استقبالٍ مثلًا، بل ينظر إلى نفس الموضوع المشمول لدليل الصلاة، ويثبت فيه شرطاً جديداً.
وعلى هذا الأساس نقول: بأ نّه لو لم يكن تعارض بين الشهادتين في المستند فهما مشمولتان في نفسيهما لدليل حجّية خبر الثقة، فيشملهما دليل الشرطية، وهو دليل حجّية البيّنة أيضاً.
وأمّا اذا كانت الشهادتان متعارضتين في ذاتيهما فهما لا تكونان مشمولتين لدليل حجّية خبر الثقة، في نفسيهما باعتبار التعارض، وسريان التعارض إلى المدلول الالتزامي بحسب الفرض، فلا يشملهما دليل الشرطية أيضاً؛ لأنّه إنّما يثبت نفس الحكم المشروط في المورد الذي يشمله دليل المشروط، لكنّه يثبته مع الاشتراط، لا أ نّه يثبت الحكم لموضوعٍ لم يكن مشمولًا في نفسه لدليل المشروط.
فإن قيل: إذا بني على تبعية الدلالة الالتزامية فلا تكون البيّنة حجّةً عند الاختلاف في السبب مطلقاً، وإذا بني على عدم التبعية فحتّى مع التعارض يكون كلّ من الخبرين مشمولًا في نفسه بلحاظ المدلول الالتزاميّ لدليل حجّية الخبر، فلا مانع من إطلاق دليل حجّية البيّنة له، فلا يتمّ التفصيل.
كان الجواب: ما عرفت من أنّ تبعية الدلالة الالتزامية بمعنى سراية التعارض إليها من الدلالة المطابقية لا يستدعي عدم حجّية البيّنة في موارد الاختلاف في السبب مطلقاً؛ لأنّ عدم حجّية الدلالة المطابقية في هذه الموارد ليس من أجل التعارض ليسري إلى الدلالة الالتزامية.