الاسس المنطقية للاستقراء
400

شير[1])، ولذلك يستنتج استقرائياً أن تكون الماشية كلّها في تلك المقاطعة. أو قد نحاجّ قائلين: لا إنسان حيّ الآن قد مات، ولذلك نستنتج استقرائياً: أنّ كلّ الناس الأحياء الآن خالدون.

ويقول (رسل): إنّ المغالطات في مثل هذه الاستقراءات بيّنة بصورة وافية، ولكن لو كان الاستقراء مبدأً منطقياً وحسب لما كانت هذه الاستقراءات مغالطات.

ونحن إذا درسنا هذه الأمثله التي يعتبر الاستقراء فيها فاشلًا، نجد أنّ فشله ناتج عن عدم توفّر المتطلّبات اللازمة للدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية.

ففي الحساب نلاحظ: أنّ الأعداد التي شملها الاستقراء يمكن أن نبرز فيها دائماً خاصيّة مفهوميّة تتميّز بها عن أعداد اخرى لم يشملها الاستقراء، فحينما نجعل (ن) مثلًا كبيرةً جدّاً، ونستقرئ كلّ عدد أصغر من (ن) فنجد أ نّه غير قابل للقسمة على (ن)، لا يمكننا أن نعمّم بذلك- استقرائياً- هذه الصفة على كلّ الأعداد الاخرى؛ لأنّ الأعداد جميعاً- وإن اتّصفت بخاصية مفهومية وهي العددية- غير أنّ الأعداد التي استوعبها الاستقراء تتميّز بخاصيّة مفهومية تختلف بها عن سائر الأعداد الاخرى، وهي: أ نّها أصغر من (ن)، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن للاستقراء أن ينتج تعميم الصفة؛ لأنّ الاستقراء إنّما يؤدّي إلى تعميم الصفة على غير الأفراد التي شملها مباشرة إذا لم يلاحظ في تلك الأفراد خاصيّة مفهومية تميّزها عن غيرها من الأفراد، وإلّا فمن المعقول استقرائياً أن تكون الصفة المركّز عليها استقرائياً مرتبطة بتلك الخاصية فلا تمتدّ إلى سائر الأفراد، من قبيل ما إذا لاحظنا بالاستقراء صفة مشتركة في الزنوج، فإنّه ليس بالإمكان تعميم هذه الصفة على سائر أفراد الناس باعتبار الخاصية الإنسانية المشتركة؛ لأن‏

 

[1] (Herefordshire ): مقاطعة تاريخيّة في غرب بريطانيا( لجنة التحقيق)

399

ونذكر في ما يلي بعض الأمثلة والشواهد للاستقراءات الفاشلة التي ساقها (برتراند رسل)[1]، ويمكننا أن نصنّفها إلى صنفين:

1- الاستقراء الفاشل في الحساب.

2- الاستقراء الفاشل في ميدان الطبيعة.

أمّا في الحساب فمن السهل أن يأتي الإنسان- كما يقول رسل- بأمثلة استقرائية تؤدّي إلى نتائج صادقة، وبأمثلة اخرى تؤدّي إلى نتائج كاذبة. فحينما نلاحظ- مثلًا- الأرقام التالية: 5 و 15 و 35 و 45 و 65 و 95، نجد أنّ كلّ عدد منها يبدأ برقم (5)، وأ نّه يقبل القسمة على (5). وهذا قد يوحي استقرائياً بأنّ كلّ عدد يبدأ ب (5) قابل للقسمة على (5)، وهذا استقراء صحيح. ولكنّا إذا لاحظنا هذه الأرقام: 7 و 17 و 37 و 47 و 67 و 97، وهي نفس الأرقام السابقة مع إبدال الخمسة بالسبعة، نجد: أنّ كلّ واحد منها يبدأ بعدد سبعة، وأ نّه عدد أوّلي. وهذا قد يوحي بأنّ كلّ عدد يبدأ برقم سبعة عدد أوّلي، وهذا استقراء غير صحيح رغم أ نّه يماثل الاستقراء الأوّل في عدد الشواهد المؤيّدة.

ويسترسل بعد ذلك (رسل) فيقول: ولا حاجة بنا للتعمّق لكي نكوّن استقراءات كاذبة في الحساب في أيّ عدد نريده، فإذا أخذنا المثال: «لا يكون أيّ عدد أصغر من (ن) قابلًا للقسمة على (ن)»، فإنّنا نستطيع أن نجعل (ن) كبيراً قدر ما نشاء، وبذلك نحصل على القدر الذي نريده من الأدلّة الاستقرائية لصالح التعميم: لا عدد قابل للقسمة على (ن).

وأمّا الاستقراء الفاشل في الطبيعة فمن السهل أيضاً الحصول على أمثلة له:

فربّ شخص ساذج يقول: إنّ الماشية التي شاهدها كانت في مقاطعة (هير فورد

 

[1] في كتابه: المعرفة الإنسانية: 420- 422

398

الاستنباطية من الدليل الاستقرائي، فإنّنا- من ناحية اخرى- يمكننا الرجوع مباشرة إلى استقراءاتنا، والفطرة السليمة التي يهتدي الناس عن طريقها إلى شروط الاستدلال الاستقرائي دون أن يعوا محتواه وعياً كاملًا، لكي نعرف أ نّنا عملياً لا نمارس الاستدلال الاستقرائي إلّاحينما نتعامل مع الفئات ذات الوحدة المفهومية والخاصية المشتركة. وهذا الواقع العملي للدليل الاستقرائي بنفسه يبرهن على صواب فكرة السببيّة بمفهومها العقلي، وبوصفها علاقة ضرورة بين مفهومين، أي باعتبارها علاقة مفهومية تقوم بين المفاهيم، وليس بين الأفراد فحسب.
وهذا نفسه يبرز خطأ الاتجاه الذي اتّخذه المنطق الرياضي في الغضّ من قيمة الجانب المفهومي من الفئات والاقتصار على الجانب المصداقي، ويبرهن على أنّ التنازل عن فكرة الجانب المفهومي للفئة ليس عملياً ولا صواباً.

الاستقراءات الفاشلة في ضوء المتطلّبات اللازمة:

ومن خلال ما ذكرناه نستطيع أن نحدّد موقفنا من الأدلّة والشواهد التي تساق عادة لإثبات أنّ الاستقراء ليس استدلالًا منطقياً.
فهناك محاولات تستهدف انتزاع الطابع المنطقي من الاستدلال الاستقرائي، وتستدلّ على ذلك بفشل الاستقراء أحياناً، وخروجه بنتائج باطلة بدون شكّ، رغم أ نّه- من الناحية المنطقية- يصطنع نفس الطريقة التي تصطنعها الاستقراءات الناجحة، وهذا يعني: أنّ نجاح الاستقراء في الوصول إلى نتائج صحيحة لا يقوم على أساس منطقي، ولا يستمدّ مبرّره من منطقية الطريقة الاستقرائية في الاستدلال؛ لأنّ الطريقة نفسها موجودة في الاستقراءات الفاشلة.

397

وهكذا نعرف أنّ نجاح الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية يتوقّف على شرطين:
أحدهما: أن تكون الألفات فئة ذات مفهوم موحّد أو خاصيّة مشتركة، وليست مجرّد تجميع أعمى لأشياء متفرّقة.
والآخر: أن لا يلاحظ تميّز الألفات التي شملتها التجربة على سائر الألفات في خاصية مشتركة اخرى.
ولنوضح كلا الشرطين في المثال التالي:
افرض أ نّك اخترت عشوائياً إنساناً من كلّ بلدٍ في العالم، وتكوّنت بذلك مجموعة من الناس، ولاحظت- وأنت تفحص عدداً من أفراد هذه المجموعة-:
أ نّهم بيض، فلا يمكنك أن تستنتج من ذلك أنّ كلّ أفراد تلك المجموعة بيض؛ لأنّ هذه المجموعة فئة مصطنعة لا تعبّر عن وحدة مفهومية. وعلى العكس ما إذا كوّنت من الزنوج فئة واحدة، وبدأت تفحصها فلاحظت أنّ الأفراد التي فحصتها كانت سوداً، فإنّ بإمكانك أن تعمّم استقرائياً وتقول: إنّ كلّ زنجي أسود؛ لأنّ الفئة هنا ذات خاصية حقيقية مشتركة.
وفي نفس هذه الفرضية لا يمكنك أن تعمّم أيّ حكم تصل إليه عن طريق الملاحظة لهذه الفئة- فئة الزنوج- على سائر أفراد الناس، رغم أنّ الزنجي وغير الزنجي من الناس يعبّران عن خاصية إنسانية مشتركة، ولكن وجود خاصية مشتركة لفئة الزنوج نفسها، بنحو يميّزها عن غيرها، يجعل أيّ تعميم من ذلك القبيل غير منطقي.
وإذا كنّا قد عرفنا أنّ الاستقراء يتوقّف نجاحه على أن يتعامل مع وحدات مفهومية- أي مع خاصيات عامة مشتركة- وليس مع مجرّد مجاميع تصطنع اصطناعاً، وإذا كنّا قد استنتجنا ذلك من الطريقة ذاتها التي فسّرنا بها المرحلة

396

وهذا التلازم له ما يبرّره؛ لأنّنا عرفنا سابقاً أنّ السببيّة علاقة مفهوميّة، أي أ نّها علاقة ضرورة بين مفهومين، فإذا ثبتت بين ألف مّا وباء مّا، فهي ثابتة بينهما لا بوصفهما الشخصي بل بوصفهما المفهومي. وهذا يعني ثبوتها بين المفهومين، وبالتالي بين كلّ (أ) و (ب).
ويترتّب على ذلك: أنّ من الضروري- لكي يمارس الدليل الاستقرائي مرحلته الاستنباطية- أن تنصبّ التجارب المتكرّرة على ألفاتٍ بينها وحدة مفهومية وخاصية مشتركة، وليست مجرّد فئة مصطنعة نضمّ أعضاءها بعضاً إلى بعض اعتباطاً، لكي تكون سببية تلك الخاصّية المفهومية المشتركة هي المحور الذي تتجمّع فيه كلّ القيم الاحتمالية التي في صالح السببيّة.
وأمّا كيف نستطيع أن نعرف أنّ الألفات تعبّر عن وحدة مفهومية وخاصية مشتركة؟ فهذا ما يتوقّف بدوره على الاستقراء، وسوف اؤجّل الحديث عن هذه النقطة إلى القسم المقبل من الكتاب.
وإذا كان من الضروري، لكي تتحقّق المرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي، أن تكون الألفات- التي امتدّت التجربة إليها- ذات خاصية مشتركة، فهناك شرط آخر ضروري للتوصّل إلى تعميم النتيجة على كلّ الألفات الاخرى التي لم تستوعبها التجربة، وهو أن لا توجد، في حدود ما يتاح للملاحظ والمجرّب أن يعرفه، خاصية مشتركة تميّز الألفات التي شملتها التجربة عن ألفات اخرى، إذ في هذه الحالة تصبح الألفات التي استخدمناها في التجربة معبّرة عن مفهومين أو خاصيّتين: الاولى: خاصية شاملة للألفات الاخرى أيضاً، والثانية:
خاصية تتميّز بها عن سائر الألفات. والقيم الاحتمالية التي تبرهن على سببية الخاصية المشتركة لا تستطيع أن تعيّن الخاصية الاولى للسببية، بل هي حيادية تجاه فرضية سببية كلّ من الخاصيّتين، ويصبح التعميم على هذا الأساس بلا مبرّر.

395
المتطلّبات اللازمة للمرحلة الاستنباطية

على ضوء ما قدّمناه من تفسير للمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي، يتّضح أنّ الدليل الاستقرائي إنّما يثبت التعميم:- كلّ (أ) يعقبها (ب)، أو تتّصف ب (ب)- عن طريق تنمية احتمال السببيّة. وتنمية هذا الاحتمال هي نتيجة:
احتمال عدم وجود سبب آخر ل (ب) قد اقترن ب (أ) في التجربة الاولى+ احتمال عدم وجود سبب آخر ل (ب) قد اقترن ب (أ) في التجربة الثانية+ …، وهكذا إلى احتمال عدم وجود سبب آخر ل (ب) قد اقترن ب (أ) في التجربة الأخيرة حسب قاعدة الجمع بين الاحتمالات. فكلّ واحد من هذه الاحتمالات يبرهن على أنّ (أ) سبب ل (ب)، وبالتالي على أنّ كلّ (أ) يعقبها (ب)، أي أنّ القيم الاحتمالية لهذه الاحتمالات كلّها تتجمّع في محور واحد، وهو محور القضية القائلة: «إنّ (أ) سبب ل (ب)». وبذلك تكسب هذه القضية قيمة احتمالية كبيرة.
غير أنّ تجمّع تلك القيم الاحتمالية في محور القضية القائلة: «إنّ (أ) سبب ل (ب)» يتوقّف على أن تكون سببية أيّ (أ) ل (ب) تستلزم سببيّة سائر الألفات الاخرى، فإنّ احتمال عدم وجود سبب آخر ل (ب) في التجربة الاولى يبرهن- بقيمته الاحتمالية- على أنّ (أ) في التجربة الاولى سبب ل (ب). وإنّما يمتدّ برهانه إلى الألفات الاخرى على أساس التلازم بين الألفات في السببيّة.

394

في البداية يوجد علم إجمالي قبلي بأنّ المكتبة دخلها أحد الشخصين:
خالد أو زيد، واحتمال دخول أيّ واحد منهما على أساس هذا العلم: 2/ 1، وبعد رؤية نوع الكتب المسحوبة للمطالعة يتقيّد المعلوم بهذا العلم بصفة، وهي: أنّ الذي دخل المكتبة إنسان يتوفّر على دراسة القياس الأرسطي. وإلى جانب ذلك يوجد علم إجمالي باحتمالات نوع الدراسة التي يهتمّ بها زيد، فإذا فرضنا أ نّها ثمانية، وواحد منها فقط هو احتمال اهتمامه بدراسة القياس الأرسطي، فسوف يثبت هذا العلم الإجمالي بقيمة احتمالية كبيرة تساوي 28/ 1 7/ 16/ 15 أنّ الذي دخل المكتبة هو خالد.
ونلاحظ في هذه الحالة أنّ هذه القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي الثاني، حاكمة على القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الأوّل، النافية لدخول خالد والمثبتة لدخول زيد، التي كانت تساوي 2/ 1؛ لأنّ المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل هو دخول شخص مقيّد بصفة، وهي: أ نّه يمارس دراسة في القياس الأرسطي. والعلم الإجمالي الثاني ينفي- بدرجة كبيرة من الاحتمال- أن يكون زيد متّصفاً بتلك الصفة، وبهذا ينفي مصداقيّته للكلّي المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل، ويكون حاكماً على قيم العلم الإجمالي القبلي.
هذه هي الحالات الثلاث للتطبيق الثاني للدليل الاستقرائي.
وهكذا نعرف أنّ الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية تارة يواجه شيئاً ثابتاً نعلم بوجوده خلال التجربة، فينمّي قيمة احتمال سببيّته،- ولنطلق عليه اسم «الشكل الأوّل من الاستدلال الاستقرائي»-، واخرى يواجه شيئاً مشكوكاً ومحتملًا بدرجة محدّدة على أساس علم إجمالي قبلي، فيتّجه إلى تنمية احتمال وجوده على أساس علم إجمالي آخر، وتطبيق قاعدة الضرب أو بديهية الحكومة،- ولنطلق عليه اسم «الشكل الثاني من الاستدلال الاستقرائي»-.

393

وهو احتمال نفي السببيّة بين ماهيّتي (ت) و (ب)، والاحتمال الآخر- وهو احتمال ثبوت تلك السببيّة- حيادي تجاه وجود (أ). وهذه القيمة التي يحدّدها هذا العلم حاكمة على القيم التي كان العلم الإجمالي القبلي يحدّدها؛ لأنّ هذا العلم ينفي بدرجة 2/ 1 سببية ماهية (ت) ل (ب)، وبهذا ينفي- بنفس الدرجة- مصداقية (ت) للمعلوم بالعلم الإجمالي القبلي.
هذه ثلاثة أمثلة للحالة الثانية، ويمكن التعرّف في ضوئها على أمثلة اخرى.

الحالة الثالثة:

ينمّي الدليل الاستقرائي في هذه الحالة قيمة احتمال وجود (ط) على أساس علم إجمالي يضعّف احتمال وجود (ت) في (ه) بالطريقة التالية:
نفترض العلم بأنّ ماهية (ت) سبب لماهية (ب)، وأنّ (ت) مركّبة من (ج، ح، خ)، ونفترض موضوعين من الممكن اتصافهما ب (ج، ح، خ)، وهما (ط، ه)، ونفترض أيضاً العلم بأنّ (ط) متّصفة فعلًا ب (ج، ح، خ)، وأمّا (ه) فلا نعلم عن اتصافه شيئاً. فإذا رأينا (ب) فسوف نعلم بأنّ (ط) أو (ه) موجود.
ومثال ذلك: أن نفترض أنّ عدد (أ) من الكتب تعتبر مراجع في دراسة القياس الأرسطي، وهذا يعني- مثلًا- أنّ اختيارها من بين مجموعة الكتب يستند إلى أنّ المطالع لديه دراسة للقياس الأرسطي تدفعه إلى استيعاب المراجع المتوفّرة لتلك المادّة، ونفترض أ نّا نعلم بأنّ خالداً يمارس دراسة للقياس الأرسطي، ولا نعلم نوع الدراسة التي يمارسها زيد، ثمّ علمنا بأنّ أحدهما دخل المكتبة ولاحظنا بعد خروجه أنّ الكتب التي سحبت للمطالعة هي مراجع في دراسة القياس الأرسطي، فسوف نحصل على احتمال كبير لكون خالد هو الشخص الذي دخل المكتبة، وذلك كما يلي:

392

يكون أيّ فرد من أفراد (ت) مصداقاً للمعلوم بالعلم الإجمالي القبلي.
ففي هذا المثال- إذن- يوجد عاملان مقوّيان لأحد طرفي العلم الإجمالي القبلي- وهو وجود مصداق ل (أ)-: أحدهما يضعّف احتمال وجود (ت)، والآخر يضعّف احتمال سببية (ت) ل (ب). والأوّل ليس حاكماً على القيمة الاحتمالية لذلك الطرف المستمدّة من العلم القبلي، والثاني حاكم عليها.
2- وبالإمكان حذف العامل الأوّل، بافتراض أنّ (أ) مركّبة من ثلاث وقائع أيضاً، مع الاحتفاظ بافتراض العلم بعلاقة السببيّة بين ماهيّتي (أ) و (ب). ففي مثل ذلك يزول العامل الأوّل لتكافؤ الطرفين من هذه الناحية، ويصبح العلم الإجمالي الثالث هو العامل الوحيد لتنمية احتمال وجود (أ). ولسنا بحاجة في تحديد درجة التنمية إلى الضرب، لما تقدّم من حكومة العلم الثالث على القيم التي كان العلم القبلي يحدّدها لاحتمال (أ) واحتمال (ت).
3- كما يمكن أن نفترض- من أجل حصر عامل التنمية بالعلم الإجمالي الثالث-: أيضاً أنّ كلًا من (أ) و (ت) يمثّل واقعة واحدة، وكلتا الواقعتين محتملتان بدرجة واحدة، غير أنّ السببيّة بين ماهية (أ) وماهية (ب) معلومة مسبقاً، وأمّا السببيّة بين ماهية (ت) وماهية (ب) فهي محتملة. ففي هذا المثال حين نلاحظ وجود (ب) لا يوجد عامل يضعّف احتمال وجود (ت) لحساب وجود (أ)، ولكن يوجد عامل ينمّي احتمال وجود (أ) ابتداءً، وهو العلم الإجمالي الذي يحدّد القيمة لاحتمال السببيّة بين ماهيتي (ت) و (ب)، واحتمال نفي تلك السببيّة، فإنّ احتمال نفي تلك السببيّة يستلزم أن يكون (أ) موجوداً.
فإذا افترضنا- مثلًا- أنّ احتمال هذه السببيّة واحتمال نفيها متكافئان، فهذا يعني أنّ العلم الإجمالي الذي يحدّد قيمة هذين الاحتمالين يدلّ- بقيمة احتمالية تساوي 4/ 3- على أنّ (أ) موجود؛ لأنّ أحد الاحتمالين فيه يستلزم وجود (أ)،