اليقين الموضوعي، فهل هناك مبرّرات موضوعية لكي يحصل التصديق الاستقرائي على أعلى درجة ممكنة، وهي درجة الجزم واليقين؟ أي أنّ درجة اليقين هل هي درجة صحيحة وموضوعية للتصديق الاستقرائي أو لا؟ فإن كانت صحيحة وموضوعية فاليقين بالقضية الاستقرائية يقين موضوعي، وإن كانت غير صحيحة ولا موضوعية فاليقين بالقضية الاستقرائية- إذا وجد في نفس الإنسان- فهو يقين ذاتي بحت.
وهذا ما سوف نبدأ بالتمهيد لمعرفته الآن- إن شاء اللَّه تعالى-.
حاجة اليقين الموضوعي إلى مصادرة:
عرفنا سابقاً: أنّ الدرجة الصحيحة والموضوعية للتصديق قد نتوصّل إليها بالاستنباط من درجات صحيحة وموضوعية اخرى لسائر التصديقات، وتكون الدرجة المستنبطة- عندئذٍ- درجة نظرية؛ لأنّها حدّدت بالبرهان. وقد نتوصّل إليها مباشرة بأن تكون الدرجة بديهية ومعطاة بصورة أوّلية. كما عرفنا أيضاً: أنّ التصديق الموضوعي بحاجة دائماً إلى افتراض مصادرة فحواها: أنّ هناك درجات من التصديق الموضوعي بديهية ومعطاة بصورة أوّلية.
وهذه الدرجات البديهية بحكم كونها معطاة بصورة أوّلية ليست مستنبطة بدورها من درجات اخرى لسائر التصديقات الموضوعية، ولكن هذا لا يعني- بطبيعة الحال-: أنّ كلّ درجة للتصديق لا يمكن استنباطها من الدرجات الاخرى للتصديق هي درجة بديهية ومعطاة بصورة أوّلية، وبالتالي تمثّل القيمة الموضوعية لذلك التصديق؛ لأنّ درجات التصديق الذاتي المنحرف عن خطّ التصديق الموضوعي كلّها درجات لا يمكن استنباطها من درجات سابقة، وهي مع ذلك ليست درجات موضوعية، ولا تمثّل القيمة الحقيقيّة للتصديق.