الاسس المنطقية للاستقراء
436

وهكذا يؤدّي افتراض اليقين بالقضايا المنتزعة الثلاث إلى التسليم باليقين في القضية الرابعة، وهو يعني اليقين بسقوط الحجر وفناء القيمة الاحتمالية النافية للسقوط، مع أ نّنا افترضنا منذ البدء عدم ذلك.
وهكذا يتّضح أنّ أيّ تطبيق للشكل الأوّل للمصادرة على محور مصطنع يمنى بالتناقض. فلكي تكون المصادرة معقولة وخالية من التناقض لا بدّ من تطبيقها على محور حقيقي، لا محور مصطنع. ونريد بالمحور الحقيقي: القضية التي تتّجه القيم الاحتمالية المتجمّعة كلّها اتجاهاً مباشراً إلى تأييدها وإثباتها، كقضية السببيّة بين (أ) و (ب) في المثال المتقدّم.

اعتراضات وأجوبة:
1- هل السببيّة طرف للعلم الإجمالي؟

وقد يثار اعتراض على تطبيق الشكل الأوّل للمصادرة على السببيّة في المثال المتقدّم، ومؤدّى هذا الاعتراض هو: أنّ السببيّة في هذا المثال تفقد الشرط الرئيس للمصادرة المفترضة، وهو أن لا تكون القضية التي يراد إفناء احتمالها بتجمّع أكثر القيم الاحتمالية للعلم الإجمالي ضدّها طرفاً للعلم الإجمالي نفسه، فإنّ القضية التي يراد إفناء احتمالها في مجال البحث هي القضية التي تتضمّن نفي سببيّة (أ) ل (ب)، ونفي السببيّة هذا بنفسه طرف للعلم الإجمالي فلا يمكن إفناء احتماله بالعلم الإجمالي، وذلك لأنّنا إذا لاحظنا (العلم 2) فنفي السببيّة وإن لم يكن طرفاً له ولكن (العلم 2) يجب أن يضرب ب (العلم 1) لتكوين علم ثالث يضمّ جميع الحالات المحتملة الناتجة عن الضرب، وقد مرّ بنا أنّ حالة من الحالات المحتملة التي تكون أعضاء العلم الثالث تتضمّن نفي سببيّة (أ) ل (ب)، فكيف يمكن إفناء القيمة الاحتمالية لنفي السببيّة؟

435

وإذا افترضنا أنّ قيمة احتمال إصابة الشخص الجالس إلى يمين العمود بالسكتة أكبر من قيمة احتمال عدم الإصابة فيه، فبالإمكان الظفر بعدّة حوادث تملك كلّ واحدة منها نفس القيمة الاحتمالية لإصابة ذلك الشخص بالسكتة، وتشكيل قضايا منتزعة من قبيل ما يلي:
1- إنّ إحدى حادثتين سوف تقع: إمّا أنّ الحجر يسقط، وإمّا أنّ هذا يصاب بسكتة قاتلة.
2- إنّ إحدى حادثتين سوف تقع: إمّا أنّ الحجر يسقط، وإمّا أنّ المطر سوف ينزل.
3- إنّ إحدى حادثتين سوف تقع: إمّا أنّ الحجر يسقط، وإمّا أنّ درجة الحرارة سوف ترتفع.
وهذه القضايا الثلاث متساوية في قيمتها الاحتمالية بعد افتراض التساوي بين احتمالات السكتة والمطر والحرارة.
وهذا يبرهن على أنّ القيمة الاحتمالية للقضية الاولى لا يمكن أن تتحوّل إلى يقين؛ لأنّها إن تحوّلت وحدها إلى يقين دون القيمة الاحتمالية للقضية الثانية والثالثة فهو ترجيح بلا مرجّح، وإن تحوّلت جميعاً إلى يقين أمكننا أن نبرز قضية منتزعة رابعة لا تقلّ قيمتها الاحتمالية عن أيّ واحدة ممّا تقدّم، بل تزيد، وهي:
أنّ أحد أمرين سوف يتحقّق: إمّا أنّ الحجر سوف يسقط، وإمّا أنّ واحدة على الأقلّ من الحوادث الثلاث: (السكتة وسقوط المطر وارتفاع الحرارة) لا تقع.
ونحن نعلم من طريقة جمع الاحتمالات: أ نّه في حالة احتمال وقوع كلّ واحدة من الحوادث الثلاث بقيمة أكبر من احتمال عدمها، يمكننا أحياناً أن نحصل على قيمة احتمالية أكبر من قيمة احتمال الوقوع، وذلك عن طريق جمع قيم احتمالات عدم الوقوع.

434

يعني: أ نّه يكتسب جزءاً من قيمتها، فننتزع قضية ثالثة من القضيّتين معاً وهي: أنّ إحدى حادثتين سوف تقع: إمّا أنّ الحجر يسقط، وإمّا أنّ هذا الشخص يمنى بسكتة قاتلة. ويمكن التعبير عن هذه القضية الثالثة المنتزعة بعبارة أخصر وهي:
أنّ الشخص الجالس إلى يمين العمود سيموت.
وانتزاع هذه القضية الثالثة يستهدف إيجاد محور لتجمّع القيم الاحتمالية ينتج إيجاد اليقين فيه، دون أن يسبّب ذلك فناء واحدة من القيم الاحتمالية المتساوية التي يمثّلها العلم الإجمالي.
وهذا هو ما نقصده بالمحور المصطنع الذي لا يمكن تطبيق المصادرة عليه بدون أن نمنى بتناقض، وذلك لأنّنا إذا افترضنا أنّ قيمة احتمال إصابة الشخص الجالس إلى يمين العمود بالسكتة تساوي قيمة احتمال عدم إصابته بذلك، فهذا يعني: أنّ لدينا قضيتين منتزعتين تملكان قيمة احتمالية واحدة:
الاولى- أنّ إحدى حادثتين سوف تقع: إمّا أنّ الحجر يسقط، وإمّا أنّ هذا يصاب بسكتة قاتلة.
الثانية- أنّ إحدى حادثتين سوف تقع: إمّا أنّ الحجر يسقط، وإمّا أنّ هذا لا يصاب بسكتة قاتلة.
وهاتان القضيّتان متساويتان في القيم الاحتمالية، وهذا يبرهن على أنّ القيمة الاحتمالية الكبيرة الناشئة من تجمّع القيم الاحتمالية في القضية المنتزعة الاولى لا يمكن أن تتحوّل إلى يقين؛ لأنّها إن تحوّلت إلى يقين ولم تتحوّل قيمة القضية المنتزعة الثانية إلى يقين فهذا ترجيح بلا مرجّح وتمييز بلا مبرّر، وإن تحوّلت قيمة كلتا القضيتين إلى يقين فهذا معناه: اليقين بسقوط الحجر، وقد افترضنا أ نّه لا يقين بسقوطه، وأنّ القيمة الاحتمالية الصغيرة التي تنفي السقوط لا تفنى.

433

وتحديد مركز الثقل فيه مع ضبط حركة الهواء، فسوف يستقرّ على رأس العمود ولا يسقط، وأمّا إذا لم تحدّد النقطة التي تعتبر مركزاً للثقل فيه، ووُضع بصورة عشوائية على العمود، فهناك نقاط كثيرة جدّاً من المحتمل أن تشكّل أيّ واحدة منها نقطة التقاء الحجر برأس العمود، وواحدة منها فقط هي النقطة التي سوف تمنع الحجر عن السقوط. وعلى هذا الأساس ينشأ علم إجمالي بأنّ النقطة التي تمخّض عنها وضع الحجر عشوائياً هي واحدة من ألف نقطة مثلًا. ففي هذه الحالة تكون تسعمائة وتسع وتسعون قيمة احتمالية في هذا العلم تتّجه إلى إثبات سقوط الحجر وبالتالي وقوعه على الإنسان الجالس إلى يمين العمود وموت هذا الإنسان، وتظلّ قيمة احتمالية واحدة في صالح عدم سقوط الحجر.
وفي ظلّ الشروط المتقدّمة للمصادرة يمكننا أن نعرف: أنّ هذه القيمة الاحتمالية الواحدة لا يمكن أن تفنى بسبب تجمّع عدد كبير من القيم الاحتمالية ضدّها؛ لأنّها جميعاً تنتسب إلى علم واحد، وهذا العلم له علاقة واحدة ومتساوية مع جميع القيم الاحتمالية التي يمثّلها، فلا يمكن أن يسبّب إفناء واحدة منها دون سائر القيم الاخرى، كما لا يمكن أن يسبّب إفناءها جميعاً؛ لأنّ ذلك يعني إفناءه لنفسه.
وهنا يجي‏ء دور المحور المصطنع، إذ قد يحاول التغلّب على هذه الصعوبة، وتصوير نشوء اليقين بسبب تجمّع الاحتمالات على أساس المصادرة المفترضة، بدون افتراض فناء تلك القيمة الاحتمالية الصغيرة التي تنفي سقوط الحجر، فبدلًا عن افتراض اليقين بسقوط الحجر الذي يعني فناء تلك القيمة الاحتمالية الصغيرة، نبرز قضية اخرى إلى جانب سقوط الحجر، وهي: أنّ من المحتمل أن يصاب الشخص الجالس إلى يمين العمود في تلك اللحظة بسكتة قلبية تقضي عليه، وهذا احتمال لا تنفيه تلك القيمة الاحتمالية الصغيرة، بل هي حيادية تجاهه، وهذا

432

سوف يصبح بنفسه طرفاً من أطراف (العلم الإجمالي 2)؛ لأنّه ملازم لأحد أطرافه، وملازم الطرف طرف. فإذا أدّى التجمّع المنتمي إلى (العلم 2) إلى إفناء القيمة الاحتمالية لنفي السببيّة فهو يفني- بطبيعة الحال- القيمة الاحتمالية لوجود التاء في جميع المرّات، نظراً إلى التلازم بينهما، وبذلك يصبح العلم سبباً في إفناء قيمة من قِيَمِه الاحتمالية المتساوية، وتواجه المصادرة- حينئذٍ- مشكلة إفناء العلم لبعض قِيَمه المتساوية دون بعض بدون مبرّر، أو مشكلة إفناء العلم لنفسه.
فلا بدّ- إذن- لكي ينجح الشكل الأوّل لتطبيق المصادرة أن نفترض أنّ القضية التي يراد إفناء قيمتها الاحتمالية ليست ملازمة لأحد أطراف (العلم 2)، كما هو الواقع بالنسبة إلى نفي سببيّة (أ) ل (ب)، فإنّ هذا النفي ليس ملازماً لوجود التاء في جميع التجارب؛ لأنّ التاء قد تكون موجودة في جميع التجارب، ومع هذا تكون (أ) سبباً ل (ب)، فلا يعني إفناء (العلم 2) للقيمة الاحتمالية لهذا النفي إفناءه لإحدى القيم الاحتمالية المتساوية التي يمثّلها.
الثاني: أن لا يكون محور التجمّع للقيم الاحتمالية مصطنعاً. ونريد بالمحور المصطنع: أن لا تكون هذه القيم الاحتمالية المتجمّعة متّجهة كلّها لإثبات قضية واحدة بصورة مباشرة، بل يتّجه بعضها لإثبات قضية وبعضها لإثبات قضية اخرى، ثمّ تُنتزع من القضيتين معاً قضية ثالثة يجعل منها المحور الذي تتجمّع فيه القيم الاحتمالية.
فهذه القضية الثالثة المنتزعة محور مصطنع، فإذا ظلّت القضية الاولى والثانية احتمالية فسوف تكون هذه القضية الثالثة المنتزعة كذلك أيضاً، رغم أ نّها ملتقى القيم الاحتمالية لكلتا القضيّتين. ولنوضح ذلك في المثال الآتي:
افرض أ نّنا نحاول وضع حجر كبير جدّاً على رأس عمود مدبّب لجهة اليسار وقد جلس إلى يمينه إنسان، فمن المعلوم أنّ هذا الحجر إذا احسن وضعه‏

431

اكتساب هذه السببية قيمة احتمالية كبيرة، كما رأينا في دراسة المرحلة الاستنباطية من الاستقراء. وفي هذه الحالة يمكن تطبيق المصادرة المفترضة للمرحلة الثانية من الدليل الاستقرائي: فنفترض أنّ هذا التجمّع يسبّب اليقين بالسببيّة وإفناء القيمة الاحتمالية الصغيرة المضادّة لسببيّة (أ) ل (ب)، ولا يؤدّي هذا الافتراض إلى أيّ تناقض؛ لأنّ التجمّع المسبّب لذلك يمثّل الجزء الأكبر من قيمة (العلم 2)، والقيمة الاحتمالية التي تسبّب هذا التجمّع في إفنائها ليست من القيم الاحتمالية المتساوية التي يضمّها (العلم 2)، بل هي قيمة احتمالية تنتمي إلى (العلم 1)، فلا نواجه مشكلة إفناء العلم لنفسه، أو إفناء العلم لبعض قيمه الاحتمالية المتساوية دون بعض بدون مبرّر.
وهكذا يتحقّق الشكل الأوّل لتطبيق المصادرة: كلّما تجمّع عدد كبير من القيم الاحتمالية للعلم في محور خارج نطاق ذلك العلم، وتسبّب لإفناء قيمة احتمالية، لا تنتسب إلى نفس العلم الذي تنتسب إليه القيم المتجمّعة نفسها.

شرط استخدام الشكل الأوّل:

ويجب أن يتوفّر شرطان أساسيان، لكي يتاح استخدام الشكل الأوّل لتطبيق المصادرة:
الأوّل: أن لا تكون القضية التي يراد إفناء قيمتها الاحتمالية عن طريق تجمّع القيم الاحتمالية في محور واحد، ملازمةً لأحد أطراف (العلم الإجمالي 2) الذي تنتمي القيم المتجمّعه الاحتمالية إليه. ففي مثال السببيّة، إذا كان نفي سببيّة (أ) ل (ب) ملازماً لحالة وجود التاء في كلّ التجارب الناجحة، وكنّا نعلم بأنّ التاء إذا كانت موجودة في كلّ المرّات ف (أ) ليس سبباً ل (ب) حتماً، فهذا يجعل الشكل الأوّل لتطبيق المصادرة متعذّراً؛ لأنّ نفي سببيّة (أ) ل (ب) في هذه الحالة

430

نفس القيم الاحتمالية المتجمّعة في ذلك المحور فهي تنتمي إلى (العلم الإجمالي 2)، وتستوعب الجزء الأكبر من القيم التي يعبّر عنها، ولا تنتمي إلى نفس (العلم الإجمالي 1) الذي اتخذت أحد أطرافه محوراً لها.
فليس محور التجمّع ونفس التجمّع منتميين إلى علم واحد، بل المحور طرف لعلم، والتجمّع يعبّر عن جزء كبير من قيمة علم آخر، فإذا أدّى التجمّع إلى إيجاد اليقين في ذلك المحور وإفناء قيمة من القيم الاحتمالية التي يمثّلها (العلم الإجمالي 1) فهذا يعني: أنّ (العلم الإجمالي 2) أفنى بعض القيم الاحتمالية في (العلم الإجمالي 1)، لا أ نّه أفنى قيمة من قيمه الاحتمالية نفسه.
ولنطبّق هذا الشكل على سببيّة (أ) ل (ب) في ضوء علمين إجماليين، هما:
أوّلًا: العلم الإجمالي الذي يحدّد الاحتمال القبلي لسببيّة (أ) ل (ب). فإذا افترضنا أ نّنا كنّا نعلم مسبقاً بأنّ ل (ب) سبباً، وأنّ هذا السبب هو إمّا (أ) وإمّا (ت)، فسوف يكون هذا العلم محتوياً على عضوين، ولنعبّر عنه ب (العلم 1).
ثانياً: العلم الإجمالي الذي اتخذناه في المرحلة السابقة أساساً لتنمية احتمال السببيّة، وهو العلم الذي يستوعب محتملات (ت) في التجارب الناجحة، ولنعبّر عنه ب (العلم 2).
فإذا كانت التجارب الناجحة عشراً، كان عدد الحالات التي تمثّل أطراف (العلم الإجمالي 2): (1024) حالة، وحالة واحدة من هذه الحالات حيادية تجاه العضوين المحتملين في (العلم الإجمالي 1)، وكلّ الحالات الاخرى في صالح أحد العضوين (للعلم الإجمالي 1) وهو سببيّة (أ) ل (ب).
وهذا يعني: أنّ (العلم الإجمالي 2) يضمّ (1024) قيمة احتمالية، وأنّ 2/ 10231 قيمة احتمالية منها تشكّل تجمّعاً إيجابياً في محور محدّد وهو سببيّة (أ) ل (ب)- أي أحد العضوين في (العلم الإجمالي 1)-، ويؤدّي هذا التجمّع إلى‏

429
3- الشكلان المعقولان لتطبيق المصادرة في المجال الاستقرائي‏

عرفنا أنّ المصادرة التي وضعناها تعتبر غير ممكنة في حالة وجود علم إجمالي واحد، إذ يؤدّي تطبيقها حينئذٍ إلى أن يكون العلم نافياً لبعض القيم الاحتمالية الصغيرة دون بعض بدون مبرّر، مع كونها جميعاً ذات علاقة واحدة به، أو نافياً لنفسه، لأنّه إن أفنى إحدى قِيَمه الاحتمالية المتساوية في علاقتها به، دون القيم الاخرى فهذا تمييز بدون مبرّر، وإن أفنى كلّ قِيَمِه الاحتمالية فهذا إفناء لنفسه.
وتصبح المصادرة ممكنة في حالة وجود علمين إجماليين، ويتمّ ذلك في شكلين. وسوف نتحدّث عن توضيح هذين الشكلين الممكنين لتطبيق المصادرة وتوفير شرطها، متّخذين من سببيّة (أ) ل (ب)- التي يراد إثباتها بالدليل الاستقرائي عن طريق تكرّر اقترانهما في التجربة- مجالًا لتطبيق المصادرة بكلا شكليها الممكنين.

الشكل الأوّل لتطبيق المصادرة

إنّ الشكل الأوّل لتطبيق المصادرة هو: أن يوجد لدينا علمان إجماليان:
(علم إجمالي 1)، و (علم إجمالي 2)، وتتجمّع القيم الاحتمالية في محورٍ واحد.
وهذا المحور الواحد يمكن أن نعبّر عنه تعبيراً سلبياً فنقول: إنّه يتمثّل في نفي طرف محدّد من أطراف (العلم الإجمالي 1)، ويمكن أن نعبّر عنه تعبيراً إيجابياً فنقول: إنّه يتمثّل في إثبات طرف محدّد من أطراف (العلم الإجمالي 1)، وأمّا

428

درجة الإثبات التي يستمدّها هذا المحور من العلم، وقد لاحظنا أنّ كلّ المحاور تستمدّ درجة إثبات واحدة، فلا يمكن أن تختلف النتيجة فيها، بعد اشتراكها جميعاً في علاقة من نوع واحد وبدرجة واحدة مع العلم.
وهكذا نبرهن- في هذه الحالة- على أنّ من المستحيل أن تصدق المصادرة المفترضة، وأن يؤدّي تجمّع القيم الاحتمالية في محورٍ واحد إلى وجود اليقين وفناء القيمة الاحتمالية الصغيرة المضادّة.
ونستنتج من ذلك: أنّ من المستحيل أن تصدق المصادرة، وأن يسبّب التجمّع في محور تحوّل القيمة الاحتمالية الكبيرة الناشئة عن التجمّع إلى يقين، وفناء القيمة الاحتمالية المضادّة، ما دمنا نفترض علماً إجمالياً واحداً؛ لأنّنا في هذه الحالة نواجه دائماً قيماً احتمالية متساوية بعدد الأعضاء في مجموعة أطراف هذا العلم، والتجمّع المضادّ الذي تواجهه كلّ قيمة من تلك القيم الاحتمالية هو نفس التجمّع الذي تواجهه سائر القيم الاحتمالية الاخرى، وفناء أيّ قيمة احتمالية من تلك القيم بسبب ذلك التجمّع يعني: فناء سائر تلك القيم وبالتالي فناء نفس التجمّع أيضاً، فالعلم الإجمالي- إذن- لا يمكن- بتجمّع عدد كبير من قِيَمه الاحتمالية في محور- أن يفني قيمة من القيم الاحتمالية المتوزّعة بصورة متساوية على كلّ عضو في مجموعة أطرافه.
فلكي تكون المصادرة معقولة، ويتحقّق الشرط الذي وضعناه لها يجب أن نفترض علمين إجماليين، وذلك بأحد الشكلين التاليين في الفقرة الآتية.