النجاسة الخبثية[1].
وهذا البيان بظاهره غريب ما لم يؤوّل على ما يأتي؛ وذلك لأنّ هذين الدليلين ليسا في مرتبةٍ واحدةٍ لكي يجمع بينهما بالنحو المذكور؛ ويضمّ أحدهما إلى الآخر في قياسٍ فقهي، فإنّ أدلّة حصر النواقض بالبول مفادها الحكم الواقعي، وروايات البلل المشتبه تنظر إلى الحكم الظاهريّ المضروب كقاعدةٍ في موارد الشكّ في ناقضية البلل، فلا يلزم من ثبوت هذه الناقضية ظاهراً- مع عدم ثبوت البولية- ما ينافي أدلّة حصر النواقض واقعاً بالبول؛ لأنّ الحصر الواقعيّ لا ينثلم إلّا بجعل ناقضٍ آخر واقعيٍّ، كما هو واضح.
ثانيها: أنّ في روايات الاستبراء ما يتعرّض للنجاسة الخبثية، ففي موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل يجنب ثمّ يغتسل قبل أن يبول، فيجد بللًا بعدما يغتسل، قال: «يعيد الغسل، فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، ولكن يتوضّأ ويستنجي»[2].
وتقريب الاستدلال: أنّ هذه الرواية تأمر بالاستنجاء من البلل المشتبه، وهو إرشاد إلى الحكم بنجاسته ظاهراً.
وقد يناقش في ذلك: بأنّ الرواية واردة في بللٍ مشتبهٍ يحتمل كونه منيّاً، ولهذا أمر بالغسل منه إذا صدر قبل البول. والبلل المحتمل لكونه منيّاً: تارةً يكون مردّداً بين المنيّ والبول، واخرى يتردّد بنحوٍ يحتمل فيه غير البول والمنيّ معاً.
والأمر بالاستنجاء يشمل كلتا هاتين الصورتين، وهو إنّما يعارض قاعدة الطهارة بلحاظ إطلاقه للصورة الثانية؛ لأنّ النجاسة في الصورة الاولى معلومة، فيكون التعارض بنحو العموم من وجهٍ مع دليل قاعدة الطهارة. وسيأتي علاج ذلك في
[1] التنقيح 3: 439.
[2] وسائل الشيعة 1: 251، الباب 36 من أبواب الجنابة، الحديث 8.