لا يكون دالّاً على حرمة تسبيب زيدٍ لِلِبس عمرو للسواد؛ لأنّ الخطاب قد حرّم الفعل المضاف إلى زيدٍ إضافة الصدور والحلول، فالحرام هو اللبس الحالّ في زيدٍ، لا الحالّ في عمرو وإن كان بتسبيبٍ من زيد؛ لأنّ التسبيب المذكور إنّما يحفظ الإضافة الصدورية دون الإضافة الحلولية، وحرمة الشرب من الماء النجس وأمثالها في محلّ الكلام من قبيل الثاني، أعني لبس السواد، فاذا قيل:
«يا زيدُ لا تشرب النجسَ» فلا يكون شرب عمرو الواقع بتسبيب زيدٍ مصداقاً للحرام بهذا الخطاب؛ لأنّ إضافة الشرب إلى الشارب ليست إضافةً صدوريةً فقط، بل هي متقوّمة بكونه محلّاً للشرب، والتسبيب لا يجعل المسبّب محلّاً للشرب، كما هو واضح.
وأمّا الخطاب الثاني الموجّه نحو المباشر فيمكن تقريب دلالته على حرمة التسبيب من الغير له بأحد وجهين:
الأوّل: أ نّه كاشف عن وجود غرضٍ لزوميٍّ في اجتناب المباشر عن النجس، فيجب على غيره أيضاً حفظ هذا الغرض اللزوميّ المولويّ بحكم العقل.
وفيه: أنّ الغرض المولويّ القائم بفعلٍ مع كونه غرضاً واحداً يتصوّر له أنحاء من التفويت. وقد يكون بعض هذه الأنحاء ممّا لا يرضى المولى بها دون بعضها الآخر، تبعاً لدرجة اهتمام المولى بذلك الغرض. وكلّ خطابٍ لا يكشف عن عدم رضا المولى إلّابالتفويت الذي تستلزمه مخالفة ذلك الخطاب- لا بالأنحاء الاخرى من التفويت- فغاية ما يدلّ عليه خطاب المباشر عدم جواز التفويت المباشريّ من قبله، لا لزوم عدم التفويت من قبل غيره.
الثاني: أن يقال: إنّ التفكيك بين التفويت المباشريّ والتسبيبيّ وإن كان معقولًا لكنّه ليس بعرفيّ، بل المتفاهم عرفاً التلازم بينهما في عدم الرضا، وبذلك ينعقد للخطاب دلالة التزامية عرفية على حرمة التسبيب.