المسجد، وهناك تصوير آخر بقطع النظر عمّا تقدّم، يكون الضمان فيه من قبل المنجِّس للمطهِّر ابتداءً، بحيث يكون المطهِّر الذي خسر مالًا في مقام التطهير هو المضمون له ابتداءً؛ وذلك بالتمسّك بقاعدة التسبيب مع كون السبب أقوى من المباشر.
فإنّ شخصاً لو حفر حفرةً وسترها، فجاء آخر وبيده قدح من لبنٍ فسقط في الحفرة واريق اللبن وانكسر الإناء كان الضامن هو الحافر، والمقصود في المقام:
تعميم نفس هذه الفكرة بدعوى: أنّ وجوب التطهير يجعل المطهِّر مسلوب الاختيار تشريعاً، بحيث يرى صدور العمل منه أمراً حتميّاً، وليس من قبيل من يأمر شخصاً آخر بإتلاف مالٍ فيمتثله باختياره مع تمكّنه عرفاً وعقلًا من عدم الامتثال، فإذا تمّت السببية بهذا اللحاظ، وكانت إرادة المطهِّر مضمحلةً باعتبار القهر التشريعيّ فكأنّ المنجِّس هو الذي أوقع المطهِّر في الخسارة فيضمن، ولا يفرق الحال حينئذٍ بين أن يكون هذا المطهِّر قد طهَّر المسجد في طول امتناع المنجِّس عن التطهير والاستئذان من وليّه، أو ابتداءً وبدون مراجعةٍ له ولوليّه.
وقد يُنقض على ذلك، ويقال: إنّه لو التزم بصدق عنوان الإتلاف في موارد توسّط إرادة الفاعل المختار من أجل كونها تحت القهر التشريعيّ لزم الالتزام بالضمان في موارد لا يحتمل فيها ذلك، كما إذا أبرأ شخص آخر من دينٍ مانعٍ عن الاستطاعة، فترتّب على الإبراء كونه مستطيعاً ووجب عليه الحجّ فهل يضمن الذي أبرأ نفقات الحجّ بالتسبيب؟
وكذلك إذا أولد فقير أولاداً لا يتمكّن من الإنفاق عليهم، فوجب القيام بنفقتهم على الآخرين فأنفقوا عليهم فهل يضمن الوالد هذه النفقة لأنّه هو المسبّب؟ وهكذا …