وشمول الخطابات الواقعية للغافل أيضاً كالشاكّ؛ لأنّ المدلول التصديقيّ لها من الجعل بمبادئه من الإرادة والكراهة والمصلحة والمفسدة قابل للشمول للغافل بدون محذورٍ عقلي، وإنّما المحذور في الشمول للغافل ينشأ من ظهور الخطاب في كونه إبرازاً للحكم ولتلك المبادئ بداعي تحريك المكلّف، لا لمجرّد إعلامه بها، فلولا هذا الظهور العرفيّ في الخطاب لم يكن في مدلول الخطاب ما يأبى الشمول للغافل، بل للعاجز عن ذات الفعل أيضاً. واستحالة الشمول لبعض الأفراد إنّما هي من نتائج هذا الظهور التصديقيّ في الخطاب، فلابدّ من تحديد مفاده العرفي.
وتوضيحه: أنّ المكلّف: تارةً يكون عاجزاً عن ذات الفعل كالمشكوك.
واخرى يكون قادراً على ذات الفعل، ولكنّه غير قادرٍ على الانبعاث عن التكليف به، إمّا لغفلته ونسيانه، أو لاعتقاده بعدمه.
وثالثةً يكون قادراً على ذات الفعل وعلى الانبعاث، وهذا يشمل الشاكّ الملتفت، فإن كان مفاد ذلك الظهور العرفيّ قصد أن يكون الخطاب محرّكاً لكلّ من يشمله فيستحيل أن يكون شاملًا للعاجز وللغافل وللمعتقد بالعدم، وإلّا للزم كون المقصود تحريكهم بالخطاب، وهو غير معقول.
وإن كان مفاد ذلك الظهور- كما هو الظاهر- قصد أن يكون الخطاب محرّكاً لكلّ من يصل إليه ممّن يشملهم بأيّ مرتبةٍ من الوصول فلا يكون الظهور المذكور قرينةً على عدم شمول الخطاب للغافل وللمعتقد بالعدم؛ لأنّ شموله لهما لا يعني قصد تحريكهما بالخطاب فعلًا، بل قصد تحريكهما به لو وصل إليهما.
فالميزان في شمول الخطاب لفردٍ أن يكون ممّن يعقل تحريكه بالخطاب على فرض وصوله إليه، لا ممّن يعقل تحريكه به بمجرّد شموله له، وهذا الميزان ينطبق على الغافل والمعتقد بالعدم، ولكنّه لا ينطبق على العاجز عن ذات الفعل،