وإمّا باعتبار ما يتراءى من بعض المطلقات من إصرار الإمام عليه السلام على الفتوى بنفي البأس، كما في رواية عليّ بن أبي حمزة[1]، حتى بعد إلحاح السائل على احتمال البأس بنحو تأثّر الإمام من إصرار السائل على أن يسمع منه النهي، فلو كان في العرق تفصيل لكان من المناسب جدّاً أن يذكر في مقام إرضاء نزعة السائل، فمثل هذا الإطلاق يأبى عن التقييد.
ويندفع هذا الاستبعاد بكِلَا شِقَّيه: بأنّ أسئلة الرواة كانت على الأكثر تعبيراً عن الحاجات التي يواجهونها مباشرةً، والجنابة من حرامٍ لم تكن شائعةً في طبقة الرواة، ومن النادر أن يتّفق لهم إحراز صغراها في غيرهم فعدم توافر الأسئلة عن عرق الجنب من حرامٍ لا يوجب استبعاد التقييد.
كما أنّ نظر السائل في الإصرار على أن يسمع من الإمام عليه السلام النهي كان إلى ما هو المتعارف من عرق الجنابة، وحينما أراد أن يستدرج الإمام للفتوى بالبأس فرض كثرة العرق، وقال: «إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره»، ولم يفرض خصوصية في الجنابة.
فالمهمّ إذن ملاحظة التقريبات التي ذكرناها كمحاولةٍ لتتميم الاستدلال:
أمّا التقريب الأوّل فهو يتوقّف على انحصار الجهة المحتملة للسؤال بحسب ارتكاز أذهان المتشرّعة بالنجاسة، وهذا غير معلوم، فإنّ المدقِّق في أسئلة الرواة في ما يتّصل بالجنب وعرقه يمكنه أن يحدس أنّهم كانوا يجوِّزون وجود محذورٍ ناشى لا من سراية النجاسة، بل من سراية حدث الجنابة، ويحتملون أنّ الجنابة بنفسها قد تسري إلى الثوب أو الماء بنحوٍ يوجِد محذوراً في استعماله، والشاهد على هذا الحدس: أنّ أسئلة الرواة في أمثال المقام من الصعب تفسيرها جميعا
[1] المصدر السابق: 445، الحديث 4.