کتابخانه
609

موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره، ج‏3، ص: 609

فالحيازة وخلق الفرصة لونان من العمل قد يندمجان في عمليّة واحدة، وقد يفترقان.

ولنعبّر عن اللون الثاني من العمل الذي يخلق الفرصة بالصيد بوصفه المثال البارز للعمل المنتج لفرصة جديدة في الثروات المنقولة.

ولكي ندرس هذين اللونين من العمل على صعيد النظريّة سوف نتناول كلّاً من الحيازة والصيد بصورة منفصلة عن الآخر؛ لاكتشاف الأحكام المختصّة به، وطبيعة الحقوق التي تنتج عن كلٍّ من العملين، والأساس النظري لها.

دور الأعمال المنتجة في النظريّة:

فالصيد إذا درسناه بصورة منفصلة عن الحيازة نجد أ نّه عمل ينتج فرصة معيّنة، فمن الطبيعي أن يمنح العامل حقّ تملّك الفرصة التي نتجت عن عمله، كما يملك العامل في الأرض فرصة الانتفاع التي نجمت عن إحيائه للأرض، وفقاً للمبدأ الآنف الذكر في النظريّة الذي يمنح كلّ عامل في الثروة الطبيعيّة الخام حقّ تملّك النتيجة التي يسفر عنها العمل.

وعن طريق تملّك الصائد لهذه الفرصة يصبح له حقّ خاصّ في الطير الذي اصطاده واضطرّه إلى الهبوط والمشي على الأرض، ولو لم يحزه- كما يدلّ عليه إطلاق النصوص التشريعيّة[1]– فلا يسمح لفرد آخر أن يبادر إلى الطير ويستولي عليه، أو يغتنم فرصة اشتغال الصيّاد عن حيازته بمواصلة عمليّة الصيد مثلًا، فيسبقه إليه؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى حرمان العامل من الفرصة التي خلقها بالصيد.

فحقّ الصيّاد في الطائر الذي اصطاده لا يتوقّف على حيازته له أو البدء في‏

[1] راجع الملحق رقم 12

608

الآخر دائماً، فإنّ الحيازة كثيراً ما تقترن بخلق فرصة جديدة في الثروة، فتندمج الحيازة مع خلق الفرصة الجديدة في عمليّة واحدة، كما قد يوجد كلّ منهما بصورة منفصلة عمليّاً عن الآخر.
فهناك من الثروات ما يحتوي على درجة من المقاومة الطبيعيّة للانتفاع به، كالسمك في البحر، والفائض من ماء النهر الذي يجري بطبيعته ليتلاشى في نهاية الشوط في أعماق البحر، فإذا قضى الصيّاد على مقاومة السمك بإغرائه بدخول شبكته التي يصطاد بها فقد حازه وخلق فيه أيضاً فرصة الانتفاع، نتيجة للقضاء على مقاومته خلال عمليّة واحدة، كما أنّ اختزان الماء الفائض من النهر يعتبر حيازة له، وهو في نفس الوقت يخلق فرصة الانتفاع نتيجة لمنعه من الهروب إلى البحر والتسلّل إليه.
وقد يمارس الفرد عملًا لخلق فرصة جديدة في الثروة والقضاء على مقاومتها الطبيعيّة دون أن تتحقّق خلال ذلك حيازة الثروة، كما إذا رمى الصائد بحجر على طائر محلّق في الجوّ فشلّ حركته، واضطرّه إلى الهبوط في منطقة بعيدة عن موضع الصائد، وأصبح في وضع لا يسمح له إلّابالمشي كالدواجن، فالفرصة الجديدة للانتفاع قد انجزت في هذه العمليّة عن طريق اصطياد الطائر والقضاء على مقاومته بقذف الحجر عليه، ولكنّ الطير وهو يمشي بعيداً عن موضع الصائد لا يعتبر في حيازته وتحت يده، وإنّما تتمّ حيازته له إذا تعقّبه الصائد وأخذه.
وقد يحوز الفرد ثروة دون أن يمارس عملًا لخلق فرصة جديدة فيها، كما إذا كانت الثروة مستعدّة بطبيعتها للانتفاع بها، ولا تشتمل على مقاومة تحول دون ذلك، كحيازة الماء من العيون والحجر من الأرض.

607

حجراً من الطريق العامّ، أو ماءً من البئر لا تخلق في الحجر والماء فرصة جديدة للانتفاع بهما بشكل عامّ لم تكن من قبل؛ لأنّ الحجر أو الماء كان معروضاً للجميع، ولم تزد على أن سيطرت عليه وادّخرته لحاجتك. صحيح أ نّك نقلت الحجر إلى بيتك والماء إلى آنيتك ولكنّ هذا لا يخلق فرصة لم تكن من قبل للانتفاع بالمال بشكل عامّ؛ لأنّ هذا النقل إنّما يمهّد لانتفاعك بالحجر أو الماء، ولا يذلّل عقبة عامّة في هذا السبيل، ولا يمنح المال صفة تجعله أكثر استعداداً أو لياقة للنفع بصورة عامّة، كإحياء الأرض الذي يقضي على مقاومة الأرض للانتفاع بها بشكل عامّ، ويمنحها كفاءة جديدة للقيام بدورها العامّ في حياة الإنسان.

وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقارن الصيد وما إليه من أعمال كخلق فرصة جديدة في الثروات المنقولة بعمليّة إحياء الأرض؛ لأنّ الصيد والإحياء يتّفقان في خلق فرصة عامّة لم تكن متاحة من قبل. ونقارن حيازة الثروة المنقولة بعملية زراعة الأرض العامرة بطبيعتها، فكما أنّ زراعة الأرض العامرة طبيعيّاً لا تخلق في الأرض فرصة جديدة، وإنّما هي عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار، كذلك حيازة الماء من العيون الطبيعيّة[1].

وهذا التمييز بين حيازة الثروات المنقولة وبين العمل فيها لإيجاد فرصة الانتفاع كالصيد وما إليه من أعمال لا يعني انفصال هذين الأمرين أحدهما عن‏

 

[1] يلاحظ هنا أ نّا لم نقارن بين حيازة الماء المباح وحيازة الأرض العامرة بطبيعتها، وإنّما قارنّا بين حيازة الماء وزراعة الأرض العامرة؛ وذلك لأنّ حيازة الأرض ليست عملًا من أعمال الانتفاع والاستثمار كما مرّ سابقاً، أمّا حيازة الماء فهي من أعمال الانتفاع ذات الصفة الاقتصاديّة، كزراعة الأرض العامرة بطبيعتها.( المؤلّف قدس سره)

606

والشي‏ء الوحيد الذي مرّ بنا عن موقف النظريّة من الثروات المنقولة أنّ حيازة هذه الثروات تعتبر نظريّاً عملًا ذا صفة اقتصاديّة من أعمال الانتفاع والاستثمار، خلافاً لحيازة المصدر الطبيعي التي تحمل طابع الاحتكار والاستئثار، ولا تتّسم بالصفة الاقتصاديّة.
وقد استخدمنا فرضيّة الإنسان المنفرد للتدليل بها على هذا الفرق بين حيازة المصادر الطبيعية وحيازة الثروات المنقولة.
فالاستيلاء- إذن- على كمّية من الماء أو من خشب الغابة أو أيّ ثروة طبيعيّة اخرى بالإمكان نقلها يعتبر قبل كلّ شي‏ء عملًا من أعمال الانتفاع والاستثمار، ولهذا تدخل حيازة الثروات المنقولة في حساب النظريّة التي لا تعترف بعمل سوى أعمال الانتفاع ذات الصفة الاقتصاديّة.
ولكنّ الحيازة ليست هي العمل الوحيد الذي تعترف به النظريّة وتقيمه في مجال الثروات المنقولة، فهناك نوع آخر من العمل في هذا المجال يشبه أعمال الإحياء في المصادر الطبيعيّة، وهو العمل لإيجاد فرصة الانتفاع بالثروة الطبيعيّة المنقولة إذا كانت تشتمل بطبيعتها على مقاومة للانتفاع بها، كصيد الحيوان النافر، فإنّ العمل الذي يشلّ به الصيّاد مقاومة الحيوان الذي يصطاده يخلق فرصة الانتفاع بذلك الحيوان بسبب القضاء على مقاومته، كما يخلق العامل فرصة الانتفاع بالأرض الميتة عن طريق إحيائها والقضاء على مقاومتها وتذليل تربتها.
فالحيازة والعمل لإيجاد فرصة الانتفاع نوعان من العمل يحملان معاً الطابع الاقتصادي في مجال الثروات المنقولة، ولكنّ العمل لإيجاد فرصة جديدة للانتفاع بالثروة كالصيد يمتاز عن الحيازة بدوره الإيجابي في خلق هذه الفرصة، إذ أنّ الحيازة ذات دور سلبي من هذه الناحية؛ لأنّها بوصفها مجرّد عمليّة استيلاء على الثروة لا تخلق فيها فرصة جديدة للانتفاع بها بشكل عام. فأنت حين تحوز

605

يحتفظ العامل بهذه الفرصة لا يسمح لغيره باستثمار الأرض، سواء كان العامل يفكّر في استغلال الفرصة فعلًا أو لا؛ لأنّها على أيّ حال فرصته التي خلقها، ومن حقّه الاحتفاظ بها ما دامت جهوده التي أنفقها لإحياء الأرض مجسّدة فيها.
وخلافاً لذلك يسمح في عيون الماء لغير العامل الذي اكتشفها أن يستفيد منها فيما زاد على حاجة العامل؛ لأنّ ذلك لا يجرّد المكتشف من الفرصة التي خلقها لقدرة العين على تلبية طلبات العامل الذي اكتشفها وإشباع حاجة الآخرين في وقت واحد، فاختلاف الأرض عن العين في طبيعتها وطريقة استغلالها هو السبب الذي يفسّر السماح للآخرين بالاستفادة من العين دون الأرض.
وأمّا المنجم المكتشف فقد أجاز الإسلام لأيّ فرد أن يستفيد منه بالطريقة التي لا تؤدّي إلى حرمان المكتشف من الفرصة التي خلقها، وذلك بالحفر في موضع آخر من المنجم، أو بالاستفادة من نفس الحفرة التي أنشأها المكتشف الأوّل إذا كانت واسعة تتيح للغير أن يستفيد منها دون أن ينتزع من المكتشف فرصة الانتفاع.
فالمقياس العامّ للسماح لغير العامل أو منعه عن الانتفاع بالمرفق الطبيعي الذي أحياه العامل وخلق فيه فرصة الانتفاع، هو: مدى تأثير ذلك على الفرصة التي خلقها العامل بإحيائه للمصدر الطبيعي.

أساس التملّك في الثروات المنقولة:

وحتّى الآن كنّا نحصر الحديث تقريباً بالعمل في المصادر الطبيعيّة، كالأراضي والمناجم وعيون الماء. ولا بدّ لكي نستوعب المحتوى الكامل للنظريّة أن نفحص بتدقيق تطبيقات النظريّة على غير المصادر الطبيعيّة من الثروات المنقولة، وأوجه الفرق بينها وبين المصادر، والمبرّرات النظريّة لهذه الفروق.

604

فرد بالاستفادة من ماء العين إذا زاد على حاجة صاحبها، ولم يسمح لأحد بزراعة الأرض التي أحياها العامل بدون إذنه، ولو لم يستغلّها العامل في الزراعة فعلًا؟
والواقع أنّ الجواب على هذا جاهز في ضوء معلوماتنا التي اكتشفناها حتّى الآن عن النظريّة: فإنّ العامل يملك قبل كلّ شي‏ء نتيجة عمله، وهي فرصة الاستفادة من المصدر الطبيعي، وملكيّته لهذه الفرصة تحتّم على الآخرين الامتناع عن سرقتها منه وتضييعها عليه، وبذلك يحصل على الحقّ الخاصّ في المصدر الذي أحياه. وهذا كلّه يطّرد في سائر المصادر دون فرق في ذلك بين الأرض والمنجم والعين. فالحقوق التي تنتج عن إحياء تلك المصادر الطبيعيّة متساوية.
والسماح للغير بالاستفادة من عين الماء فيما زاد على حاجة العامل دون الأرض لا ينشأ من اختلاف الحقوق، بل ينبع عن طبيعة تلك الأشياء، فإنّ الفرصة التي يملكها الفرد نتيجة لحفره العين واكتشافه للماء لا تضيع عليه بمشاركة شخص آخر له في الانتفاع بالماء ما دامت العين غزيرة تفيض عن حاجته، فالعين الثريّة بالماء لا تضيق عادة عن تزويد فردين بالماء وإشباع حاجتهما. وبهذا يظلّ العامل محتفظاً بالفرصة التي خلقها دون أن يؤدّي انتفاع الآخر بالعين في شربه وشرب ماشيته إلى فوات تلك الفرصة منه.
وعلى العكس من ذلك الأرض التي يحييها الفرد ويخلق فيها فرصة الانتفاع بها عن طريق إحيائه لها، فإنّ الأرض بطبيعتها لا تتّسع لاستثمارين في وقت واحد، فلو بادر شخص إلى أرض محياة واستثمرها لانتزع بذلك من العامل الذي أحياها الفرصة التي خلقها؛ لأنّ الأرض إذا وظّفت في إنتاج زراعي لا يمكن أن تقوم بدور مماثل، ولا أن تستغلّ لأغراض الإنتاج من قبل فرد آخر.
وهكذا نعرف أنّ الأرض المحياة لا يجوز لغير العامل الذي أحياها أن يستثمرها وينتفع بها؛ لأنّه يضيِّع على العامل الفرصة التي يملكها بعمله، فلكي‏

603

بالإحياء من غير إحداث عمارة، وهذا لا يمكن في المعادن‏[1]، بمعنى أنّ الفرصة التي يخلقها الإحياء في المعدن محدودة فيكون الحقّ محدوداً تبعاً لذلك.

وهذا الاكتشاف للترابط بين حقّ العامل في المصدر الطبيعي والفرصة التي ينتجها العمل في ذلك المصدر يترتّب عليه منطقيّاً أن يزول حقّ الفرد في المصدر إذا تلاشت تلك الفرصة التي أنتجها؛ لأنّ حقّه في المصدر الطبيعي كان يقوم- كما عرفنا- على أساس تملّكه لتلك الفرصة، فإذا زالت سقط حقّه. وهذا ما نجده تماماً في الفقرة الرابعة والخامسة من البناء العلْوي الذي قدّمناه.

ولنأخذ الآن أعمال الإحياء هذه التي تمنح الفرد العامل حقّاً خاصّاً في المصدر الطبيعي، كإحياء الأرض واستخراج المنجم واستنباط العين؛ لكي ندرس بدقّة موقف النظريّة منها، ونرى ما إذا كانت نفس هذه الأعمال تختلف في الحقوق التي تنتجها، بعد أن درسنا الفرق بينها وبين سائر أعمال الانتفاع والاستثمار، وعرفنا قبل ذلك الفرق بين أعمال الانتفاع والاستثمار بشكل عامّ وأعمال الاحتكار والاستئثار.

ونحن إذا استعرضنا من البناء العلْوي المتقدّم الحقوق التي تقوم على أساس أعمال الإحياء وجدنا أ نّها تختلف من عمل لآخر، فالأرض التي أحياها الفرد لا يجوز لفرد آخر بدون إذنه استثمارها والتصرّف فيها ما دام الفرد الذي أحياها يتمتّع بحقّه في الأرض، بينما نجد أنّ الفرد إذا استنبط عيناً كان له الحقّ في مائها بقدر حاجته، وجاز للآخرين الاستفادة من العين فيما زاد على حاجة صاحبها.

ولهذا كان على النظريّة أن تشرح السبب الذي أدّى إلى اختلاف حقّ العامل في أرضه التي أحياها عن حقّ العامل في العين التي استنبطها، ولماذا سمح لأي‏

 

[1] راجع كتاب الامّ 4: 43

602

ندرسها بعد لحظات.
وأمّا ممارسة الفرد للزراعة في أرض عامرة بطبيعتها، أو استخدام أرض لرعي الحيوانات، فهذه الأعمال وإن كانت من أعمال الانتفاع والاستثمار في المصادر الطبيعيّة ولكنّها لا تبرّر وجود حقّ للزارع والراعي في الأرض؛ لأنّه لم ينتج الأرض نفسها، ولا فرصة عامّة كالفرصة التي أنتجها إحياء الأرض الميتة.
صحيح أنّ الزارع أو الراعي أنتج زرعاً، أو ربّى ثروة حيوانيّة عن طريق عمله في الأرض، ولكنّ هذا يبرّر تملّكه للزرع الذي أنتجه، أو للثروة الحيوانيّة التي تعاهدها، ولا يبرّر تملّكه للأرض وحقّه فيها.
فالفرق إذن بين هذه الأعمال وعمليّات الإحياء: أنّ تلك العمليّات تخلق فرصة للاستفادة من الأرض أو المنجم أو العين لم تكن قبل الإحياء، فيملكها الفرد ويكتسب عن طريق تملّكه لهذه الفرصة حقّه في المصدر الذي أحياه. وأمّا الأرض العامرة بطبيعتها، أو الأرض الخضراء بطبيعتها التي يمارس فيها الفرد عمليّة الزرع أو الرعي فقد كانت فرصة الانتفاع بها في الزرع والرعي موجودة قبل ذلك، ولم تنتج عن العمل الخاصّ، وإنّما الشي‏ء الذي نتج عن عمل الزارع- مثلًا- هو الزرع؛ ولا شكّ أ نّه من حقّه الخاصّ؛ لأنّه نتيجة عمله.
وفي هذا الضوء نستطيع الآن أن نستنتج شرطاً جديداً في العمل الذي يتيح حقّاً خاصّاً في المصادر الطبيعيّة، فقد اكتشفنا آنفاً الشرط الأوّل، وهو: أن يكون العمل ذا صفة اقتصاديّة، ونستنتج الآن الشرط الثاني، وهو: أن يخلق هذا العمل حالة أو فرصة معيّنة جديدة يملكها العامل ويكتسب عن طريقها حقّه في المصدر الطبيعي.
وإلى هذه الحقيقة كان الإمام الشافعي يشير حينما استدلّ على أنّ المعدن الباطن المستتر لا يملك بالإحياء بأنّ المحيا ما يتكرّر الانتفاع به بعد عمارته‏

601

هذه الأعمال تتّفق في نتائجها لكي تتّفق في نوع الحقوق التي تسفر عنها، بل إنّها تختلف في نتائجها، وعلى هذا الأساس تختلف في نوع الحقوق الخاصّة التي تنشأ عنها، فإحياء الأرض مثلًا عمليّة يمارسها الفرد في أرض ميتة لا تصلح لإنتاج وانتفاع، فيزيل عن وجهها الصخور الصمّاء، ويوفّر كلّ الشروط التي تجعلها قابلة للانتفاع أو الإنتاج، ويحقّق عن طريق ذلك نتيجة مهمّة بسبب إحيائه للأرض لم تكن موجودة قبل الإحياء، وليست هذه النتيجة وجود الأرض نفسها؛ لأنّ عمليّة الإحياء لا تخلق الأرض، وإنّما هي الفرصة التي خلقها الفرد بعمله وجهده، فإنّ إحياء الأرض الميتة يؤدّي إلى خلق فرصة الانتفاع بالأرض واستثمارها، إذ لم تكن هذه الفرصة متاحة قبل إحيائها، وإنّما نتجت عن عمليّة الإحياء. والعامل يملك وفقاً للنظريّة العامّة هذه الفرصة بوصفها نتيجة لعمله، وملكيّته للفرصة تؤدّي إلى منع الآخرين عن سرقة هذه الفرصة منه وتضييعها عليه بانتزاع الأرض منه، والانتفاع بها بدلًا عنه؛ لأنّهم بذلك يحرمونه من الفرصة التي خلقها بجهده في عمليّة الإحياء وملكها بعمل مشروع؛ ولأجل ذلك يصبح الفرد بإحيائه الأرض أولى بها من غيره؛ ليتاح له الانتفاع بالفرصة التي أنتجها، وهذه الأولويّة هي كلّ حقّه في الأرض. وهكذا نعرف أنّ حقّ الفرد في الأرض التي أحياها مردّه نظريّاً إلى عدم جواز سرقة الآخرين نتيجة عمله وتضييع الفرصة التي خلقها بعمله المشروع.
وإحياء المنجم أو عين الماء المستترة في أعماق الأرض كإحياء الأرض الميتة في هذا تماماً؛ فإنّ العامل الذي يمارس عمليّة الإحياء يخلق فرصة الانتفاع بالمرفق الطبيعي الذي أحياه، ويملك هذه الفرصة بوصفها ثمرة لجهده، فلا يجوز لغيره تضييع الفرصة عليه. وللعامل الحقّ في منع الآخرين إذا حاولوا انتزاع المرفق منه، ويعتبر هذا حقّاً في الأرض والمنجم والعين مع فوارق سوف‏