الاسترابادي يميل به إلى المذهب الحسّي في نظرية المعرفة القائل: بأنّ الحسّ هو أساس المعرفة، ولأجل ذلك يمكننا أن نعتبر الحركة الأخبارية في الفكر العلمي الإسلامي أحد المسارب التي تسرَّب منها الاتّجاه الحسّي إلى تراثنا الفكري.
وقد سبقت الأخبارية- بما تمثّل من اتّجاهٍ حسّيٍّ- التيار الفلسفي الحسّي الذي نشأ في الفلسفة الاوروبية على يد «جون لوك» المتوفّى سنة (1704 م)، و «دافيد هيوم» المتوفّى سنة (1776 م)، فقد كانت وفاة الاسترابادي قبل وفاة «جون لوك» بمئة سنةٍ تقريباً، ونستطيع أن نعتبره معاصراً ل «فرنسيس بيكون» المتوفّى سنة (1626 م)، الذي مهّد للتيار الحسّي في الفلسفة الاوروبية.
وعلى أيِّ حالٍ فهناك التقاء فكري ملحوظ بين الحركة الفكرية الأخبارية والمذاهب الحسّية والتجريبية في الفلسفة الاوروبية، فقد شنّت جميعاً حملةً كبيرةً ضدّ العقل، وألغت قيمة أحكامه إذا لم يستمدّها من الحسّ.
وقد أدّت حركة المحدّث الاسترابادي ضدّ المعرفة العقلية المنفصلة عن الحسّ إلى نفس النتائج التي سجّلتها الفلسفات الحسّية في تأريخ الفكر الاوروبي، إذ وجدت نفسها في نهاية الشوط مدعوّةً- بحكم اتّجاهها الخاطئ- إلى معارضة كلّ الأدلّة العقلية التي يستدلّ بها المؤمنون على وجود اللَّه سبحانه؛ لأنّها تندرج في نطاق المعرفة العقلية المنفصلة عن الحس.
فنحن نجد مثلًا محدّثاً- كالسيّد نعمة اللَّه الجزائري- يطعن في تلك الأدلّة بكلّ صراحةٍ وفقاً لاتّجاهه الأخباري، كما نقل عنه الفقيه الشيخ يوسف البحراني في كتابه الدرر النجفية[1]، ولكنّ ذلك لم يؤدِّ بالتفكير الأخباري الى الإلحاد كما أدّى بالفلسفات الحسّية الاوروبية؛ لاختلافهما في الظروف التي ساعدت على
[1] الدرر النجفية: 146