الفصل الأول في العلاقات القائمة بين نفس الأحكام
علاقة التضادّ بين الوجوب والحرمة:
من المعترف به في علم الاصول أ نّه ليس من المستحيل أن يأتي المكلَّف بفعلين في وقتٍ واحدٍ أحدهما واجب والآخر حرام، فيعتبر مطيعاً من ناحية إتيانه بالواجب وجديراً بالثواب، ويعتبر عاصياً من ناحية إتيانه للحرام ومستحقّاً للعقاب. فشرب الماء النجس- مثلًا- حرام، ودفع الزكاة الى الفقير واجب، فلو أنّ إنساناً حمل الماء النجس بإحدى يديه وشربه وأعطى باليد الاخرى في نفس الوقت زكاته للفقير فقد عصى وامتثل، وأتى بالحرام والواجب في وقتٍ واحد.
وأمّا الفعل الواحد فلا يمكن أن يتّصف بالوجوب والحرمة معاً؛ لأنّ العلاقة بين الوجوب والحرمة هي علاقة تضادٍّ ولا يمكن اجتماعهما في فعلٍ واحد، كما لا يمكن أن يجتمع السواد والبياض في جسمٍ واحد، فدفع الزكاة الى الفقير لا يمكن أن يكون- وهو واجب- حراماً في نفس الوقت، وشرب النجس لايمكن أن يكون- وهو حرام- واجباً في نفس الوقت.
وهكذا يتّضح:
أوّلًا: أنّ الفعلين المتعدّدين- كدفع الزكاة وشرب النجس- يمكن أن يتّصف أحدهما بالوجوب والآخر بالحرمة ولو أوجدهما المكلَّف في زمانٍ واحد.
وثانياً: أنّ الفعل الواحد لا يمكن أن يتّصف بالوجوب والحرمة معاً.
والنقطة الرئيسية في هذا البحث عند الاصوليّين هي: أنّ الفعل قد يكون واحداً بالذات والوجود ومتعدّداً بالوصف والعنوان، وعندئذٍ فهل يلحق بالفعل