الجامد.
ولكنّ هناك دلالةً عرفيةً اقتضائيةً يستفاد منها تنجّس الجامد بالجامد المتنجّس، وتلك هي: أنّ الآنية المتنجّسة لو لم تكن منجّسةً لِمَا يلاقيها لم يكن وجه لاهتمام الشارع بغسلها وأمره بتطهيرها، وبيان مراتب هذا التطهير شدّةً وضعفاً؛ لأنّها لا تقع بنفسها مورداً للاستعمال المشروط بالطهارة، وإنّما الذي يقع كذلك ما يلاقيها وما يوضع فيها من طعام، فلو لم تكن منجّسةً لكانت تلك الألسنة المختلفة الواردة في تطهيرها لغواً عرفاً، فصوناً لكلام الشارع عن اللغوية العرفية وبدلالة الاقتضاء ينعقد ظهور في أ نّها منجّسة، وبذلك يثبت أنّ المتنجّس الأوّل الجامد منجّس.
وهذه هي ميزة روايات غسل الأواني على روايات غسل الثياب والبدن، حيث إنّ الغسل هناك واضح الحكمة، باعتبار وقوع نفس البدن والثوب مورد الاستعمال المشروط بالطهارة حتّى لو لم يكن منجّساً.
وقد نوقش في هذا الاستدلال بمناقشاتٍ لا ترجع إلى محصّل، نقتصر على ذكر اثنتين منها:
الاولى: دعوى احتمال كون النكتة في الأمر بغسل الأواني هو الرجحان النفسيّ للأكل والشرب من الأواني الطاهرة، وهذه المناقشة واضحة الفساد، إذ كيف يمكن أن تكون مثل هذه الأوامر- المشدّدة والمؤكّدة والمركوز عرفاً كونها بملاك التخلّص عن المحاذير اللزومية- مجرّد استطراقٍ إلى أدبٍ شرعيٍّ في نفسه ليس واضحاً ولا مركوزاً في الأذهان بعنوانه؟ فهذا احتمال عقليّ ثبوتيّ لا عرفيّ إثباتي.
الثانية: دعوى أنّ الأمر بالغسل لعلّه من أجل تحصيل الاطمئنان بزوال ما تبقى‏ من أجزاء عين النجاسة في الآنية، وهذا الاحتمال أيضاً غير عرفي.