ثمّ إنّ هذا التعارض الذي فرضناه في هذه الجهة حتّى الآن قصدنا به التعارض على نحوٍ تكون الواقعة الخارجية متعدّدة، ويثبت كلّ من الشاهدين واقعةً وينفي الواقعة الاخرى.

وأمّا إذا كانت الواقعة المشهودة للشاهدين واحدة، وقد تعارضا فيها بأن ادّعيا معاً أنّهما رأيا قطرة دمٍ تقع في الإناء، غير أنّ أحدهما قال بأ نّها جاءت من هذه الجهة، والآخر قال بأ نّها جاءت من تلك الجهة، أو ادّعيا معاً أنّ شيئاً وقع في الماء، غير أنّ أحدهما قال: إنّه دم، والآخر قال: إنّه قطعة ميتة فتحقيق الكلام في ذلك: أنّ المقدار الذي اتّفق عليه كلا الشاهدين: تارةً يفرض أ نّه قابل للإدراك الحسّيّ بشكلٍ منفصلٍ مستقلٍّ عن إدراك الخصوصيّات المختلف فيها، كما في المثال الأوّل. واخرى يفرض أ نّه غير قابلٍ لذلك، كما في المثال الثاني.

ففي الفرض الأوّل يلتزم بحجّية البيّنة، ولا يضرّ وقوع التعارض؛ لأنّ إدراك الواقعة الحسّية المتّفق عليها لا تكاذب فيه، وإنّما التكاذب في الإحساس الزائد.

وفي الفرض الثاني يلتزم بعدم الحجّية، إذ لا يوجد إدراك حسّيّ متّفق عليه، والجامع بين البول والميتة ليس إدراكه واقعةً حسّيةً مستقلّة، بل هو: إمّا في ضمن إدراك البول، أو في ضمن إدراك الميتة، وكلّ منهما مورد للتخطئة بين الشاهدين.

وبذلك يتّضح أنّ الميزان في الحجّية وجود واقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ متّفقٍ عليها بين الشاهدين، لا كون الاختلاف في خصوصيّةٍ غير دخيلةٍ في موضوع الحكم، كما مرّ نقله عن السيّد الاستاذ- دام ظلّه- في النقطة الثالثة[1]، ففصَّل بين أن يقول أحدهما: إنّها قطرة بول، والآخر يقول: إنّها قطرة دم، وبين أن يقول أحدهما: إنّها

 

[1] تقدّم في الصفحة 127.