يصطدم مع عواطف المعركة ضدّ الواقع الاستعماري المعاش، فليؤخذ بالتخطيط الاشتراكي بوصفه الشكل الآخر للتجربة الرائدة.
ولكلّ من الاتجاهين أدلّته التي يبرّر بها وجهة نظره؛ فالاتجاه الأوّل يبرّر عادة التقدّم العظيم الذي حصلت عليه الدول الاوروبية الرأسمالية وما أحرزته من مستويات في الإنتاج والتصنيع نتيجة لانتهاج الاقتصاد الحرّ كاسلوب للتنمية، ويضيف إلى ذلك: أنّ بإمكان البلاد المتخلّفة إذا انتهجت نفس الاسلوب وعاشت نفس التجربة أن تختصر الطريق وتقفز في زمن أقصر إلى المستوى المطلوب من التنمية الاقتصادية؛ لأنّها سوف تستفيد من خبرات التجربة الرأسمالية للإنسان الاوروبي وتستخدم كلّ القدرات العلمية الناجزة التي كلّفت الإنسان الاوروبي مئات السنين حتّى ظفر بها.
والاتجاه الثاني يفسّر اختياره للاقتصاد المخطّط على أساس اشتراكي بدلًا عن الاقتصاد الحرّ بأنّ الاقتصاد الحرّ إن كان قد استطاع أن يحقّق للدول الاوروبية الرائدة في العالم الرأسمالي مكاسب كبيرة وتقدّماً مستمرّاً في التكنيك والإنتاج ونموّاً متزايداً للثروة الداخلية للبلاد فليس بالإمكان أن يؤدّي دوراً مماثلًا للبلاد المتخلّفة اليوم؛ لأنّ البلاد المتخلّفة تواجه اليوم تحدّياً اقتصادياً هائلًا يمثّله التقدّم العظيم الذي أحرزته دول الغرب، وتقابل إمكانات هائلة منافسة لا حدّ لها على الصعيد الاقتصادي، بينما لم تكن الدول المتقدّمة فعلًا تواجه هذا التحدّي الهائل، وتقابل هذه الإمكانات المنافسة حين بدأت عملية التنمية الاقتصادية، وشنّت حربها ضدّ أوضاع التخلّف الاقتصادي، واتّخذت من الاقتصاد الحرّ منهجاً واسلوباً، فلا بدّ للبلاد المتخلّفة اليوم من تعبئة كلّ القوى والطاقات لعملية التنمية الاقتصادية بصورة سريعة ومنظّمة في نفس الوقت؛ وذلك عن طريق الاقتصاد المخطّط القائم على أساس اشتراكي.