کتابخانه
28

تفجير الطاقات المختزنة في كلّ فرد من الامّة ووضع أهداف لعملية التنمية تتّفق مع تلك التقييمات. وهكذا سرت في كلّ أوصال الامّة حركة دائبة نشيطة مع مطلع الاقتصاد الاوروبي الحديث لا تعرف الملل أو الارتواء من المادة وخيراتها وتملّك تلك الخيرات.
كما أنّ انقطاع الصلة الحقيقية للإنسان الاوروبي باللَّه تعالى ونظرته إلى الأرض بدلًا عن النظرة إلى السماء انتزع من ذهنه أيّ فكرة حقيقية عن قيمومة رفيعة من جهة أعلى أو تحديدات تفرض عليه من خارج نطاق ذاته، وهيّأهُ ذلك نفسياً وفكرياً للإيمان بحقّه في الحرية، وغمره بفيض من الشعور بالاستقلال والفردية، الأمر الذي استطاعت بعد هذا أن تترجمه إلى اللغة الفلسفية أو تعبّر عنه على الصعيد الفلسفي فلسفة كبرى في تأريخ اوروبا الحديثة، وهي الوجودية؛ إذ توّجت تلك المشاعر التي غمرت الإنسان الاوروبي الحديث بالصيغة الفلسفية، فوجد فيها إنسان اوروبا الحديث آماله وأحاسيسه.
وقد قامت الحرية بدور رئيسي في الاقتصاد الاوروبي، وأمكن لعملية التنمية أن تستفيد من الشعور الراسخ لدى الإنسان الاوروبي بالحرية والاستقلال والفردية في نجاح الاقتصاد الحرّ بوصفه وسيلة تتّفق مع الميول الراسخة في نفوس الشعوب الاوروبية وأفكارها، وحتّى حينما طرح الاقتصاد الاوروبي منهجاً اشتراكياً حاول فيه أن ينطلق من الشعور بالفردية والأنانية أيضاً مع تحويلها من فردية شخص إلى فردية طبقة.
وكلّنا نعلم أنّ الشعور العميق بالحرية كان يوفّر شرطاً أساسياً لكثير من النشاطات التي ساهمت في عملية التنمية، وهو انعدام الشعور بالمسؤولية الأخلاقية الذي لم تكن تلك النشاطات لتتمّ بدونه.

27

انسجامه مع هذا المخطّط أو ذاك.
إنّ الإنسان الاوروبي ينظر إلى الأرض دائماً لا إلى السماء، وحتّى المسيحية- بوصفها الدين الذي آمن به هذا الإنسان مئات السنين- لم تستطع أن تتغلّب على النزعة الأرضية في الإنسان الاوروبي، بل بدلًا عن أن ترفع نظره إلى السماء استطاع هو أن يستنزل إله المسيحية من السماء إلى الأرض ويجسّده في كائن أرضي.
وليست المحاولات العلمية للتفتيش عن نَسب الإنسان في فصائل الحيوان وتفسير إنسانيّته على أساس التكييف الموضوعي من الأرض والبيئة التي يعيش فيها أو المحاولات العلمية لتفسير الصرح الإنساني كلّه على أساس القوى المنتجة التي تمثّل الأرض وما فيها من إمكانات ليست هذه المحاولات إلّاكمحاولة استنزال الإله إلى الأرض في مدلولها النفسي، وارتباطها الأخلاقي بتلك النظرة العميقة في نفس الإنسان الاوروبي إلى الأرض وإن اختلفت تلك المحاولات في أساليبها وطابعها العلمي أو الاسطوري.
وهذه النظرة إلى الأرض أتاحت للإنسان الاوروبي أن ينشئ قيماً للمادّة والثروة والتملّك تنسجم مع تلك النظرة.
وقد استطاعت هذه القيم التي ترسّخت عبر الزمن في الإنسان الاوروبي أن تعبّر عن نفسها في مذاهب اللذّة والمنفعة التي اكتسحت التفكير الفلسفي الأخلاقي في اوروبا؛ فإنّ لهذه المذاهب بوصفها نتاجاً فكرياً اوروبياً سجّل نجاحاً كبيراً على الصعيد الفكري الاوروبي لها مغزاها النفسي ودلالتها على المزاج العام للنفس الاوروبية.
وقد لعبت هذه التقييمات الخاصّة للمادّة والثروة والتملّك دوراً كبيراً في‏

26

الإسلام دين نزل من السماء على خاتم النبيّين صلى الله عليه و آله. وما من ريب في أنّ من أهمّ العوامل في نجاح المناهج التي تتّخذ لتنظيم الحياة الاجتماعية احترام الناس لها وإيمانهم بحقّها في التنفيذ والتطبيق.
وهب أنّ تجربة للتنمية الاقتصادية على أساس مناهج الاقتصاد الاوروبي استطاعت أن تقضي على العقيدة الدينية وقوّتها السلبية تجاه تلك المناهج، فإنّ هذا لا يكفي للقضاء على كلّ البناء العلْوي الذي قام على أساس تلك العقيدة عبر تأريخ طويل امتدّ أكثر من أربعة عشر قرناً، وساهم إلى درجة كبيرة في تكوين الإطار النفسي والفكري للإنسان داخل العالم الإسلامي. كما أنّ القضاء على العقيدة الدينية لا يعني إيجاد الأرضية الاوروبية لتلك المناهج التي نجحت على يد الإنسان الاوروبي؛ لأنّها وجدت الأرضيّة الصالحة لها والقادرة على التفاعل معها.
فهناك في الواقع أخلاقية إسلامية تعيش بدرجة واخرى داخل العالم الإسلامي، وهناك أخلاقية الاقتصاد الاوروبي التي واكبت الحضارة الغربية الحديثة ونسجت لها روحها العامة ومهّدت لنجاحها على الصعيد الاقتصادي.
والأخلاقيتان تختلفان اختلافاً جوهرياً في الاتجاه والنظرة والتقييم، وبقدر ما تصلح أخلاقية الإنسان الغربي الحديث لمناهج الاقتصاد الاوروبي تتعارض أخلاقية إنسان العالم الإسلامي معها، وهي أخلاقية راسخة لا يمكن استئصال جذورها بمجرّد تمييع العقيدة الدينية.
والتخطيط- أيّ تخطيط للمعركة ضدّ التخلّف- كما يجب أن يُدخل في حسابه مقاومة الطبيعة في البلد الذي يراد التخطيط له [و] درجة تمرّدها على عمليات الإنتاج، كذلك يجب أن يُدخل في حسابه مقاومة العنصر البشري ومدى‏

25

أيضاً في طريق نجاح المناهج الحديثة للاقتصاد الاوروبي إذا طبّقت في العالم الإسلامي، وهو التناقض بين هذه المناهج والعقيدة الدينية التي يعيشها المسلمون.
وهنا لا اريد أن أتحدّث عن هذا التناقض لكي اقارن بين وجهة النظر الدينية ووجهة النظر التي تتبنّاها تلك المناهج واحاول أن افضّل الاولى على الثانية- أي أ نّي لا اريد أن أبحث هذا التناقض بحثاً عقائدياً مذهبياً- وإنّما احاول إبراز هذا التناقض بين مناهج الإنسان الاوروبي والعقيدة الدينية للإنسان المسلم بوصفها قوّة تعيش داخل العالم الإسلامي بقطع النظر عن أيّ تقييم لها؛ فإنّ هذه القوّة مهما قدّرنا لها من تفكّك وانحلال نتيجة لعمل الاستعمار ضدّها في العالم الإسلامي لا يزال لها أثرها الكبير في توجيه السلوك وخلق المشاعر وتحديد النظرة نحو الأشياء.
وقد عرفنا قبل لحظات أنّ عملية التنمية الاقتصادية ليست عملية تمارسها الدولة وتتبنّاها وتشرّع لها فحسب، وإنّما هي عملية يجب أن تشترك فيها وتساهم بلون وآخر الامّة كلّها. فإذا كانت االامّة تحسّ بتناقض بين الإطار المفروض للتنمية وبين عقيدة لا تزال تعتزّ بها وتحافظ على بعض وجهات نظرها في الحياة فسوف تحجم بدرجة تفاعلها مع تلك العقيدة عن العطاء لعملية التنمية والاندماج في إطارها المفروض.
وخلافاً لذلك لا يواجه النظام الإسلامي هذا التعقيد، ولا يمنى بتناقض من ذلك القبيل، بل إنّه إذا وضع موضع التطبيق سوف يجد في العقيدة الدينية سنداً كبيراً له وعاملًا مساعداً على إنجاح التنمية الموضوعة في إطاره؛ لأنّ أساس النظام الإسلامي أحكام الشريعة الإسلامية، وهي أحكام يؤمن المسلمون عادة بقدسيّتها وحرمتها ووجوب تنفيذها بحكم عقيدتهم الإسلامية وإيمانهم بأن‏

24

في بلاد المستعمرين، وإنّما يراد به التعبير عن استثناءات معيّنة وقد تكون موقوتة، والاستثناء لا يغيّر جوهر القضية والمحتوى الحقيقي للشعار، ولا يمكن لدعاة الاشتراكية العربية أن يميّزوا الفوارق الأصيلة بين اشتراكية عربية واشتراكية فارسية واشتراكية تركية، ولا أن يفسّروا كيف تختلف الاشتراكية بمجرّد إعطائها هذا الإطار القومي أو ذاك؛ لأنّ الواقع أنّ المضمون والجوهر لا يختلف، وإنّما هذه الاطر تعبّر عن استثناءات قد تختلف من شعب إلى آخر تبعاً لنوعية التقاليد السائدة في تلك الشعوب.
وبالرغم من أنّ دعاة الاشتراكية العربية قد فشلوا في تقديم مضمون حقيقي جديد لهذه الاشتراكية عن طريق تأطيرها بالإطار العربي، فإنّهم أكّدوا بموقفهم هذا تلك الحقيقة التي قلناها، وهي: أنّ الامّة بحكم حساسيتها الناتجة عن عصر الاستعمار لا يمكن بناء نهضتها الحديثة إلّاعلى أساس قاعدة أصيلة لا ترتبط في ذهن الامّة ببلاد المستعمرين أنفسهم.
وهنا يبرز فارق كبير بين مناهج الاقتصاد الاوروبي التي ترتبط في ذهن الامّة بإنسان القارّة المستعمرة مهما وضعت لها من إطارات، وبين المنهج الإسلامي الذي يرتبط في ذهن الامّة بتأريخها وأمجادها الذاتية ويعبّر عن أصالتها ولا يحمل أيّ طابع لبلاد المستعمرين؛ فإنّ شعور الامّة بأنّ الإسلام هو تعبيرها الذاتي وعنوان شخصيّتها التأريخية ومفتاح أمجادها السابقة يعتبر عاملًا ضخماً جدّاً لإنجاح المعركة ضدّ التخلّف وفي سبيل التنمية إذا استمدّ لها المنهج من الإسلام واتّخذ من النظام الإسلامي إطاراً للانطلاق.
وإلى جانب الشعور المعقّد للُامّة في العالم الإسلامي تجاه الاستعمار وكلّ المناهج المرتبطة ببلاد المستعمرين يوجد هناك تعقيد آخر يشكّل صعوبة كبيرة

23

فلسفة ذات مبادئ ولا عقيدة ذات اسس، بل حيادية بطبيعتها تجاه مختلف الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والعقائدية والدينية، وهي لذلك بحاجة إلى الأخذ بوجهة نظر معيّنة تجاه الكون والحياة وفلسفة خاصّة تصوغ على أساسها معالم حضارتها ونهضتها وتنظيمها الاجتماعي.
ويبدو أنّ كثيراً من الحركات القومية أحسّت بذلك أيضاً وأدركت أنّ القومية كمادّة خام بحاجة إلى الأخذ بفلسفة اجتماعية ونظام اجتماعي معيّن، وحاولت أن توفّق بين ذلك وبين أصالة الشعار الذي ترفعه وانفصاله عن الإنسان الاوروبي، فنادت بالاشتراكية العربية، نادت بالاشتراكية لأنّها أدركت أنّ القومية وحدها لا تكفي، بل هي بحاجة إلى نظام، ونادت بها في إطار عربي تفادياً لحسّاسية الامّة ضدّ أيّ شعار أو فلسفة مرتبطين بعالم المستعمرين، فحاولت عن طريق توصيف الاشتراكية بالعربية تغطية الواقع الأجنبي المتمثّل في الاشتراكية من الناحية التأريخية والفكرية، وهي تغطية فاشلة لا تنجح في استغفال حساسية الامّة؛ لأنّ هذا الإطار القلق ليس إلّامجرّد تأطير ظاهري وشكلي للمضمون الأجنبي الذي تمثّله الاشتراكية، وإلّا فأيّ دور يلعبه هذا الإطار في مجال التنظيم الاشتراكي؟! وأيّ تطوير للعامل العربي في المواقف؟! وما معنى أنّ العربية كلغة وتأريخ أو دم وجنس تطوّر فلسفة معيّنة للتنظيم الاجتماعي؟! بل كلّ ما وقع في المجال التطبيقي نتيجة للعامل العربي.
إنّ هذا العامل أصبح يعني في مجال التطبيق استثناء ما يتنافى من الاشتراكية مع التقاليد السائدة في المجتمع العربي، والتي لم تحن الظروف الموضوعية لتغييرها كالنزعات الروحية بما فيها الإيمان باللَّه، فالإطار العربي إذن لا يعطي الاشتراكية روحاً جديدة تختلف عن وضعها الفكري والعقائدي المعاش‏

22

الإسلامي يجب أن نأخذ هذه الحقيقة أساساً ونفتّش في ضوئها عن مركّب حضاري قادر على تحريك الامّة وتعبئة كلّ قواها وطاقاتها للمعركة ضدّ التخلّف، ولا بدّ حينئذٍ أن نُدخل في هذا الحساب مشاعر الامّة ونفسيّتها وتأريخها وتعقيداتها المختلفة.
ومن الخطأ ما يرتكبه كثير من الاقتصاديين الذين يدرسون اقتصاد البلاد المتخلّفة وينقلون إليها المناهج الاوروبية للتنمية دون أن يأخذوا بعين الاعتبار درجة إمكان تفاعل شعوب تلك البلاد مع هذه المناهج ومدى قدرة هذه المناهج المنقولة على الالتحام مع الامّة.
فهناك مثلًا الشعور النفسي الخاصّ الذي تعيشه الامّة في العالم الإسلامي تجاه الاستعمار الذي يتّسم بالشكّ والاتهام والخوف نتيجة لتأريخ مرير طويل من الاستغلال والصراع؛ فإنّ هذا الشعور خلق نوعاً من الانكماش لدى الامّة عن المعطيات التنظيمية للإنسان الاوروبي وشيئاً من القلق تجاه الأنظمة المستمدّة من الأوضاع الاجتماعية في بلاد المستعمرين وحسّاسية شديدة ضدّها، وهذه الحسّاسية تجعل تلك الأنظمة حتّى لو كانت صالحة ومستقلّة عن الاستعمار من الناحية السياسية غير قادرة على تفجير طاقات الامّة وقيادتها في معركة البناء، فلا بدّ للُامّة إذن- بحكم ظروفها النفسية التي خلقها عصر الاستعمار وانكماشها تجاه ما يتّصل به- أن تقيم نهضتها الحديثة على أساس نظام اجتماعي ومعالم حضارية لا تمتّ إلى بلاد المستعمرين بنسب.
وهذه الحقيقة الواضحة هي التي جعلت عدداً من التكتّلات السياسية في العالم الإسلامي تفكّر في اتخاذ القومية فلسفةً وقاعدة للحضارة وأساساً للتنظيم الاجتماعي حرصاً منها على تقديم شعارات منفصلة عن الكيان الفكري للاستعمار انفصالًا كاملًا، غير أنّ القومية ليست إلّارابطة تأريخية ولغوية، وليست‏

21

هذه الفاعلية نتيجة للمنهج الاقتصادي فحسب لكي تتوفّر متى اتبع نفس المنهج، بل قد تكون الفاعلية ناتجة عن المنهج باعتباره جزءاً من كلّ مترابط وحلقة من تأريخ، فإذا عزل المنهج عن إطاره وتأريخه لم تكن له تلك الفاعلية ولا تلك الثمار.
ومن خلال دراسة مقارنة للمذاهب الاقتصادية المتعدّدة وإمكانات نجاحها عملياً في العالم الإسلامي يجب إبراز حقيقة أساسية يرتبط بها تقدير الموقف إلى درجة كبيرة، وهي أنّ حاجة التنمية الاقتصادية إلى منهج اقتصادي ليست مجرّد حاجة إلى إطار من اطر التنظيم الاجتماعي تتبنّاه الدولة فحسب لكي يمكن أن توضع التنمية ضمن هذا الإطار أو ذاك بمجرّد تبنّي الدولة له والتزامها به، بل لا يمكن للتنمية الاقتصاديّة والمعركة ضدّ التخلّف أن تؤدّي دورها المطلوب إلّا إذا اكتسبت إطاراً يستطيع أن يدمج الامّة ضمنه، وقامت على أساس يتفاعل معها. فحركة الامّة كلّها شرط أساسي لإنجاح أيّ تنمية وأيّ معركة شاملة ضدّ التخلّف؛ لأنّ حركتها تعبير عن نموّها ونموّ إرادتها وانطلاق مواهبها الداخلية، وحيث لا تنمو الامّة لا يمكن أن تمارس عملية تنمية، فالتنمية للثروة الخارجية والنموّ الداخلي للُامّة يجب أن يسيرا في خطّ واحد.
وتجربة الإنسان الاوروبي الحديث هي بالذات تعبير تأريخي واضح عن هذه الحقيقة؛ فإنّ مناهج الاقتصاد الاوروبي كإطارات لعملية التنمية لم تسجّل نجاحها الباهر على المستوى المادّي في تأريخ اوروبا الحديث إلّابسبب تفاعل الشعوب الاوروبية مع تلك المناهج وحركتها في كلّ حقول الحياة وفقاً لاتجاه تلك المناهج ومتطلّباتها واستعدادها النفسي المتنامي خلال تأريخ طويل لهذا الاندماج والتفاعل.
فحين نريد أن نختار منهجاً أو إطاراً عاماً للتنمية الاقتصادية داخل العالم‏

20

ويعتمد كلّ من الاتجاهين في تفسيره لما يمنى به من فشل في مجال التطبيق على الظروف المصطنعة التي يخلقها المستعمرون في المنطقة لكي يعرقلوا فيها عمليات النموّ، ولا يسمح لنفسه على أساس ذلك أن يفكّر حين الإحساس بالفشل في أيّ منهج بديل للشكلين التقليديين اللذين اتّخذتهما التجربة الاوروبية الحديثة في الغرب والشرق بالرغم من وجود بديل جاهز لا يزال يعيش نظرياً وعقائدياً في حياة الامّة وإن كان منعزلًا عن مجال التطبيق، وهو المنهج الإسلامي والنظام الاقتصادي في الإسلام.
وأنا لا اريد هنا أن اقارن بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي من وجهة نظر اقتصادية مذهبية؛ فإنّ هذا ما أتركه للكتاب نفسه فقد قام كتاب (اقتصادنا) بدراسة مقارنة بهذا الصدد، وإنّما اريد أن اقارن بين الاقتصاد الاوروبي بكلا جناحيه الرأسمالي والاشتراكي والاقتصاد الإسلامي من ناحية قدرة كلّ منهما على المساهمة في معركة العالم الإسلامي ضدّ التخلّف الاقتصادي، ومدى قابلية كلّ واحد من هذه المناهج ليكون إطاراً لعملية التنمية الاقتصادية.
ونحن حين نخرج من نطاق المقارنة بين هذه المناهج الاقتصادية في محتواها الفكري والمذهبي إلى المقارنة بينها في قابليّتها التطبيقية لإعطاء إطار للتنمية الاقتصادية يجب أن لا نقيم مقارنتنا على أساس المعطيات النظرية لكلّ واحد من تلك المناهج فحسب، بل لا بدّ أن نلاحظ بدقّة الظروف الموضوعية للُامّة وتركيبها النفسي والتأريخي؛ لأنّ الامّة هي مجال التطبيق لتلك المناهج، فمن الضروري أن يدرس المجال المفروض للتطبيق وخصائصه وشروطه بعناية ليلاحظ ما يقدّر لكلّ منهج من فاعلية لدى التطبيق. كما أنّ فاعلية الاقتصاد الحرّ الرأسمالي أو التخطيط الاشتراكي في تجربة الإنسان الاوروبي لا تعني حتماً أن‏