کتابخانه
381

فما هو السبب الذي جعل تطوّر الهيدروجين إلى هليوم مقتصراً على كمّية معيّنة، وأطلق الباقي من أسر هذا التطوّر الجبري؟!
وليس التفسير الديالكتي للمركّبات أدنى إلى التوفيق من تفسير الديالكتيك للعناصر البسيطة. فالماء إذا كان قد وجد طبقاً لقوانين الديالكتيك، فمعنى ذلك:
أنّ الهيدروجين يعتبر إثباتاً، وأنّ هذا الإثبات يثير نفي نفسه بتوليده للُاوكسجين، ثمّ يتّحد النفي والإثبات معاً في وحدة هي الماء، أو أن نعكس الاعتبار، فنفرض الاوكسجين إثباتاً، والهيدروجين نفياً، والماء هو الوحدة التي انطوت على النفي والإثبات معاً، وحصلت نتيجة تكاملية للصراع الديالكتي بينهما، فهل يمكن للديالكتيك أن يوضح لنا: أنّ هذا التكامل الديالكتيكي لو كان يتمّ بصورة ذاتية وديناميكية، فلماذا اختصّ بكمّية معيّنة من العنصرين، ولم يحصل في كلّ هيدروجين واوكسجين؟؟
ولا نريد بهذا أن نقول: إنّ اليد الغيبية هي التي تباشر كلّ عمليات الطبيعة وتنوّعاتها، وأنّ الأسباب الطبيعية لا موضع لها من الحساب، وإنّما نعتقد أنّ تلك التنوّعات والتطوّرات ناشئة من عوامل طبيعية خارج المحتوى الذاتي للمادّة، وهذه العوامل تتسلسل حتّى تصل في نهاية التحليل الفلسفي إلى مبدأ وراء الطبيعة، لا إلى المادّة ذاتها.
والنتيجة هي: أنّ وحدة المادّة الأصيلة للعالم التي برهن عليها العلم من ناحية، وتنوّعاتها واتّجاهاتها المختلفة التي دلّ العلم على أ نّها عرضية وليست ذاتية من ناحية اخرى، تكشف عن السرّ في المسألة الفلسفية، وتوضح: أنّ السبب الأعلى لكلّ هذه التنوّعات والاتّجاهات، لا يكمن في المادّة ذاتها، بل في سبب فوق حدود الطبيعة، ترجع إليه العوامل الطبيعية الخارجية التي تعمل على تنويع المادّة وتحديد اتّجاهاتها.

380

واحدة ومشتركة في الجميع، ولذا يمكن تبديلها البعض بالبعض، فكيف وجدت أنواع العناصر العديدة في تلك المادّة المشتركة؟
والجواب على اسس التغيّر الديالكتيكي يتلخّص في أنّ المادّة قد تطوّرت من مرحلة إلى مرحلة أرقى، حتّى بلغت درجة اليورانيوم. وعلى هذا الضوء يجب أن يكون عنصر الهيدروجين نقطة الابتداء في هذا التطوّر، باعتباره أخفّ العناصر البسيطة. فالهيدروجين يتطوّر ديالكتيكياً بسبب التناقض المحتوى في داخله، فيصبح بالتطوّر الديالكتيكي عنصراً أرقى، أي: عنصر الهليوم، وهذا العنصر بدوره ينطوي على نقيضه، فيشتعل الصراع من جديد بين النفي والإثبات، بين الوجه السالب والوجه الموجب، حتّى تدخل المادّة في مرحلة جديدة، ويوجد العنصر الثالث، وهكذا تتصاعد المادّة طبقاً للجدول الذرّي.
هذا هو التفسير الوحيد الذي يمكن للديالكتيك أن يقدّمه في هذا المجال، تبريراً لديناميكية المادّة. ولكن من السهل جدّاً أن نتبيّن عدم إمكان الأخذ بهذا التفسير من ناحية علمية؛ لأنّ الهيدروجين لو كان مشتملًا بصورة ذاتية على نقيضه، ومتطوّراً بسبب ذلك طبقاً لقوانين الديالكتيك المزعوم، فلماذا لم تتكامل جميع ذرّات الهيدروجين؟! وكيف اختصّ هذا التكامل الذاتي ببعض دون بعض؟! فإنّ التكامل الذاتي لا يعرف التخصيص، فلو كانت العوامل الخلّاقة للتطوّر والترقّي موجودة في صميم المادّة الأزلية، لما اختلفت آثار تلك العوامل، ولما اختصّت بمجموعة معيّنة من الهيدروجين، تحوّلها إلى هليوم وتترك الباقي.
فنواة الهيدروجين (البروتون) إذا كانت تحمل في ذاتها نفيها، وتتطوّر تبعاً لذلك حتّى تصبح بروتونين، بدلًا من بروتون واحد، لنتج عن ذلك زوال الماء عن وجه الأرض تماماً؛ لأنّ الطبيعة إذا فقدت نوى ذرّات الهيدروجين، وتحوّلت جميعاً إلى نوى ذرّات الهليوم، لم يكن من الممكن أن يوجد بعد ذلك ماء.

379

وتنوّعاتها، ليست ذاتية، وإنّما هي عرضية، كحركة السيّارات الشمسية حول المركز. فكما أنّ دورانها حوله ليس ذاتياً لها، بل هي تقتضي بطبيعتها الاتّجاه المستقيم في الحركة طبقاً لمبدأ القصور الذاتي، كذلك خصائص العناصر والمركّبات. وكما أنّ ذلك الدوران لمّا لم يكن ذاتياً أتاح لنا أن نبرهن على وجود قوّة خارجية جاذبة، كذلك هذا التنوّع والاختلاف في خصائص المادّة المشتركة يكشف- أيضاً- عن سبب وراء المادّة. ونتيجة ذلك هي: أنّ (العلّة الفاعلية) للعالم غير علّته المادّية، أي: أنّ سببه غير المادّة الخام التي تشترك فيها الأشياء جميعاً.

مع الديالكتيك:

قد مرّ بنا الحديث عن الديالكتيك في الجزء الثاني من هذه المسألة، وكشفنا عن الأخطاء الرئيسية التي ارتكز عليها، كإلغاء مبدأ عدم التناقض ونحوه. ونريد الآن أن نبرهن على عجزه من جديد عن حلّ مشكلة العالم، وتكوين فهم صحيح له، بقطع النظر عمّا في ركائزه واسسه من أخطاء وتهافت.
يزعم الديالكتيك أنّ الأشياء تنتج عن حركة في المادّة، وأنّ حركة المادّة ناشئة ذاتياً عن المادّة نفسها، باعتبار احتوائها على النقائض، وقيام الصراع الداخلي بين تلك النقائض.
فلنمتحن هذا التفسير الديالكتيكي بتطبيقه على الحقائق العلمية التي سبق أن عرفناها عن العالم؛ لنرى ماذا تكون النتيجة؟
إنّ العناصر البسيطة عدّة أنواع، ولكلّ عنصر بسيط رقم ذرّي خاصّ به، وكلّما كان العنصر أرقى كان رقمه أكثر، حتّى ينتهي التسلسل إلى اليورانيوم، أرقى العناصر وأعلاها درجة. وقد أوضح العلم- أيضاً- أنّ مادّة هذه العناصر البسيطة

378

طريق الحسّ. وما دامت المسألة الإلهية مسألة غيبية وراء حدود الحسّ والتجربة، فيجب أن نطرحها جانباً، وننصرف إلى ما يمكن الظفر به في الميدان التجريبي من حقائق ومعارف … نقف عندهم لنسألهم: ماذا تريدون بالتجربة؟
وماذا تعنون برفض كلّ عقيدة لا برهان عليها من الحسّ؟
فإن كان فحوى هذا الكلام أ نّهم لا يؤمنون بوجود شي‏ء ما لم يحسّوا بوجوده إحساساً مباشراً، ويرفضون كلّ فكرة ما لم يدركوا واقعها الموضوعي بأحد حواسّهم، فقد نسفوا بذلك الكيان العلمي كلّه، وأبطلوا جميع الحقائق الكبرى المبرهن عليها بالتجربة التي يقدّسونها؛ فإنّ إثبات حقيقة علمية بالتجربة ليس معناه الإحساس المباشر بتلك الحقيقة في الميدان التجريبي. ف (نيوتن)- مثلًا- حين وضع قانون الجاذبية العامة على ضوء التجربة، لم يكن قد أحسّ بتلك القوّة الجاذبية بشي‏ء من حواسه الخمس، وإنّما استكشفها عن طريق ظاهرة اخرى محسوسة، لم يجد لها تفسيراً إلّابافتراض وجود القوّة الجاذبة. فقد رأى أنّ السيّارات لا تسير في خطّ مستقيم، بل تدور دوراناً، وهذه الظاهرة لا يمكن أن تتمّ- في نظر نيوتن- لو لم تكن هناك قوّة جاذبة؛ لأنّ مبدأ (القصور الذاتي) يقضي بسير الجسم المتحرّك في اتّجاه مستقيم ما لم يفرض عليه اسلوب آخر من قوّة خارجية. فانتهى من ذلك إلى قانون الجاذبية الذي يقرّر أنّ السيّارات تخضع لقوّة مركزية، هي الجاذبية.
وإن كان يعني هؤلاء- الذين ينادون بالتجربة ويقدّسونها- نفس الاسلوب الذي تمّ به علمياً استكشاف قوى الكون وأسراره، وهو: درس ظاهرة محسوسة ثابتة بالتجربة، واستنتاج شي‏ء آخر منها استنتاجاً عقلياً، باعتباره التفسير الوحيد لوجودها، فهذا هو اسلوب الاستدلال على المسألة الإلهية تماماً؛ فإنّ التجارب الحسّية والعلمية قد أثبتت أنّ جميع خصائص المادّة الأصلية، وتطوّراتها

377

أساس: أنّ الحقيقة الواحدة لها ظواهر ونواميس معيّنة لا تختلف، كما درسنا ذلك بكلّ تفصيل في الجزء السابق من هذه المسألة. فقد قلنا: إنّ تجارب العالم الطبيعي لا تقع إلّاعلى موارد معيّنة، ومع ذلك فهو يشيد قانونه العلمي العامّ الذي يتناول كلّ ما تتّفق حقيقته مع موضوع تجربته. وليس ذلك إلّالأنّ الموادّ التي عمّم عليها القانون يتمثّل فيها نفس الواقع الذي درسه في تجاربه الخاصّة. ومعنى هذا:
أنّ الواقع الواحد المشترك لا يمكن أن تتناقض ظواهره، وأن تختلف آثاره، وإلّا لو أمكن شي‏ء من ذلك، لما أمكن للعالم أن يضع قانونه العامّ.
وعلى هذا الأساس نعرف أنّ الواقع المادّي المشترك للعالم الذي دلّل عليه العلم، لا يمكن أن يكون هو السبب والعلّة الفاعلية له؛ لأنّ العالم ملي‏ء بالظواهر المختلفة، والتطوّرات المتنوّعة.
هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، قد علمنا على ضوء النتائج العلمية السابقة أنّ الخصائص والصفات التي تبدو بها المادّة في مختلف مجالات وجودها، خصائص عرضية للمادّة الأصلية، أو للواقع المادّي المشترك.
فخصائص المركّبات صفات عرضية للعناصر البسيطة، وخصائص العناصر البسيطة صفات عرضية للمادّة الذرّية. وصفة المادّية نفسها هي- أيضاً- عرضية كما سبق، بدليل إمكان سلب كلّ واحدة من هذه الصفات، وتجريد الواقع المشترك منها، فلا يمكن أن تكون المادّة ديناميكية وسبباً ذاتياً لاكتساب تلك الخصائص والصفات.

مع التجريبيين:

ولنقف قليلًا عند اولئك الذين يقدّسون التجربة والحسّ العلمي، ويعلنون بكلّ صلف أ نّنا لا نؤمن بأيّ فكرة ما لم تثبت بالتجربة، ولم يبرهن عليها عن‏

376

جميع العناصر البسيطة. فليست صفات الراديوم، والرصاص، والآزوت، والاوكسجين، ذاتية للموادّ التي تتمثّل في تلك العناصر ما دام في الإمكان تبديلها البعض بالبعض.
د- وأخيراً، فنفس صفة المادّية أصبحت- على ضوء الحقائق السابقة- صفة عرضية أيضاً، فهي لا تعدو أن تكون لوناً من ألوان الطاقة وشكلًا من أشكالها، وليس هذا الشكل ذاتياً لها؛ لما سبق من أ نّها قد تستبدل هذا الشكل بشكل آخر، فتتحوّل المادّة إلى طاقة، ويتحوّل الكهرب إلى كهرباء.

النتيجة الفلسفية من ذلك:

وإذا أخذنا تلك النتائج العلمية بعين الاعتبار، وجب أن ندرسها درساً فلسفياً؛ لنعرف ما إذا كان في الإمكان أن نفترض المادّة هي السبب الأعلى (العلّة الفاعلية) للعالم أو لا. ولا تردّد في أنّ الجواب الفلسفي على هذا السؤال هو:
النفي بصورة قاطعة؛ ذلك لأنّ المادّة الأصيلة للعالم حقيقة واحدة عامّة في جميع مظاهره وكائناته، ولا يمكن للحقيقة الواحدة ان تختلف آثارها، وتتباين أفعالها.
فالتحليل العلمي للماء، والخشب، والتراب، وللحديد والآزوت، والرصاص، والراديوم، أدّى في نهاية المطاف إلى مادّة واحدة، نجدها في كلّ هذه العناصر وتلك المركّبات. فلا تختلف مادّة كلّ واحد من هذه الأشياء عن مادّة غيره، ولذلك يمكن تحويل مادّة شي‏ء إلى شي‏ء آخر.
فكيف يمكن أن نسند إلى تلك المادّة الأساسية التي نجدها في الأشياء جميعاً، تنوّع تلك الأشياء وحركاتها المختلفة؟! ولو أمكن هذا لكان معناه: أنّ الحقيقة الواحدة قد تتناقض ظواهرها، وتختلف أحكامها. وفي ذلك القضاء الحاسم على جميع العلوم الطبيعية بصورة عامّة؛ لأنّ هذه العلوم قائمة جميعاً على‏

375

وتقوم الفكرة في القنبلة الهيدروجينية على ضمّ نوى ذرّات خفيفة إلى بعضها؛ لتكون بعد اتّحادها نوى ذرّات أثقل منها، بحيث تكون كتلة النواة الجديدة أقلّ من كتلة المكوّنات الأصليّة. وهذا الفرق في الكتلة هو الذي يظهر في صورة طاقة. ومن أساليب ذلك دمج أربع ذرّات هيدروجين بتأثير الضغط والحرارة الشديدين، وإنتاج ذرّة من عنصر الهليوم مع طاقة، هي الفارق الوزني بين الذرّة الناتجة، والذرّات المندمجة، وهو كسر ضئيل جداً في حساب الوزن الذرّي.

نتائج الفيزياء الحديثة:

ويستنتج من الحقائق العلمية التي عرضناها عدّة امور:
أ- أنّ المادّة الأصيلة للعالم حقيقة واحدة مشتركة بين جميع كائناته وظواهره، وهذه الحقيقة المشتركة هي التي تظهر بمختلف الأشكال، وتتنوّع بشتّى التنوّعات.
ب- أنّ خواصّ المركّبات المادّية كلّها عرضية بالإضافة إلى المادّة الأصيلة. فالماء بما يملك من خاصّة السيلان ليس شيئاً ذاتياً للمادّة التي يتكوّن منها، وإنّما هو صفة عرضية؛ وذلك بدليل أ نّه مركّب- كما عرفنا سابقاً- من عنصرين بسيطين، وفي الإمكان إفراز هذين العنصرين عن الآخر، فيرجعان إلى حالتهما الغازية، وتزول صفة الماء تماماً. ومن الواضح: أنّ الصفات التي يمكن أن تزول عن الشي‏ء لا يمكن أن تكون ذاتية له.
ج- أنّ خواص العناصر البسيطة نفسها ليست ذاتية للمادّة أيضاً، فضلًا عن خصائص المركّبات. والبرهان العلمي على ذلك ما مرّ بنا: من إمكان تحوّل بعض العناصر إلى بعض، وبعض ذرّاتها إلى ذرّات اخرى، طبيعياً أو اصطناعياً، فإنّ هذا أمر يدلّ على أنّ خصائص العناصر إنّما هي صفات عرضية للمادّة المشتركة بين‏

374

إلّا طاقة متكاثفة، يمكن تحليلها وإرجاعها إلى حالتها الاولى. فهذه الطاقة هي الأصل العلمي للعالم في التحليل الحديث، وهي التي تظهر في أشكال مختلفة، وصور متعدّدة، صوتية، ومغناطيسية، وكهربائية، وكيمياوية، وميكانيكية.
وعلى هذا الضوء لم يعد الازدواج بين المادّة والإشعاع، بين الجُسيمات والموجات، أو بين ظهور الكهرب على صورة مادّة أحياناً، وظهوره على صورة كهرباء أحياناً اخرى، أقول: لم يعد هذا غريباً، بل أصبح مفهوماً بمقدار ما دامت كلّ هذه المظاهر صوراً لحقيقة واحدة، وهي الطاقة.
وقد أثبتت التجارب عملياً صحّة هذه النظريات؛ إذ أمكن للعلماء أن يحوّلوا المادّة إلى الطاقة، والطاقة إلى مادّة. فالمادّة تحوّلت إلى طاقة عن طريق التوحيد بين نواة ذرّة الهيدروجين ونواة ذرّة ليثيوم، فقد نتج عن ذلك نواتان من ذرّات الهليوم، وطاقة هي في الحقيقة الفارق بين الوزن الذرّي لنواتين من الهليوم، والوزن الذرّي لنواة هيدروجين ونواة ليثيوم.
والطاقة تحوّلت إلى المادّة عن طريق تحويل أشعّة (جاما)- وهي أشعّة لها طاقة وليس لها وزن- إلى دقائق مادّية من الألكترونات السالبة، والألكترونات الموجبة التي تتحوّل بدورها إلى طاقة إذا اصطدم الموجب منها بالسالب.
ويعتبر أعظم تفجير للمادّة توصّل إليه العلم هو: التفجير الذي يمكن للقنبلة الذرّية والهيدروجينية أن تحقّقه؛ إذ يتحوّل بسببهما جزء من المادّة إلى طاقة هائلة.
وتقوم الفكرة في القنبلة الذرّية على إمكان تحطيم نواة ذرّة ثقيلة، بحيث تنقسم إلى نواتين أو أكثر من عناصر أخفّ. وقد تحقّق ذلك بتحطيم النواة في بعض أقسام عنصر اليورانيوم الذي يطلق عليه اسم اليورانيوم 235، نتيجة لاصطدام النيوترون بها.

373

وقام (رذرفورد) بعد ذلك بأوّل محاولة لتحويل عنصر إلى عنصر آخر؛ وذلك أ نّه جعل نوى ذرّات الهليوم (دقائق الألفا) تصطدم بنوى ذرّات الآزوت، فتولّدت البروتونات، أي: نتجت ذرّة هيدروجين من ذرّة الآزوت، وتحوّلت ذرّة الآزوت إلى اوكسجين. وأكثر من هذا، فقد ثبت أنّ من الممكن أن تتحوّل بعض أجزاء الذرّة إلى جزء آخر، فيمكن لبروتون- أثناء عملية انقسام الذرّة- أن يتحوّل إلى نيوترون، وكذلك العكس.
وهكذا أصبح تبديل العناصر من العمليات الأساسية في العلم.
ولم يقف العلم عند هذا الحدّ، بل بدأ بمحاولة تبديل المادّة إلى طاقة خالصة، أي: نزع الصفة المادّية للعنصر بصورة نهائية، وذلك على ضوء جانب من النظرية النسبية ل (آينشتين)؛ إذ قرّر أنّ كتلة الجسم نسبية، وليست ثابتة، فهي تزيد بزيادة السرعة، كما تؤكّد التجارب التي أجراها علماء الفيزياء الذرّية على الألكترونات التي تتحرّك في مجال كهربائي قوي، ودقائق (بيتا) المنطلقة من نوايا الأجسام المشعّة. ولمّا كانت كتلة الجسم المتحرّك تزداد بزيادة حركته، وليست الحركة إلّامظهراً من مظاهر الطاقة، فالكتلة المتزايدة في الجسم هي- إذن- طاقته المتزايدة، فلم يعد في الكون عنصران متمايزان: أحدهما المادّة التي يمكن مسّها وتتمثّل لنا في كتلة. والآخر الطاقة التي لا يمكن أن تُرى، وليس لها كتلة، كما كان يعتقد العلماء سابقاً، بل اصبح العلم يعرّف أنّ الكتلة ليست إلّا طاقة مركّزة.
ويقول (آينشتين) في معادلته: إنّ الطاقة/ كتلة المادّة* مربّع سرعة الضوء (وسرعة الضوء تساوي (000/ 186) ميلًا في الثانية) كما أنّ الكتلة/ الطاقة ل مربّع سرعة الضوء.
وبذلك ثبت أنّ الذرّة بما فيها من بروتونات وألكترونات ليست في الحقيقة