کتابخانه
292

وهذا الجزاء في القضية الشرطية التي يمثّلها العلم الإجمالي الشرطي غير محدّد، لا في خبرتي فقط، بل في الواقع أيضاً، ولا يمكن حتّى لذات كلّية العلم أن تعيّن الكرة التي كانت تتّصف بالسواد لو كان في الكرات البيض العشر كرة سوداء.
وهذان القسمان من العلم الإجمالي الشرطي يختلفان اختلافاً جوهريّاً:
فالقضية الشرطية التي يمثّلها العلم الإجمالي من القسم الثاني تتحدّث عن جزاء لا يمكن تعيينه في الواقع حتّى لذات كلّية العلم، وهذا يعني أ نّها لا تتحدّث في الحقيقة عن الواقع ولا تنبئ بنبأ عنه، وإنّما تعبّر عن استحالة التناقض، فما دمنا قد افترضنا- في مثال الكرات البيض- أنّ إحدى الكرات العشر سوداء فإنّ ممّا يناقض هذا الفرض أن تكون الكرة 1 بيضاء، والكرة 2 بيضاء، و … و … والكرة 10 بيضاء، فلا بدّ- على أساس مبدأ عدم التناقض- أن يكون افتراضنا للسواد في إحدى الكرات البيض، يتضمّن أن تكون الكرة 1 سوداء، أو الكرة 2 سوداء، وهكذا.
وخلافاً لذلك العلم الإجمالي الشرطي من القسم الأوّل فإنّه ينبئ عن الواقع ويتحدّث عنه بلغة يشوبها الشكّ والترديد، ولهذا كان بإمكان ذات أكثر علماً منّا أن تتحدّث عن ذلك الواقع نفسه بلغة سليمة من الشكّ والترديد.
وهذا الفارق الجوهري بين القسمين يؤدّي إلى القول: بأنّ القسم الثاني من العلم الإجمالي لا يمكن أن يكون أساساً لتقييم درجة الاحتمال؛ لأنّه ما دام لا يتحدّث عن الواقع ولا يكشف عنه، فلا يمكن أن تحدّد على أساسه قيمة الاحتمال الذي ينبئ عن الواقع. خلافاً للقسم الأوّل من العلم الإجمالي الشرطي، فإنّه- نظراً إلى إخباره عن الواقع- يصلح أن يتّخذ أساساً لتقييم الاحتمالات وتحديد درجتها.

291

الحقيقي الذي يرتبط بالشرط.
ومثال آخر وهو: أ نّا نعلم بأ نّا إذا ذهبنا في ساعة كذا إلى المستشفى لوجدنا إمّا فلاناً وإمّا فلاناً … إلى الأخير، فإنّ بالإمكان أن نرجع إلى من كان في تلك الساعة مشرفاً على المستشفى، ونسأله عن تحديد نوع الأشخاص الذين كانوا في المستشفى وقتئذٍ، والذين كنّا سنراهم لو ذهبنا في تلك الساعة.
وهذا يعني: أنّ الجزاء في القضية الشرطية الإجمالية التي يمثّلها العلم الإجمالي محدّد في الواقع وإن كنت أجهله، بدليل أنّ من هو أكثر معرفةً منّي بالموضوع قادر على تعيينه لي.
الثاني: العلم الإجمالي الشرطي الذي نفترض في جزائه بدائل متعدّدة، ولا يوجد له في الواقع جزاء محدّد من تلك البدائل، حتّى أ نّا لو سألنا ذاتاً كلية العلم لَما استطاعت أن تحدّد واحداً من تلك البدائل باعتباره الجزاء الواقعي، لا لأنّ تلك الذات تجهل الواقع، بل لأنّ الجزاء غير محدّد في الواقع، ونوضّح ذلك بالمثال التالي:
إذا كانت حقيبة تضمّ عشر كرات بيضاء، ونحن لا نشكّ فعلًا- بحكم رؤيتنا لهذه الكرات- في أنّ الكرة 1، والكرة 2، و … و … والكرة 10، بيضاء، ولكن بإمكاننا أن نلقي على أنفسنا هذا السؤال: إذا كان في حقيبة (ن) كرة واحدة على الأقلّ سوداء، فأيّ واحدة من هذه الكرات سوف تكون سوداء؟ ونظراً إلى أ نّا لا نستطيع أن نعيّن الكرة السوداء، على افتراض أنّ في الحقيبة كرة سوداء، فسوف نواجه علماً إجمالياً شرطياً، شرطه: افتراض أنّ واحدة من الكرات العشر البيض سوداء، وجزاؤه مردّد بين عشرة بدائل، إذ على هذا الافتراض قد تكون الكرة 1 سوداء، وقد تكون الكرة 2 سوداء، وهكذا.

290

أنّ شرطها غير ثابت أيّ أنّ فلاناً مريض، لكي لا تصبح كاذبة. ونفس الشي‏ء يقال عن القضية الشرطية المحتملة الثانية، وهكذا إلى التاسعة. وهذا يعني: أنّ تسع قضايا شرطية محتملة تثبت أنّ فلاناً مريض، وتصبح قيمة احتمال أ نّه مريض- على أساس العلم الإجمالي الشرطي-: 10/ 9.
وهكذا يمكن أن نضع هذه الحقيقة بالصيغة التالية:
كلّ علم إجمالي شرطي يضمّ مجموعة من القضايا الشرطية المحتملة التي تشترك جميعاً في شرط واحد محتمل وتختلف في جزاءاتها، فهو ينفي ذلك الشرط المشترك بقيمة احتمالية تساوي القيمة الاحتمالية للجامع بين القضايا المحتملة التي نعلم بأنّ جزاءها غير ثابت، من مجموعة القضايا الشرطية المحتملة التي يضمّها ذلك العلم.

العلوم الشرطيّة ذات الواقع المحدّد:

والعلوم الإجمالية الشرطية تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: العلم الإجمالي الشرطي الذي يكون لشرطه جزاء معيّن في الواقع، غير أنّ جهلنا به يؤدّي إلى تشكيل قضية شرطية إجمالية نعبّر عن جزائها ببدائل متعدّدة كلّها محتملة، ولكن واحداً منها هو الجزاء المرتبط بالشرط في الواقع. وبكلمة اخرى: إنّا إذا سألنا ذاتاً كلية العلم (اللَّه سبحانه وتعالى): ما هو الجزاء الذي يرتبط بالشرط في علمنا الإجمالي الشرطي، لأمكن لتلك الذات أن تحدّد لنا ذلك الجزاء.
ومثاله: أن أعلم علماً إجمالياً شرطياً بأ نّي إذا استعملت هذه المادّة المعيّنة فسوف تحدث في جسمي حالة 1، أو حالة 2، أو حالة 3؛ ففي هذه الحالة يكون بإمكاني أن أرجع إلى إنسان خبير بخصائص تلك المادّة، فيحدّد لي الجزاء

289

زيارته لأخيه في اليوم الثاني، وهكذا. فإذا كنّا نعلم بأنّ فلاناً لم يأتِ إلى بيت أخيه في التسعة الأيام الاولى، ولا نعلم شيئاً عن اليوم العاشر، فسوف تصبح كلّ القضايا الشرطية المحتملة التي علمنا بأنّ جزاءها غير ثابت قوى نافية للشرط المشترك بينها، أي مثبتة لمرض فلان؛ وذلك لأنّ كلّ قضية شرطية يعلم بأنّ جزاءها غير ثابت لا يمكن أن تكون صادقة إذا كان شرطها ثابتاً، وبالإمكان أن تكون صادقة إذا كان شرطها غير ثابت.
فالقيمة الاحتمالية لصدق تلك القضايا الشرطية التي نعلم بأنّ جزاءها غير ثابت، تفرض أنّ شرطها غير موجود، وبهذا نستطيع أن نحدّد قيمة احتمال أنّ فلاناً مريض- في الافتراض المتقدّم- ب 10/ 9 خلال الأيام التسعة الاولى، ولكنّا لا نعلم عن مجيئه في اليوم العاشر شيئاً، ففي هذه الحالة يمكن للعلم الإجمالي الشرطي أن يثبت بدرجة 10/ 9 أنّ فلاناً مريض؛ لأنّ تسعاً من القضايا الشرطية المحتملة التي يضمّها ذلك العلم تثبت أ نّه مريض.
ولنأخذ- مثلًا- القضية الشرطية المحتملة الاولى وهي: «إذا لم يكن فلان مريضاً، فسوف يزور أخاه في اليوم الأوّل»، إنّ هذه القضية الشرطية محتملة ودرجة احتمالها: 10/ 1؛ لأنّها واحدة من عشر قضايا شرطية محتملة في ذلك العلم الإجمالي الشرطي، ونحن نعلم بأنّ جزاءها غير صادق؛ لأنّنا متأكّدون من عدم زيارة فلان لأخيه في الأيام التسعة الاولى، فلو كان فلان سليماً لكانت تلك القضية الشرطية كاذبة؛ إذ يكون شرطها ثابتاً وجزاؤها غير ثابت، وهو معنى كذب القضية الشرطية. وأمّا إذا كان فلان مريضاً فبالإمكان أن تكون القضية الشرطية صادقة رغم عدم ثبوت جزائها؛ لأنّ القضية الشرطية لا تكذب إلّاإذا كان شرطها ثابتاً وجزاؤها غير ثابت.
وعلى هذا الأساس تثبت الشرطية المحتملة الاولى- بقيمتها الاحتمالية-

288

وقد لاحظنا سابقاً أنّ العلم الإجمالي الحملي يعتبر أساساً لتحديد القيمة الاحتمالية، ففي مثال القطعة ذات الأوجه الستّة، نحدّد- على أساس العلم الإجمالي- قيمة إصابة رقم فرد للأرض ب 2/ 1، وإصابة رقم 6 للأرض ب 6/ 1، … وهكذا. ونفس الشي‏ء نقوله عن العلم الإجمالي الشرطي، فإنّ قيمة احتمال أيّ واحد من القضايا الشرطيّة العشر في المثال المتقدّم، تساوي 10/ 1، وإذا كان هناك شي‏ء واحد تدلّ عليه مجموعة من القضايا الشرطية التي يضمّها العلم الإجمالي الشرطي، أمكن تحديد قيمة احتمال ذلك الشي‏ء- على أساس هذا العلم- بأ نّها تساوي قيمة الجامع بين تلك القضايا الشرطيّة التي تدلّ على ذلك الشي‏ء.
ونصل هنا إلى تطبيق في غاية الأهمية للفكرة، وهو: أنّ العلم الإجمالي الشرطي إذا كان يمثّل شرطه واقعة محتملة وغير مؤكّدة، وكان جزاؤه متردّداً بين عشر حالات كلّ واحدة منها تعتبر جزاءً في إحدى القضايا الشرطية المحتملة التي يضمّها ذلك العلم، وكنّا نعلم بأنّ عدداً من جزاءات تلك القضايا الشرطية المحتملة غير ثابت، فإنّ ذلك يؤدّي إلى الحصول على قيمة احتمالية نافية لتلك الواقعة المحتملة التي يمثّلها الشرط في العلم الإجمالي الشرطي، وهذه القيمة تساوي قيمة الجامع بين القضايا الشرطية المحتملة التي نعلم بأنّ جزاءاتها غير ثابتة.
ولنطبّق ذلك على المثال المتقدّم: إنّ العلم الإجمالي الشرطي في هذا المثال يحتوي على شرط يمثّل واقعة محتملة، وهي: أنّ فلاناً ليس مريضاً، وعلى عشر قضايا شرطية محتملة تتّفق جميعاً في شرطها، وتختلف في جزائها، فالشرط فيها جميعاً هو افتراض أنّ فلاناً ليس مريضاً، والجزاء هو في القضيّة الشرطية المحتملة الاولى: زيارته لأخيه في اليوم الأوّل، وفي القضيّة الثانية:

287

فالنهار مضي‏ء». وعلى هذا الأساس ينقسم العلم الإجمالي إلى علم إجمالي حملي وعلم إجمالي شرطي:
فالعلم الإجمالي الحملي مثاله: أن تعلم إجمالًا بأنّ أحد أخويك سوف يزورك، أو تقذف قطعة ذات أوجه ستّة مرقّمة فتعلم إجمالًا بأنّ أحد الأرقام الستّة سوف يصيب الأرض. والعلم الإجمالي الشرطي مثاله: أن تعلم بأنّ أخاك إذا لم يكن مريضاً فسوف يزورك خلال عشرة أيام مرّة واحدة، أو تعلم بأ نّه إذا حلّ وباء بالبلد فسوف يموت بعض الناس.
وكما أنّ كلّ علم إجمالي حملي يضمّ مجموعة من الأطراف هي مصاديق وأفراد للكلّي المعلوم، كذلك يضمّ العلم الإجمالي الشرطي مجموعة من القضايا الشرطيّة وتعتبر كلّ واحدة من هذه القضايا الشرطيّة طرفاً للعلم الإجمالي الشرطي، أي أ نّها قضيّة شرطيّة محتملة بوصفها مصداقاً وفرداً للقضيّة الشرطيّة الكلّية المعلومة.
ففي مثال العلم بأنّ فلاناً إذا لم يكن مريضاً فسوف يزور أخاه في أحد الأيام العشرة، نجد أ نّنا نواجه عشر قضايا شرطيّة محتملة وهي:
1- أنّ فلاناً إذا لم يكن مريضاً فسوف يزور أخاه في اليوم الأوّل.
2- أنّ فلاناً إذا لم يكن مريضاً فسوف يزور أخاه في اليوم الثاني.
… … … … … … … … … ….
10- أنّ فلاناً إذا لم يكن مريضاً فسوف يزور أخاه في اليوم العاشر.
وكلّ واحدة من هذه القضايا محتملة، وهي أفراد لقضية شرطية كلّية معلومة، وهي أ نّه إذا لم يكن مريضاً فسوف يزور أخاه في أحد الأيام العشرة، وتعتبر كلّ واحدة من هذه القضايا الشرطية المحتملة طرفاً للعلم الإجمالي الشرطي.

286

يضمّ فئة الأسباب، والعلم الآخر يضمّ فئة المسبّبات‏[1].

انطباق الحكومة على الواقع:

ونلاحظ أنّ الحكومة التي ثبتت لبعض القيم الاحتمالية على بعض وفقاً للبديهية الإضافية الثالثة والرابعة تطابق الواقع، بدليل أ نّا إذا جمعنا عدداً كبيراً من القيم الاحتمالية الحاكمة وما يناظره من القيم الاحتمالية المحكومة فسوف نلاحظ دائماً- عند اكتشاف الحقيقة- أنّ نسبة إصابة القيم الاحتمالية الحاكمة للواقع أكبر من نسبة إصابة القيم الاحتمالية المحكومة.

فإذا أخذنا- مثلًا- مائة حالة تشتمل كلّ منها على زيارة مردّدة بين أخوين، ولأحدهما ولد واحد يصحبه معه، وللآخر أربعة أولاد يصحب أحدهم، فسوف نجد- على الأغلب- أنّ نسبة مجي‏ء الأخ الذي له أربعة أولاد، لا تزيد على نسبة مجي‏ء الأخ الآخر، وهذا يعني: أنّ الواقع يتطابق مع افتراض أنّ القيَم الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي في مرحلة المسبّبات محكومة للقيَم المستمدّة من العلم الإجمالي في مرحلة الأسباب.

العلوم الإجمالية الحمليّة والشرطيّة:

تنقسم القضية إلى قضية حملية وقضية شرطية، فالحملية تتحدّث عن وقوع شي‏ء أو نفيه، من قبيل: «الشمس طالعة» و «الإنسان ليس بخالد». والشرطية تتحدّث عن العلاقة الشرطيّة بين شيئين، من قبيل: «إذا كانت الشمس طالعة

 

[1] هنالك اتجاه آخر لنا في تفسير الموقف في هذه الحالة، لا يقوم على أساس بديهية الحكومة، بل على أساس قاعدة الضرب.( المؤلّف قدس سره)

285

افتراض انطباق ابن الأخ المعلوم، على أحد أولاد الإخوة الخمسة، لا يستبطن بنفسه افتراض توفّر القيد نفسه.
ونتيجة ذلك: إنّ الكلّي المعلوم بالعلم الأوّل ليس مقيّداً؛ لأنّ التقييد فيه مصطنع، وأمّا الكلّي المعلوم بالعلم الثاني فهو مقيّد؛ لأنّ التقييد فيه حقيقي.
4- إنّ الامور المتقدّمة إذا كانت صحيحة، أصبحت الفرضيّة التي ندرسها حالة من حالات البديهية الإضافية الثالثة؛ لأنّ القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الأوّل، التي تثبت- بدرجة 2/ 1- أنّ الأخ الأكبر هو الذي سوف يزورنا، تنفي- بنفس الدرجة- مصداقية أولاد الأخ الأصغر الأربعة للكلّي المقيّد المعلوم بالعلم الإجمالي الثاني، إذ لا ينطبق حينئذٍ على أيّ واحد منهم أ نّه ابن الأخ الذي سوف يزورنا فعلًا، وبهذا تكون حاكمة على القيم الاحتمالية لزيارة أولاد الأخ الأصغر، المستمدّة من العلم الإجمالي الثاني. ولا يمكن أن تعتبر هذه القيم الاحتمالية المستمدّة من العلم الثاني نافية لمصداقية الأخ الأكبر للكلّي المعلوم بالعلم الأوّل؛ لأنّ الكلّي المعلوم بالعلم الأوّل ليس مقيّداً، لما تقدّم من أنّ التقييد فيه مصطنع، فهو لا يعني إلّاأحد الأخَوَين دون تقييد، والأخ الأكبر أخ على أيّ حال، فلا حكومة لقيَم العلم الثاني على قيَم العلم الأوّل، وإنّما الحكومة لقيَم العلم الذي يضمّ فئة الأسباب على قيَم العلم الذي يضمّ فئة المسبّبات.
وعلى هذا الأساس نضع البديهية الإضافية الرابعة، وهي: أنّ التقييد المصطنع للكلّي المعلوم بالعلم الإجمالي في قوّة عدم التقييد، والتقييد المصطنع يتمثّل في كلّ قيد لا يحدّد من انطباق الشي‏ء المقيّد؛ لأنّ جميع احتمالات انطباق الشي‏ء تستلزم أو تستبطن توفّر القيد.
ووظيفة هذه البديهية: أ نّها تجعل القيم الاحتمالية المتنافية المستمدّة من علمين إجماليين حالة من حالات البديهية الإضافية الثالثة، إذا كان أحد العلمين‏

284

بأ نّه أب لابن الأخ الذي سيزورنا، والمعلوم بالعلم الآخر، هو أن يزورنا ابن أخ يتّصف بأ نّه ابن الأخ الذي سيزورنا.
3- إنّ تقييد الكلّي المعلوم بالعلم الإجمالي الذي يضمّ فئة الأخوين تقييد مصطنع وليس حقيقياً، خلافاً للكلّي المعلوم بالعلم الآخر، فإنّ التقييد فيه حقيقي، وذلك لأنّ التقييد الحقيقي يعني تحديد دائرة انطباق المقيّد، فالقيد إذا كان يحدّد من انطباق الشي‏ء، ولا يسمح له بالانطباق على ما كان بالإمكان أن ينطبق عليه لولا التقييد، فهو يعبّر عن تقييد حقيقي. مثلًا إذا قلت: «جاءني إنسان طويل» فكلمة طويل تعبّر عن تقييدٍ حقيقيٍّ لإنسان، إذ لولاها لكان بالإمكان أن ينطبق الإنسان الذي جاءك على إنسان قصير، ولكن كلمة طويل تمنع عن ذلك.
وإذا لاحظنا- في هذا الضوء- الكلّي الذي تعلّق به العلم الإجمالي الأوّل (الذي يضمّ فئة الأخوين) نجد أ نّه وإن كان مقيّداً- لأنّ المعلوم بهذا العلم هو مجي‏ء الأخ الذي يكون أباً لابن الأخ الذي سوف يجيئنا فعلًا- ولكن هذا القيد لا يحدّد من انطباق هذا الأخ على أيّ واحد من الأخوين؛ لأنّ شخصية ابن الأخ الذي سوف يجيئنا فعلًا لا تتحدّد في الواقع إلّاعلى أساس تحدّد الأخ الذي سوف يزورنا، فأيّ أخ فرضناه هو الزائر فالفرض بنفسه يستبطن تحديد شخصية ابن الأخ الزائر.
وفي نفس الضوء إذا لاحظنا الكلّي الذي تعلّق به العلم الإجمالي الثاني (الذي يضمّ فئة الأولاد) نجد أ نّه مقيّد، وأنّ التقييد حقيقي؛ لأنّ المعلوم بهذا العلم هو مجي‏ء ابن أخ يكون ولداً للأخ الذي سوف يجيئنا فعلًا، وواضح أنّ هذا القيد يحدّد من انطباق المقيّد، إذ لا يمكن افتراض انطباق ابن الأخ على ابن الأخ الأكبر مثلًا، إلّاإذا كان القيد متوفّراً، وهو أن يكون أبوه هو الذي جاءنا. ومجرّد