كلّ مجموعة من تلك المجاميع بنسبة واحد إلى خمسة، فخرجنا من ذلك بتعميم لهذه النسبة على كلّ مجموعة اخرى تشتمل على مائة حالة من حالات وجود (أ)، وعبّرنا عن ذلك في قانون إحصائي يقول: إنّ (أ) يعقبها (ب) عشرين مرّة في كلّ مائة مرّة.
فنحن- إذن- قمنا بتعميم استقرائي للنسبة الإحصائية إلى سائر المجاميع الاخرى التي لم يشملها إحصاؤنا المباشر، وهذا التعميم الاستقرائي بنفسه يحتاج إلى افتراض مبدأ السببيّة بمفهومها العقلي- ولو على مستوى الاحتمال-، إذ لو استبعدنا نهائياً فكرة السببيّة العقلية وآمنّا بالصدفة المطلقة، فهذا يعني: أنّ ظهور (ب) عشرين مرّة في كلّ مجموعة من المجاميع التي شملها إحصاؤنا، كان صدفة وبدون أيّ سبب يحتّم ذلك، وفي هذه الحالة لا يمكن أن نعمّم نسبة ظهوره إلى سائر المجاميع الاخرى. ويفقد الدليل الاستقرائي قدرته على تنمية احتمال هذا التعميم؛ لأنّ الصدفة ليس من الضروري أن تتكرّر، كما أوضحنا في تفسيرنا المتقدّم للمرحلة الاستنباطية من الاستقراء.
وهكذا نعرف أنّ القوانين الإحصائية التي تستخدمها العلوم، بدلًا عن التعميمات السببيّة، ليست- من وجهة نظر تحليلية للدليل الاستقرائي- بديلًا لمبدأ السببيّة بمفهومه العقلي، بل إنّ أيّ قانون إحصائي هو نتيجة استقراء وتعميم استقرائي لنسبة التكرّر، وهذا التعميم بدوره يتوقّف على افتراض مبدأ السببيّة العقلية ولو على مستوى الاحتمال؛ لأنّ كلّ تعميم استقرائي لا يمكن أن يستغني عن هذه المصادرة، كما تبيّن في الطريقة التي فسّرنا بها المرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي.