تفسير القضية التجريبيّة والحدسيّة
القضيّة التجريبيّة:
رأينا أنّ المنطق الأرسطي يعتبر القضية التجريبية إحدى القضايا الستّ الأوّلية التي تشكّل نقاط ابتداء في المعرفة البشرية الحقّة، رغم أ نّها تقع عادة تلو عدد كبير من القضايا المحسوسة، إذ ندرك بإحساسنا مثلًا: أنّ هذا الحديد قد تمدّد بالحرارة، وأنّ هذا الحديد يتمدّد بالحرارة، وأنّ ذلك الحديد كذلك، فنتوصّل إلى القضية التجريبية القائلة: «كلّ حديد يتمدّد بالحرارة».
غير أنّ المنطق الأرسطي في تصنيفه للقضايا لا يعتبر القضية التجريبية مستنتجة من مجموع تلك القضايا المحسوسة، لكي تصبح قضية ثانوية، وتفقد صفتها كقضيّة أوّلية؛ وذلك لأنّ القضية التجريبية أكبر من مجموع تلك القضايا المحسوسة؛ لأنّها تشتمل على التعميم لعدد أكبر من الحالات، فلا يمكن أن تكون مستنتجة منها.
وإذ يقرّر المنطق الأرسطي هذا عند تصنيفه للقضايا إلى أوّلية وثانوية، يحتفظ لنفسه بنظرة أعمق إلى القضية التجريبية. وبموجب هذه النظرة تتحوّل جميع القضايا التجريبية إلى قضايا ثانوية مستنتجة ومستدلّة من قضية أوّلية أساسية، وهي: «أنّ الاتفاق- أي الصدفة النسبية- لا يكون دائمياً».
فعلى أساس هذه القضية الأساسية إذا لاحظنا الاقتران بين تمدّد الحديد والحرارة على خطّ طويل، نستنتج: أنّ الحرارة تسبّب التمدّد، وأنّ الحديد يتمدّد بالحرارة دائماً؛ لأنّ ذلك الاقتران لو كان صدفة لما تكرّر باستمرار على