کتابخانه
93

عدم النجاسة فيلتزم بعدم الحجّية للتعارض.

وأمّا التقريب الثالث فيرد عليه: ماعرفت في محلّه‏[1] من: أنّ قبول خبر صاحب اليد في إثبات النجاسة ليس من صغريات قاعدة «مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به»، فلا يصحّ أن يقاس بمواردها؛ لأنّ تلك القاعدة ليست إلّامجرّد توسيع لقاعدة «أنّ إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ»، الناظرة إلى الآثار التحميلية، فلا تشمل إثبات الطهارة والنجاسة، ولو فرض أخذها كقاعدةٍ مستقلّةٍ فمفادها نفوذ الإقرار بما يملك، فمن يملك البيع أو الطلاق ينفذ إقراره به، والإقرار في المقام تعلّق بالنجاسة، ولا معنى لملكها.

ودعوى: أنّ المالك لشي‏ءٍ يملك تنجيسه، فينفذ إقراره بالتنجيس مدفوعة:

بأنّ لازم تطبيق القاعدة على هذا النحو نفوذ الإقرار المذكور من كلّ مَن له أن ينجّس الشي‏ء ولو لم يكن في حيازته، أو ملكاً له، كما لو كان مأذوناً من قبل المالك في ذلك، ولازمه أيضاً نفوذ الإقرار من المالك بالتنجيس، لا بوقوع النجاسة فيها؛ لأنّ ما يملكه هو ذاك.

وكلّ ذلك واضح البطلان، وهو يكشف عن أنّ قاعدة «مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به» إنّما هي في ملك التصرّفات المعاملية، التي يتصوّر لها نفوذ وصحّة وبطلان، لا أنّ كلَّ مَن له أن يعمل شيئاً يصدَّق في إخباره به ولو كان أجنبياً عن ذلك. وعليه فلا موجب لمقايسة المقام بموارد القاعدة المذكورة.

فالصحيح: ما عليه السيّد الماتن قدس سره، من حجّية إخبار صاحب اليد إذا صدر منه بعد ارتفاع يده، وكان ناظراً إلى زمان فعلية اليد؛ وذلك لأنّ السيرة العقلائية على العمل به شاملة لهذا الفرض؛ لانحفاظ نكتتها الارتكازية فيه وهي‏

 

[1] راجع الجزء الثاني: 118.

92

الشهادة، كما هو المفروض.
وبناءً على ذلك لا معنى لجعل شهادة صاحب اليد بالنجاسة وإخباره بأنّ المال لزيدٍ من بابٍ واحد؛ لما عرفت من أنّ هذا الإخبار ليس حجّةً من باب الشهادة، بل من باب التلفيق بين اليد والإقرار. فالقول بأنّ هذا الإخبار ليس حجّةً بعد خروج المال عن اليد- لعدم إمكان التلفيق المذكور- لا يستلزم عدم حجّية الشهادة بنجاسة الشي‏ء بعد خروجه عن اليد، بل لابدّ من النظر إلى مادلّ على حجّية هذه الشهادة على النحو الذي عرفت.
وثانياً: أ نّا لو سلّمنا رجوع الحجّية في كلٍّ من الموردين إلى كبرى واحدةٍ وهي: أنّ شهادة صاحب اليد حجّة في ما يرجع إلى ما في حوزته، ولكن حيث إنّ هذه الكبرى ثابتة بسيرة العقلاء ومرتكزاتهم فلا بُعدَ في أن يكون الارتكاز في بعض موارد تلك الكبرى مساعداً على بقاء الحجّية- حتّى بعد انتفاء اليد- دون بعضٍ آخر.
فبالنسبة إلى إخبار صاحب اليد بأنّ المال لزيدٍ إذا صدر منه هذا الإخبار والمال في حوزته فلا يوجد من قبله ما يناقضه فيكون حجّة، وأمّا إذا تصرّف المالك فوهبه لعمروٍ ثمّ أخبر بأنّ المال كان لزيدٍ فالشهادة هنا يوجد ما يناقضها من قبله، وهو ظهور تصرّفه السابق في نفي كون المال لزيد، فمن هنا يتّجه افتراض التفصيل، وعدم حجّية الإخبار المتأخّر بما هو شهادة، وإن كان حجّة بما هو إقرار، وبمقدار ما يقتضيه قانون الإقرار.
وهذا بخلاف الإخبار عن النجاسة فإنّه لا يوجد ما يناقضه من قبل صاحب اليد، سواء صدر منه حال فعلية اليد أو بعد انتفائها، فلا غروَ إذا افترضنا إطلاق الحجّية هنا.
نعم، لو كان قد صدر منه مايدلّ بظاهره- قولًا أو فعلًا- على الإخبار عن‏

91

صاحب اليد بذلك ينحلّ إلى إقرارٍ بأنّ المال ليس له، وشهادة بأ نّه لزيد، فإن بني على أنّ هذه الشهادة حجّة- كما بنى‏ عليه في المستمسك‏[1] زائداً على حجّية الإقرار- بملاك أ نّه صاحب يد أمكن إرجاع الحجّيّتين إلى كبرى واحدة، وتنظير إحداهما بالاخرى في السقوط بعد انتفاء اليد.

ولكن قد نبني على ما حقّقناه في محلّه‏[2] من: أنّ ثبوت كون المال لزيدٍ بإخبار صاحب اليد بذلك ليس من باب حجّية الشهادة، بل من باب التلفيق بين الإقرار واليد، حيث إنّ اليد لها مدلولان عرفيّان ثابتان بها شرعاً:

أحدهما: أنّ المال ليس لأحدٍ غير صاحب اليد.

والآخر: أنّ المال لصاحب اليد.

والمفاد الثاني يسقط بالإقرار الحاكم على اليد، وأمّا المفاد الأوّل فلا موجب لسقوطه بالنسبة إلى غير زيد فينفى‏ به مالكية غير زيد، وإنّما يسقط نفيه لمالكية زيد؛ لأنّ حجّية اليد مشروطة بعدم إخبار صاحبها على خلافها، وينتج بضمِّ الإقرار إلى اليد: أنّ المال ليس لصاحب اليد، وليس لأحدٍ آخر سوى زيد، فيتعيّن كونه لزيدٍ إمّا لحجّية الدلالة الالتزامية بهذا المقدار، أو لأنّه يدخل في كبرى الدعوى بلا معارض.

وعلى هذا الأساس إذا باع صاحب اليد ماله ثمّ أخبر بأ نّه كان لزيدٍ- مثلًا- يكون من الواضح عدم ثبوت ذلك بهذا الإخبار، إذ لا يمكن التلفيق المذكور حيث لا يوجد ما ينفي كون المشتري مالكاً؛ لأنّ اليد السابقة تؤكّد هذه الملكية في طول ملكية صاحب اليد ولا تنفيها، والإخبار اللاحق ليس حجةً في نفسه من باب‏

 

[1] مستمسك العروة الوثقى‏ 1: 208.

[2] راجع الجزء الثاني: 120.

90

الموضوع لهذه الحجّية، فما لم تكن اليد فعليةً لا يكون الخبر خبراً من صاحب اليد ليشمله دليل الحجّية.
وقد يكون بتقريب مقايسة المقام بإخبار صاحب اليد بعد بيعه للمال، بأ نّه كان لزيدٍ مثلًا، ففي كلٍّ من المقامين لا يقبل قول صاحب اليد الصادر منه بعد انتفاء اليد، ويقبل منه حالة وجود اليد؛ لأنّه يصدَّق في ما يرجع إلى ما تحت يده بالفعل من خصوصيات.
وقد يكون بتقريب مقايسة المقام بإقرار الشخص بما يكون مسلّطاً عليه من تصرّف، فكما أنّ إخبار الزوج بالرجوع السابق لا يقبل منه إذا وقع الإخبار بعد انتهاء العدّة كذلك إخبار صاحب اليد بالنجاسة بعد خروج الشي‏ء عن حيازته.
أمّا التقريب الأوّل فيرد عليه: أنّ هذا إنّما يناسب افتراض دليلٍ لفظيٍّ على حجّية خبر صاحب اليد بهذا العنوان، والجمود على حاقِّ مفاده، غير أنّ الصحيح:
ثبوت الحجّية المذكورة بدليلٍ لبّي، وهو السيرة العقلائية بنكتة الأخبرية، كما ذكرنا سابقاً، فلابدّ من الرجوع إلى مرتكزاتها ومدى سعتها، ولا ينبغي التشكيك في أ نّها ما دامت بنكتة الأخبرية فلا يفرق فيها بين بقاء اليد وارتفاعها، ما دام الخبر ناظراً إلى ظرف فعلية اليد.
وأمّا التقريب الثاني فهو مبنيّ على إرجاع الحجّية لكلٍّ من إخبار صاحب اليد على المال بأ نّه لزيد وإخباره بأ نّه نجس إلى كبرى واحدة، وهي حجّية الشهادة من صاحب اليد في ما يرجع إلى ما في يده من خصوصيّات، وحيث إنّ شهادته بأنّ المال لزيدٍ لا تقبل منه بعد إخراجه للمال من حوزته فيقال بأنّ شهادته بالنجاسة كذلك أيضاً.
ويرد عليه:
أوّلًا: ما ذكرناه في محلّه من: أنّ ثبوت كون المال لزيدٍ بإخبار

89

الأمر كذلك لو كان المدرك هو السيرة، بمعنى‏ بناء المتشرّعة خارجاً، لا بمعنى‏ السيرة العقلائية؛ لأنّ الجزم بوجود بناءٍ متشرّعيٍّ على‏ العمل بقول الغاصب صادر من المتشرّعة بما هم متشرّعة في غاية الإشكال، وهذا خلافاً للسيرة العقلائية التي يدور تشخيص سعتها مدار سعة نكاتها المرتكزة الممضاة.

وأمّا من الناحية الثانية فالظاهر التعميم أيضاً. ولا يقاس المقام على‏ قبول قول صاحب اليد إذا ادّعى‏ ملكية ما تحت يده، حيث لا يثبت لصاحب اليد الضمنية إلّاملكية النصف؛ وذلك لأنّ اليد- التي هي موضوع قاعدة اليد المثبتة للملكية- بمعنى‏ الحيازة والسيطرة، ومن الواضح أنّ الشريك ليس متسلّطاً على‏ تمام المال.

وأمّا اليد التي يكون إخبار صاحبها حجّةً في المقام فهي يد المباشرة والتصرّف، ومن الواضح أنّ الشريك يمارس تمام المال من خلال تصرّفه في النصف المشاع، فتجري بشأنه نكتة الأخبرية التي هي ملاك الحجّية في المرتكز العقلائي.

الجهة الثانية: في سعة دائرة الحجّية من حيث أقسام الخبر؛ لأنّ خبر صاحب اليد: تارةً يكون قبل الاستعمال، واخرى بعد الاستعمال والخروج عن يده، وثالثةً بعد الاستعمال مع بقاء اليد.

والحالة الاولى هي المتيقّنة من دائرة الحجّية.

وأمّا الحالة الثانية فقد استشكل في حجّية خبر صاحب اليد فيها جماعة من الفقهاء[1].

وهذا الاستشكال قد يكون بتقريب: أنّ حجّية خبر صاحب اليد فرع فعلية

 

[1] منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء 1: 24، والنراقي في مستند الشيعة 1: 253- 254، وصاحب الجواهر في جواهر الكلام 6: 283.

88

أحدهما: الاستدلال بالسيرة على ذلك: إمّا بادّعاء قيامها على ذلك بنحوٍ ابتدائي، أو بإرجاعها إلى سيرةٍ أعمّ، أو إلى قاعدة «أنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به».

والآخر: الاستدلال بالروايات. وقد محَّصنا كلا المسلكين بالنحو الذي تطلَّبه المقام، وبقيت بعض التفاصيل- بعد الفراغ عن كبرى‏ حجّية قول صاحب اليد- تعرّض السيّد الماتن قدس سره لبعضها هنا، من قبيل أ نّها هل تشمل قول الغاصب، أو تختصّ بقول صاحب اليد الشرعية؟

والكلام في هذه التفاصيل يقع في عدّة جهات:

الجهة الاولى: في سعة دائرة الحجّية من حيث أقسام اليد، فإنّ اليد: تارةً تكون شرعية، واخرى يد الغاصب. كما أ نّها: تارةً تكون استقلالية، واخرى‏ ضمنية، كيد الشريك.

أمّا من الناحية الاولى فالظاهر التعميم، وتفصيله: أنّ المدرك في الحجّية- على‏ ما تقدّم‏[1]– هو السيرة العقلائية المنعقدة على‏ العمل بخبر صاحب اليد بنكتة الأخبرية، وهذه النكتة ليس لشرعية اليد دخل فيها، كما أ نّه لا يكفي فيها مجرّد كون الشي‏ء مملوكاً للشخص شرعاً، أو داخلًا تحت سلطانه خارجاً، بل هي متقوّمة باليد، بمعنى‏ كون الشي‏ء تحت تصرّفه ومباشرته، وهذا معنىً محفوظ حتّى‏ في الغاصب.

نعم، لو كان مدرك الحجّية الإخبار وقطعنا النظر عن تحكيم المرتكزات العقلائية في مفادها فقد يدّعى‏ قصور إطلاقها عن الشمول للغاصب. وقد يكون‏

 

[1] راجع الجزء الثاني: 122.

87
                        فصل‏
طريق ثبوت النجاسة أو التنجّس: العلم الوجداني، أو البيّنة العادلة.
وفي كفاية العدل الواحد إشكال، فلا يترك مراعاة الاحتياط.
وتثبت أيضاً بقول صاحب اليد (1): بملكٍ أو إجارةٍ أو إعارةٍ أو أمانة، بل أو غصب (2).

 [تفصيلات في حجّية قول صاحب اليد:]

 (1) تقدّم في الجزء الثاني من هذا الشرح «1» الكلام عن وسائل إثبات النجاسة، وإثبات حجّية الامور المذكورة: من العلم، والبيّنة، وشهادة الثقة، وقول صاحب اليد، فلاحظ ما ذكرناه هناك.
 (2) تقدّم منّا إثبات حجّية قول صاحب اليد كبروياً، واستعراض مسلكين في إثباتها «2»:
86

85

                        أحكام وتفصيلات في طرق ثبوت النجاسة

تفصيلات في حجّية قول صاحب اليد.
أحكام وتطبيقات في حجّية العلم.
أحكام وتطبيقات في حجّية البيّنة.