کتابخانه
89

الأمر كذلك لو كان المدرك هو السيرة، بمعنى‏ بناء المتشرّعة خارجاً، لا بمعنى‏ السيرة العقلائية؛ لأنّ الجزم بوجود بناءٍ متشرّعيٍّ على‏ العمل بقول الغاصب صادر من المتشرّعة بما هم متشرّعة في غاية الإشكال، وهذا خلافاً للسيرة العقلائية التي يدور تشخيص سعتها مدار سعة نكاتها المرتكزة الممضاة.

وأمّا من الناحية الثانية فالظاهر التعميم أيضاً. ولا يقاس المقام على‏ قبول قول صاحب اليد إذا ادّعى‏ ملكية ما تحت يده، حيث لا يثبت لصاحب اليد الضمنية إلّاملكية النصف؛ وذلك لأنّ اليد- التي هي موضوع قاعدة اليد المثبتة للملكية- بمعنى‏ الحيازة والسيطرة، ومن الواضح أنّ الشريك ليس متسلّطاً على‏ تمام المال.

وأمّا اليد التي يكون إخبار صاحبها حجّةً في المقام فهي يد المباشرة والتصرّف، ومن الواضح أنّ الشريك يمارس تمام المال من خلال تصرّفه في النصف المشاع، فتجري بشأنه نكتة الأخبرية التي هي ملاك الحجّية في المرتكز العقلائي.

الجهة الثانية: في سعة دائرة الحجّية من حيث أقسام الخبر؛ لأنّ خبر صاحب اليد: تارةً يكون قبل الاستعمال، واخرى بعد الاستعمال والخروج عن يده، وثالثةً بعد الاستعمال مع بقاء اليد.

والحالة الاولى هي المتيقّنة من دائرة الحجّية.

وأمّا الحالة الثانية فقد استشكل في حجّية خبر صاحب اليد فيها جماعة من الفقهاء[1].

وهذا الاستشكال قد يكون بتقريب: أنّ حجّية خبر صاحب اليد فرع فعلية

 

[1] منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء 1: 24، والنراقي في مستند الشيعة 1: 253- 254، وصاحب الجواهر في جواهر الكلام 6: 283.

88

أحدهما: الاستدلال بالسيرة على ذلك: إمّا بادّعاء قيامها على ذلك بنحوٍ ابتدائي، أو بإرجاعها إلى سيرةٍ أعمّ، أو إلى قاعدة «أنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به».

والآخر: الاستدلال بالروايات. وقد محَّصنا كلا المسلكين بالنحو الذي تطلَّبه المقام، وبقيت بعض التفاصيل- بعد الفراغ عن كبرى‏ حجّية قول صاحب اليد- تعرّض السيّد الماتن قدس سره لبعضها هنا، من قبيل أ نّها هل تشمل قول الغاصب، أو تختصّ بقول صاحب اليد الشرعية؟

والكلام في هذه التفاصيل يقع في عدّة جهات:

الجهة الاولى: في سعة دائرة الحجّية من حيث أقسام اليد، فإنّ اليد: تارةً تكون شرعية، واخرى يد الغاصب. كما أ نّها: تارةً تكون استقلالية، واخرى‏ ضمنية، كيد الشريك.

أمّا من الناحية الاولى فالظاهر التعميم، وتفصيله: أنّ المدرك في الحجّية- على‏ ما تقدّم‏[1]– هو السيرة العقلائية المنعقدة على‏ العمل بخبر صاحب اليد بنكتة الأخبرية، وهذه النكتة ليس لشرعية اليد دخل فيها، كما أ نّه لا يكفي فيها مجرّد كون الشي‏ء مملوكاً للشخص شرعاً، أو داخلًا تحت سلطانه خارجاً، بل هي متقوّمة باليد، بمعنى‏ كون الشي‏ء تحت تصرّفه ومباشرته، وهذا معنىً محفوظ حتّى‏ في الغاصب.

نعم، لو كان مدرك الحجّية الإخبار وقطعنا النظر عن تحكيم المرتكزات العقلائية في مفادها فقد يدّعى‏ قصور إطلاقها عن الشمول للغاصب. وقد يكون‏

 

[1] راجع الجزء الثاني: 122.

87
                        فصل‏
طريق ثبوت النجاسة أو التنجّس: العلم الوجداني، أو البيّنة العادلة.
وفي كفاية العدل الواحد إشكال، فلا يترك مراعاة الاحتياط.
وتثبت أيضاً بقول صاحب اليد (1): بملكٍ أو إجارةٍ أو إعارةٍ أو أمانة، بل أو غصب (2).

 [تفصيلات في حجّية قول صاحب اليد:]

 (1) تقدّم في الجزء الثاني من هذا الشرح «1» الكلام عن وسائل إثبات النجاسة، وإثبات حجّية الامور المذكورة: من العلم، والبيّنة، وشهادة الثقة، وقول صاحب اليد، فلاحظ ما ذكرناه هناك.
 (2) تقدّم منّا إثبات حجّية قول صاحب اليد كبروياً، واستعراض مسلكين في إثباتها «2»:
86

85

                        أحكام وتفصيلات في طرق ثبوت النجاسة

تفصيلات في حجّية قول صاحب اليد.
أحكام وتطبيقات في حجّية العلم.
أحكام وتطبيقات في حجّية البيّنة.
84

مسألة (5): في الشكّ في الطهارة والنجاسة لا يجب الفحص، بل يبنى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقاً بالنجاسة، ولو أمكن حصول العلم بالحال في الحال (1).

—————

رواية أبي اسامة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تصلِّ في بيتٍ فيه مجوسي، ولا بأس بأن تصلّي وفيه يهوديّ أو نصراني»[1].

والرواية وإن كانت ضعيفةً سنداً[2] ولكنّها تكفي للتأييد وإثبات احتمال التفكيك.

***

(1) إمّا تمسّكاً بإطلاق دليل قاعدة الطهارة ونحوه من أدلّة الاصول المؤمّنة التي لا مقيّد لها بالفحص في الشبهات الموضوعية، أو استناداً إلى لسانٍ مخصوصٍ من ألسنة القاعدة، من قبيل لسان «ما ابالي أبَوْلٌ أصابني أو ماء إذا لم أعلم»[3].

فإنّه لو شُكِّك في إطلاق أدلّة الاصول العامّة، وادّعي أنّ الغاية فيها ليست هي العلم بالفعل، بل العلم كلّما اريد تحصيله فلا يتطرّق مثل هذا التشكيك إلى هذا اللسان؛ لوضوح أ نّه في مقام بيان عدم الاهتمام بالواقع المحتمل، المساوق لعدم لزوم الفحص عنه بأيّ مرتبةٍ من مراتب الفحص، حتّى ما لا يعتبر من تلك المراتب فحصاً عرفاً؛ لأنّ مدرك عدم الوجوب ليس دليلًا قد اخذ في موضوعه عنوان الفحص ليجمد على حدود هذا العنوان، بل ما عرفت.

وتتمّة الكلام في المسألة تترك إلى موضعها من علم الاصول.

 

[1] وسائل الشيعة 5: 144، الباب 16 من أبواب مكان المصلّي، الحديث 1.

[2] لأنّ في سندها أبا جميلة، وهو لم يثبت توثيقه.

[3] وسائل الشيعة 3: 467، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

83

لا يختصّ بمعابد الكفار، بل يشمل دورهم أيضاً[1].

وهذا التعميم يمكن أن يقرَّب: تارةً بدعوى إلغاء الخصوصية للكنيسة والبيعة بمناسبات الحكم والموضوع، واخرى بالتمسّك بما ورد من الأمر بالرشّ في بيوت المجوس، مع إلغاء خصوصية المجوسية[2].

وكلا التقريبين محلّ الإشكال.

أمّا الأوّل فلا يتمّ على مبناه- دام ظلّه- من حمل الرشّ على أ نّه بلحاظ القذارة المعنوية؛ لوضوح أنّ القذارة المعنوية في المعابد الباطلة لعلّها أشدّ بمرّاتٍ منها في بيوت سكنى الروّاد لتلك المعابد. نعم، قد يتم ذلك بناءً على أن يكون الرشّ بلحاظ المعرضية للنجاسة العرضية.

وأمّا الثاني فيرد عليه:

أوّلًا: أنّ إلغاء خصوصيّة المجوسيّ لا يوجد ارتكازاً يقتضيه، خصوصاً على مبناه من حمل الرشّ على لحاظ القذارة المعنوية؛ لأنّ احتمال كون المجوسية أشدّ قذارةً بهذا المعنى موجود، فكيف يتعدّى منه إلى الكتابيّ بالمعنى الأخصّ؟!

وثانياً: أنّ عبارة «بيوت المجوس» يحتمل أن يراد بها بيوت النار، التي هي بالنسبة إلى المجوس كالبِيَع والكنائس بالنسبة إلى‏ اليهود والنصارى، كما يناسبه عطفها عليها في بعض تلك الروايات، وإضافتها إلى المجوس كجماعة، لا إلى المجوسيّ كفرد.

وممّا يشهد لإمكان التفكيك بين بيت المجوسيّ وبيت النصرانيّ واليهودي‏

 

[1] التنقيح 2: 164.

[2] وسائل الشيعة 5: 138، الباب 13 من أبواب مكان المصلّي، الحديث 2.

82

الحديث»[1].

وهذه الرواية سليمة عن المناقشتين السابقتين، غير أ نّها ضعيفة سنداً بكلا طريقي الشيخ والصدوق‏[2].

وأمّا الكلام في مورد الحُكم فقد ذكر السيد الاستاذ- دام ظلّه- بأنّ الحكم‏

[1] وسائل الشيعة 5: 138، الباب 13 من أبواب مكان المصلّي، الحديث 3.

[2] أمّا الصدوق في من لا يحضره الفقيه( 1: 44، الحديث 731) فرواها عن صالح ابن الحكم، الذي ضعَّفه النجاشي( رجال النجاشي: 200، الرقم 533)، وأمّا الشيخ في تهذيب الأحكام( 1: 222، الحديث 876) فرواها عن حَكَم بن الحَكَم، وهو مجهول.

وقد يصحّح ما رواه الشيخ: إمّا بدعوى الوحدة بين الحكم بن الحكم والحكم بن حكيم الذي وثقه النجاشي، كما في معجم رجال الحديث( 6: 166)، ولكنّ ترجمة الشيخ في رجاله للحكم بن الحكم(*) والحكم ابن حكيم كلّ منهما في عنوانٍ مستقلّ ظاهرٌ في التعدّد، ولا قرينة تامّة على خلافه.

وإمّا بدعوى أنّ الراوي هنا الحكم بن حكيم الثقة؛ لتطابق نسخ تهذيب الأحكام على ذلك؛ ولوجودها كذلك في الوافي( 7: 454، الحديث 6333)، وله طريق صحيح إلى تهذيب الأحكام، ولكنّ التطابق منخرم بورودها عن الحكم بن الحكم في وسائل الشيعة، وفي تفسير البرهان( 2: 444)، وفي المعتبر( 2: 116).

وأمّا نقل الوافي بطريق صحيح فمعارض بنقل صاحب وسائل الشيعة بطريق صحيحٍ ذكره في خاتمة وسائل الشيعة، وبنقل صاحب البرهان بطريقٍ صحيحٍ ذكره في آخر البرهان.

(*) لم نعثر في رجال الشيخ على حكم بن الحكم، نعم فيه ترجمة الحكم بن حكيم 171، الرقم 103، وحكيم ابن حكيم 185، الرقم 343.

81

الثالث يتعيّن حمل الأمر بالرشّ على الاستحباب؛ لأنّ رشّ المكان المعلوم النجاسة ليس واجباً أو شرطاً في الصلاة فيه مع عدم سراية النجاسة ووجود مسجدٍ طاهرٍ للجبهة، فضلًا عن المكان المشكوك حاله.

نعم، لو حمل الأمر بالرشّ على الاحتمال الأوّل فلا بدّ من تكلّف قرينةٍ على نفي الوجوب.

وبالإمكان الاستناد إلى قرينتين في نفي الوجوب:

إحداهما: معتبرة العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البيع والكنائس يصلّى‏ فيها؟ قال: «نعم». وسألته هل يصلح بعضها مسجداً؟ فقال:

«نعم»[1].

والمناقشة فيها: تارةً بأنّ الملحوظ نفي المحذور من حيث كونها بيعةً وكنيسة، لا من حيثيةٍ اخرى، واخرى بأ نّها مطلقة قابلة للتقييد بالرشّ مدفوعة: بأنّ حيثية المعرضية للنجاسة لمّا كانت حيثيةً محفوظةً غالباً في فرض السؤال فلا معنى لعدم نظر الجواب إليها، إلّابأن يكون حيثياً بحتاً، وهو خلاف الظاهر.

والتقييد بالرشّ ليس عرفياً: إمّا لأنّ المنع المحتمل عرفاً إنّما هو بمعنى لزوم الرشّ، فكيف يقيّد ما هو بظاهره بديل هذا المنع بالرشّ؟!

وإمّا لأنّ مؤونة التقييد بهذا القيد الذي فيه عناية فائقة خارجاً أشدّ من مؤونة حمل الأمر بالرشّ على التنزّه.

الثانية: رواية حكم بن الحكم، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول وسُئِلَ عن الصلاة في البِيَع والكنائس، فقال: «صلِّ فيها، قد رأيتها ما أنظفها …

 

[1] وسائل الشيعة 5: 138، الباب 13 من أبواب مكان المصلّي، الحديث 1.