إقتصادنا
871

مصادر البحث‏

1- ابن رشد والرشديّة (أرنست رينان) ترجمة: عادل زعيتر، دار إحياء الكتب العربيّة- القاهرة، 1957 م.
2- الأحكام السلطانيّة (القاضي محمّد بن الحسين الفرّاء، وعليّ بن حبيب الماوردي) تحقيق محمّد حامد الفقي، نشر مكتب الإعلام الإسلامي- قم، الطبعة الثانية، 1406 ه.
3- الأدب المفرد (البخاري) مؤسّسة الكتب الثقافيّة، الطبعة الاولى، 1406 ه- 1986 م- بيروت.
4- إرشاد الأذهان (الحسن بن يوسف- العلّامة الحلّي) مؤسسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الاولى، 1410 ه.
5- الاستبصار (الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي) طبع دار الكتب الإسلاميّة- طهران، الطبعة الرابعة، 1405 ه.
6- اسد الغابة في معرفة الصحابة (عزّ الدين الشيباني المعروف بابن الأثير) دار إحياء التراث العربي- بيروت.

869

(17) ملاحظة حول نصّ خاصّ‏

قد يقال: إنّ التعليل الوارد في النصّ «بأنّ هذا مضمون وذاك غير مضمون» يفيد أنّ الكسب بدون عمل سابق لا يجوز إذا كان مضموناً، كالتفاوت بين الاجرتين. وأمّا إذا لم يكن مضموناً فهو جائز، كالتفاوت بين الاجرة التي يدفعها الوسيط إلى المالك، والنسبة المئويّة التي يتسلّمها من المزارع إذا اتّفق أن زادت على تلك الاجرة.
وهذا القول إنّما يصحّ على بعض التقادير في تفسير التعليل، ولاستيعاب مناحي البحث مجال آخر.

868

المعروف. وإن كان تمليكاً بعنوان الإجارة فهو خلاف المفروض. ونظيره: أن يفرض الجعل على إباحة مالك الأداة للتصرّف فيها والانتفاع بها لا على تمليك منافعها. وعلى أيّ حال لا يكون الجعل بإزاء مساهمة أداة الإنتاج في العمليّة، بل بإزاء عمل يصدر من مالك الأداة، وهو التمليك أو الإباحة، ولهذا يستحقّه ولو لم تساهم الأداة في الإنتاج أصلًا.
الثالث: أن يكون الجاعل هو مالك الأداة لا تاجر الأسرّة، بأن يقول مالك الأداة: من أعطاني نصف هذا الخشب فله منفعة هذه الأداة جعلًا، بحيث تكون منفعة الأداة والعمل الذي جعل له هذا الجعل هو إعطاء تاجر الأسرّة نصف الخشب لمالك الأداة، أي تمليكه نصف الخشب، ولا يأتي فيه الإشكال السابق في هبة المنافع؛ لأنّ هذا يدخل في باب هبة الأعيان لا المنافع، ولكنّ منفعة الأداة في هذا الفرض تكون بنفسها مكافأة، والكلام إنّما هو في تحديد نوع مكافأتها لا في صيرورتها مكافأة على شي‏ءٍ آخر.

867

ليس عيناً شخصيّة مملوكة للتاجر فعلًا ليملكها العامل بالعمل، ولا مالًا في ذمّته ليعقل تملّك العامل له بعد إنجاز عمله.
وهذا الإشكال نظير الإشكال في إجارة الأرض وجعل الاجرة شيئاً من حاصلها، فإنّ الاجرة في هذا الفرض ليست عيناً خارجيّةً وشيئاً خارجيّاً موجوداً في ملك المستأجر فعلًا، ولا مالًا في ذمّته ليصبح بعقد الإجارة ملكاً للمؤجر، فمن اختار بطلان الإجارة بهذا النحو لأجل هذا الإشكال لزمه في محلّ الكلام أيضاً؛ لأنّ الجعل في الصورة المشار إليها كالاجرة في تلك الإجارة، لا هو أمر خارجي مملوك فعلًا للجاعل ولا شي‏ء في ذمّته، فأيّ شي‏ء يملك العامل على الجاعل بالعمل؟ ومن لم يأخذ بهذا الإشكال بعين الاعتبار في باب الإجارة يمكنه البناء على صحّة الجعالة في المقام أيضاً.
هذا هو ملخّص الكلام في النقطة الاولى.
وأمّا النقطة الثانية- وهي علاقة تاجر الأسرّة بأداة الإنتاج- فتوضيحها:
أنّ الجعالة هنا تتصوّر على أنحاء أيضاً بلحاظ ما يجعل بإزائه الجعل:
الأوّل: أن يكون الجعل بإزاء منفعة أداة الإنتاج، بأن يقول تاجر الأسرّة:
إنّي أجعل ديناراً لمن انتفع بالأداة التي يملكها في تقطيع الخشب، وهذه الجعالة باطلة؛ لأنّ الجعالة لا بدّ أن تتضمّن جعلًا على عمل لا على منافع لأموال، فلا يمكن فرض المجعول له منفعة أداة الإنتاج.
الثاني: بأن يكون الجعل بإزاء تمليك صاحب الأداة منفعة أداته لتاجر الأسرّة، والفرق بين هذا وسابقه: أنّ الجعل هنا يكون على عمل، وهو تمليك المنفعة من قبل صاحب الأداة، لا على منفعة المال. ولكنّ الإشكال في تصوّر تمليك المنفعة من قبل صاحب الأداة، فإنّه إن كان تمليكاً مجّانيّاً بعنوان الهبة فهو يتوقّف على القول بصحّة الهبة في المنافع وعدم اختصاصها بالأعيان، كما هو

866

فله عليّ كذا.
ونظراً إلى بعض الأسئلة التي تلقّيتها بهذا الشأن أردت أن اوضّح الفكرة من الناحية الفقهيّة في كلٍّ من هاتين النقطتين:
أمّا النقطة الاولى- وهي علاقة تاجر الأسرّة بالعامل في الجعالة- فتوضيحها: أنّ الجُعل الذي يفرضه تاجر الأسرّة للعامل في الجعالة يمكن تصويره بأنحاء:
1- أن يجعل له نصف الخشب الذي يملكه التاجر فعلًا، وذلك بأن يقول التاجر: من عمل سريراً من خشبي هذا فله نصف هذا الخشب. وفي هذه الحالة يكون العوض شخصيّاً وعيناً خارجيّة معيّنة ولا إشكال فيه.
2- أن يجعل له مالًا في الذمّة يحدّد بكونه مساوياً لنصف الثمن أو الربح الذي سوف يحصل عليه التاجر عند بيع السرير لو أراد بيعه، بمعنى أنّ تاجر الأسرّة يقول: من عمل سريراً من خشبي هذا فله في ذمّتي مال بقدر نصف الثمن الذي سوف يتاح الحصول عليه عند بيع السرير بعد إكمال صنعه.
وفي هذه الحالة يكون العوض أمراً في الذمّة، ولا إشكال فيه إلّامن ناحية أنّ العوض هنا غير محدّد تحديداً كاملًا، فبناءً على عدم اشتراط تعيين العوض في باب الجعالة كتعيين الاجرة في الإجارة لا مانع من الالتزام بصحّة هذه الجعالة.
3- أن يجعل التاجر نصف الثمن الشخصي الذي سوف يحصل عليه عند بيع السرير، لا مالًا في ذمّته يعادل النصف، أو يفرض له نصف الربح العيني الذي سوف يوجد في البضاعة.
ولا بدّ لتحقيق هذه الصورة من الالتفات إلى شي‏ء، وهو: أنّ العامل في باب الجعالة يملك الجعل بإتيانه للعمل، ففيما إذا كان الجعل نصف الثمن الذي سوف يحصل عليه البائع لا نتصوّر ملكيّة العامل لشي‏ء على التاجر؛ لأنّ الجعل‏

865

(16) الجعالة في كتاب اقتصادنا[1]

الجعالة هي كما يقال عادة: الالتزام بعوض على عمل، كما إذا قال صاحب المال: من خاط ثوبي فله درهم، ومن فتّش عن كتابي الضائع فله دينار، فالخياطة والتفتيش عن الكتاب الضائع عملان يلتزم صاحب الثوب والكتاب بالمكافأة عليهما بدرهم أو بدينار. وإذا مارسها شخص استحقّ العوض المفروض في الجعالة، بمعنى أنّ العامل يملك في موارد الجعالة العوض بالعمل. وأمّا صاحب المال فهو لا يملك العمل على العامل، ولهذا يختلف عن المستأجر الذي يملك عمل أجيره بموجب عقد الإجارة، كما أوضحنا ذلك في الكتاب الثاني من اقتصادنا، الصفحة 676.

وقد قلنا في ذلك الكتاب ص 688: إنّ العامل قد يفرض له في الجعالة عوض منفتح مرتبط بأرباح الجاعل، كما إذا كان الجاعل من منتجي الأسرّة الخشبيّة فيجعل لكلّ من يعمل من ألواحه سريراً نصف ما سوف يجنيه من الأرباح، فترتبط مكافأة العامل بنتائج العمليّة وأرباحها ارتفاعاً وانخفاضاً.

كما قلنا أيضاً: إنّ تاجر الأسرّة الخشبيّة هذا لا يمكن أن يفرض مكافأة من هذا القبيل لأدوات الإنتاج، فلا يصحّ أن يقول: من أعانني بجهازٍ لتقطيع الخشب‏

[1] لم يطبع هذا الملحق في كتاب اقتصادنا. وقد كتبه المؤلف الشهيد نظراً إلى بعض الأسئلة التي تلقّاها بهذا الشأن، فأدرجناه هنا إتماماً للفائدة.( لجنة التحقيق)

864

(15) بحث في أنّ المالك بالحيازة هو المحاز له لا الحائز

قد يكون من الأفضل القول: بأنّ الثروة الطبيعيّة إذا حازها الشخص لفرد آخر ملكها الفرد المحاز له، لا على أساس أنّ المباشر للحيازة وكيل عنه أو أجير له، بل مجرّد كونه محازاً له هو السبب في تملّكه؛ لأنّ الدليل على التملّك بالحيازة إنّما هو السيرة التي يمكن أن يقال: إنّها قائمة على تملّك المحاز له، سواء كان هو الحائز أم غيره. فتملّك المحاز له ليس بوصفه حائزاً ليعترض عليه بما تقدّم- في الجهة الاولى من الملحق السابق- من أنّ المحاز له ليس حائزاً بوصفه موكّلًا أو مستأجراً، ليعترض عليه بما مرّ- في الجهتين الأخيرتين من الملحق السابق- من أنّ عقد الوكالة أو عقد الإجارة لا يقتضي ذلك.
وإذا تمّ هذا فمعناه أنّ غير الممارس للحيازة إنّما يملك الثروة المحازة في صورة واحدة، وهي: ما إذا قصد الممارس أن يحوز له. وأمّا في غير هذه الصورة فلا يملك غير الممارس الثروة المحازة، ولا يبرّر تملّكه لها كون المباشر وكيلًا عنه أو أجيراً له؛ لأنّا عرفنا في الملحق السابق أنّ صحّة الوكالة في الامور التكوينيّة تحتاج إلى دليل خاصّ، وهو ليس موجوداً. وإنّ عقد الإجارة إنّما يقتضي تملّك المستأجر لحيازة الأجير بما هي عمل من أعماله، لا لموضوع الحيازة، أي الثروة المحازة.

863

النصّ وشموله لكلّ أجير دليلٌ على أنّ المال المحاز يملكه المستأجر لا الأجير.

ويرد عليه- إضافة إلى إمكان المناقشة في دلالة النصّ-: أنّ هذا النصّ لم يرد بسند صحيح، وطرقه كلّها غير صحيحة فيما أعلم‏[1]، فلا يمكن الاعتماد عليه.

وهكذا نعرف- على ضوء جميع هذه المناقشات- أنّ ملكيّة المستأجر لحيازة الأجير ليست سبباً في تملّكه للأموال التي يحوزها أجيره‏[2].

 

[1] راجع وسائل الشيعة 17: 238، الباب 66 من أبواب ما يكتسب به

[2] وقد يلاحظ على ما سبق: أنّ تملّك المستأجر للثروة التي يحوزها أجيره يكفي في ثبوته فقهيّاً عدم توفّر دليل على تملّك الأجير الممارس للحيازة لها؛ لأنّ الأجير وإن باشر الحيازة ولكنّ الدليل على أنّ الحيازة سبب للملكيّة ليس إلّاالسيرة العقلائيّة- لضعف الأخبار الواردة في هذا الباب‏[ مثل ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله: من سبق إلى ما لا يسبقه إليه أحد فهو أحقّ به، مستدرك وسائل الشيعة 17: 111، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات، الحديث 4، وهو حديث مرسل‏] دلالةً وسنداً- ولا نعلم أنّ السيرة العقلائيّة في عصر التشريع كانت تمنح الأجير ملكيّة الثروة المحازة، فإذا لم يثبت تملّك الأجير للثروة تعيّن أن يكون المستأجر هو المالك.

ولكنّ هذه الملاحظة لا تبرّر ملكيّة المستأجر للثروة حتّى إذا تمّت وسلّمنا معها بعدم وجود دليل على ملكيّة الأجير، فإنّ عدم توفّر هذا الدليل لا يعني توفّره من الناحية المقابلة.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك: أنّ هذه الملاحظة لا تطّرد في موارد الإحياء التي جاء فيها النصّ القائل:« من أحيا أرضاً فهي له»؛ لأنّ الدليل هناك متوفّر على أنّ صاحب الحقّ هو المحيي للأرض، والمحيي هو الأجير؛ لأنّه الذي مارس عمليّة الإحياء، فيكون الحقّ له بموجب إطلاق النصّ، فتأمّل.( المؤلّف قدس سره)

862

ويرد عليه:

أوّلًا: أنّ انتفاع المستأجر بعمل الأجير لا ينحصر بتملّكه للمال المحاز، بل قد يتعلّق غرض عقلائي بنفس الحيازة واقتطاع الخشب من الغابة، أو بتملّك الأجير نفسه، فالإجارة ليست سفهيّة على أيّ حال.

وثانياً: أ نّه لو سُلّم كون الإجارة سفهيّة، وأنّ الإجارة السفهيّة خارجة تخصّصاً أو تخصيصاً عن أدلّة صحّة الإجارة فلا يصحّ التمسّك بهذه الأدلّة لإثبات صحّتها، فضلًا عن إثبات تملّك المستأجر للمال المحاز؛ لأنّه من التمسّك بالعامّ أو المطلق في الشبهة المصداقيّة.

أضف إلى ذلك إمكان التشكيك في وجود إطلاقات في أدلّة الإجارة؛ لأنّ أخبار الباب الصحيحة ليس فيها ما يكون مسوقاً لبيان أصل صحّة الإجارة بقول مطلق ليتمسّك بإطلاقها، وآية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»[1] تدلّ على اللزوم، ولا تدلّ على الصحّة لا مطابقة ولا التزاماً. وقوله: «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ»[2] مختصّ بالتجارة، وهي ظاهرة في البيع والشراء، ولا تشمل مطلق العقود التمليكيّة.

الخامس: ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام من أ نّه قال: «مَن آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق»[3].

وهذا يدلّ على أنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره، وإلّا لَما صحّ هذا الكلام على الإطلاق، ولَما صدق على من آجر نفسه للحيازة ونحوها. فإطلاق‏

 

[1] سورة المائدة: 1

[2] سورة النساء: 29

[3] وسائل الشيعة 19: 103، الباب 2 من أبواب كتاب الإجارة، الحديث الأوّل