______________________________
وأمّا النصّ الأخير في خبر الهاشمي فهو يعتبر عمل المستأجر الوسيط في الأرض- كحفر النهر ونحوه- شرطاً في صحّة المزارعة التي يتّفق عليها مع العامل، وشرطاً بالتالي في جواز تملّك هذا المستأجر الوسيط للزيادة الناجمة عن التفاوت بين ما يعطي لمالك الأرض وما يأخذ من العمل المباشر.
ولكي نعرف عدم تعارض هذا مع مدلول النصّين السابقين يجب أن نعرف:
أوّلًا: أنّ العمل الذي اعتبره النصّ- في خبر الهاشمي- شرطاً لصحّة المزارعة التي يتّفق عليها المستأجر الوسيط مع عامله إنّما هو العمل بعد عقد المزارعة لا قبل ذلك، بدليل قوله:« نعم، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك». فإنّ الحفر لهم والعمل لهم وإعانتهم بذلك معناه: أنّ هذه الأعمال تتمّ بعد الاتّفاق معهم على المزارعة، وأمّا إذا حفر المستأجر في الأرض قبل أن يجد الأشخاص الذين يزارعهم فلا يوصف هذا الحفر بأ نّه إعانةٌ لهم وعملٌ لحسابهم، فالعبارة تدلّ على أنّ العمل الذي جعل شرطاً في هذا النصّ هو العمل بعد العقد؛ وأمّا العمل الذي جعل شرطاً في النصّين السابقين لصحّة الإجارة باجرة أكبر فهو العمل من المستأجر قبل أن يؤاجر الأرض بأزيد ممّا استأجرها به.
وثانياً: أنّ هذا النصّ لم تفترض فيه زيادة في العقد، وإنّما حصلت الزيادة اتّفاقاً؛ لأنّ المستأجر كان قد استأجر الأرض باجرة محدّدة، ثمّ اتّفق مع عامل على أن يزرعها، ولكلٍّ منهما النصف، والنصف قدر غير محدّد بطبيعته، وكان من الممكن أن ينقص عن الاجرة التي دفعها المستأجر، كما كان بالإمكان أن يساويها أو يزيد عليها، فالزيادة التي يتحدّث عنها النصّ ليست مفروضة في طبيعة العقد؛ لأنّ العقد بطبيعته لم يفرض على العامل المباشر أن يدفع إلى المستأجر الوسيط أكثر من الاجرة التي دفعها هذا إلى المالك، وإنّما ألزم العامل في العقد بدفع نسبة مئويّة معيّنة من الناتج إلى المالك بقطع النظر عن كمّيتها وزيادتها ونقصانها عن الاجرة التي تسلّمها المالك من المستأجر الوسيط.