الفقهي، وكما رأينا ابن إدريس يحاول في السرائر تفنيد ما جاء في فقه الشيخ من أدلّةٍ كذلك نجد ابن زهرة يناقش في الغنية الأدلّة التي جاءت في كتاب العدّة، ويستدلّ على وجهات نظرٍ معارضة، بل يثير أحياناً مشاكل اصوليةً جديدةً لم تكن مُثارةً من قَبل في كتاب العدّة بذلك النحو[1].
وهذا يعني أنّ الفكر العلمي كان قد نما واتّسع بكلا جناحيه الاصولي والفقهي، حتّى وصل إلى المستوى الذي يصلح للتفاعل مع آراء الشيخ ومحاكمتها إلى حدٍّ مّا على الصعيدين الفقهي والاصولي، وذلك يعزِّز ما قلناه سابقاً[2] من أنّ نموّ الفكر الفقهي ونموّ الفكر الاصولي يسيران في خطّين متوازيين، ولا يتخلّف أحدهما عن الآخر تخلّفاً كبيراً؛ لِمَا بينهما من تفاعلٍ وعلاقات.
واستمرّت الحركة العلمية التي نشطت في عصر ابن إدريس تنمو وتتّسع وتزداد ثراءً عبر الأجيال، وبرز في تلك الأجيال نوابغ كبار صنّفوا في الاصول
[1] لا بأس أن يذكر المدرِّس مثالين أو ثلاثةً للمسائل التي اختلف فيها رأي ابن زهرة عن رأي الشيخ.
فمن ذلك: مسألة دلالة الأمر على الفور، فقد كان الشيخ يقول بدلالته على الفور، وأنكر ابن زهرة ذلك، وقال:« إنّ صيغة الأمر حيادية لا تدلّ على فورٍ ولا تراخٍ». الغنية( ضمن الجوامع الفقهية): 465، السطر 32.
ومن ذلك أيضاً: مسألة اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها، فقد كان الشيخ يقول بالاقتضاء، وأنكر ابن زهرة ذلك ممِّيزاً بين مفهومي الحرمة والفساد، ونافياً للتلازم بينهما. المصدر السابق: 468، السطر 4. وقد أثار ابن زهرة في بحوث العامّ والخاصّ مشكلة حجّية العام المخصّص في غير مورد التخصيص، المصدر السابق: 470، السطر 26. بينما لم تكن هذه المشكلة قد اثيرت في كتاب العدّة.( المؤلّف قدس سره)
[2] سبق تحت عنوان: التفاعل بين الفكر الاصولي والفكر الفقهي