3- والسبب الثالث يمكننا أن نستنتجه من حقيقتين تأريخيّتين:
إحداهما: أنّ نموّ الفكر العلمي والاصولي لدى الشيعة لم يكن منفصلًا عن العوامل الخارجية التي كانت تساعد على تنمية الفكر والبحث العلمي، ومن تلك العوامل: عامل الفكر السنّي؛ لأنّ البحث الاصولي في النطاق السنّي ونموّ هذا البحث وفقاً لُاصول المذهب السنّي كان حافزاً باستمرارٍ للمفكِّرين من فقهاء الإمامية لدراسة تلك البحوث في الإطار الإمامي، ووضع النظريات التي تتّفق معه في كلّ ما يثيره البحث السنّي من مسائل ومشاكل، والاعتراض على الحلول المقترحة لها من قبل الآخرين.
ويكفي للاستدلال على دور الإثارة الذي كان يقوم به التفكير الاصولي السنّي هذان النصّان لشخصين من كبار فقهاء الإمامية:
1- قال الشيخ الطوسي في مقدّمة كتاب «العدّة» يبرّر إقدامه على تصنيف هذا الكتاب الاصولي: «إنّ من صنّف في هذا الباب سلك كلّ قومٍ منهم المسلك الذي اقتضاه اصولهم، ولم يعهد من أصحابنا لأحدٍ في هذا المعنى»[1].
2- وكتب ابن زهرة في كتابه الغنية- وهو يشرح الأغراض المتوخّاة من البحث الاصولي- قائلًا: «على أنّ لنا في الكلام في اصول الفقه غرضاً آخر سوى ما ذكرناه، وهو: بيان فساد كثيرٍ من مذاهب مخالفينا فيها وكثيرٍ من طرقهم إلى تصحيح ما هو صحيح منها[2]، وأ نّه لا يمكنهم تصحيحها وإخراجهم بذلك عن العلم بشيءٍ من فروع الفقه؛ لأنّ العلم بالفروع من دون العلم بأصله محال، وهو
[1] عدّة الاصول 1: 3
[2] أي الكشف عن فساد كثيرٍ من متبنّياتهم من ناحية، وفساد الأدلّة التي يستندون اليها لإثبات المتبنّيات الصحيحة من ناحيةٍ اخرى.( المؤلّف قدس سره)